الثورة العراقية الكبرى

لم يشهد التاريخ أن حدث في العراق ما يحدث من ثورة وقيام شعبي على الظلم والإستبداد والطائفية المقيتة ، إن وصف قيامة العراقيين بالثورة لم يأت من فراغ ، فما يحدث في العراق ليس إحتجاجات أو تظاهرات مطلبية محددة ، إنما هي ثورة شعبية في كل المقاسات ، لأنها تعبر عن هموم وتطلعات شعب – جبار عنيد – كما وصفه الجواهري الراحل ، ولأنها كذلك فهي لا تبحث عن قوت يومها ولا معاش أبنائها الآني ، إنما هي حاجة شعب للتغيير السياسي والإجتماعي والفكري والإقتصادي ، حاجة شعب ليكون جزءا من المنظومة العالمية وليس عالة عليه .

ومنذ سنة 2003 يوم سقوط بغداد وإلى اليوم و الفشل يتراكم ويكبر حتى صار العراق أفشل دولة في العالم ، وإن الذين تناوبوا على حكمه أثبتوا بالدليل إنهم المصداق الأبرز لمعنى – المفسدون في الأرض – ، إن شعب العراق شعب حي ثار من أجل التغيير الكلي ومن أجل طرد المفسدين ومن حولهم ممن تسببوا بنكبة العراق وتدميره في وضح النهار ، لقد قلنا في مناسبات عدة : – إن السنوات الماضية كانت عبارة عن مُهل أعطيت من الشعب للزمر التي حكمت العراق – لكي يصححوا ويمارسوا دورهم في المسؤولية الحكومية المنوطة لهم ، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه فقد زادوا في معانات الشعب وحولوا الدولة والنظام إلى مرتع للحرامية واللصوص والمأجورين والقتلة ، ولقد كانت تجربة دول الجوار مرة ولم تكن على قدر المسؤولية بل ولم تساهم في حل المشكلات بل زادتها تعميقاً و تعقيدا ، ومن هنا جاءت نقمت الشعب عليهم أيما نقمة عبرت عن بعضها ما حدث في كربلاء البارحة .

كذلك ولم تكن تجربة الدين السياسي بأحزابها ومنظماتها إلاَّ المثل السيء عن فشل مشروعهم وإفتقادهم للإرادة والرؤية ، وكانوا مجرد لصوص وحرامية وقطاع طرق لا غير ساهموا بشكل مباشر في خنق العراق وشعبه ونهب أمواله وسرقتها ، ولهذا رفضهم الشعب وعبر عن ذلك في

مناسبات عدة بكل وضوح ومن غير لبس .

إن وصفنا للثورة العراقية اليوم بأنها الكبرى فإننا نعني ما نقول ، فهي بحسب المقاسات و المواصفات العالمية لمعنى الثورة في التاريخ ، فهي إذن تساوي في البعد وفي الدرجة كلا من الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والثورة البلشفية والثورة الصينية وحتى الثورة الإيرانية إن لم تزد عليهم ، وهذا النعت ليس مبالغة قوليه بل هو تعبير عن المعنى الدقيق للثورة في كل المقاسات والموازين ، وإن أحداً تندر وقال : ولماذا لم تعلن الثورة عن قيادتها ؟ ، ونقول : بحسب منطق الأشياء الواقعية ليس هناك مصلحة تقتضي ذلك بإعتبار الشعب هو القائد الآن ، والشعب كما ترون جميعاً نابض بالحيوية والروح وهو حكيم وعاقل وغير متسرع .

إنها ثورة بهذا المعنى المُراد للثورات ، ولم تكن مطالبية بالمعنى الضيق وإن بدت في الأول هكذا ، وهذه لزومية من لزوميات كل الثورات عبر التاريخ ، إنها كلمة شعب عبر عنها في صرخات وإحتجاجات في سنوات ماضية ، وكنا مع معشر الثوار نرغب في أن يصغي لنا من هم في سدة الحكم والسلطة ، ولكنهم عن عمد تجاهلوا كل ما كنا نقوله عبر بيانات ومقالات وخطب ، تجاهلوا كل ذلك ورسخوا مع داعميهم مبدأ الهيمنة والإستبداد والظلم ، في حصر الدولة والحكومة بثلة من أنصارهم ومؤيديهم ، وأما عامة الشعب فليذهبوا إلى الجحيم ، وتنافسوا في السرقات والنهب ، ووزعوا مراكز القرار وفق تأليفة طائفية مقيتة ، وعينوا رجال غير أكفاء في مراكز الأمن والجيش والشرطة ، وأزاحوا عن عمد قوى الشعب الحقيقية وبجرد بسيط لكثير من الضباط والمراتب فسنجد إنهم أميون وجهلة في هذا الشأن والمقام ، والكثير منهم حتى لا يعرف معنى الجندية والتعليم العسكري ، وكبيري السن من أحزابهم قد أغدقوا عليهم بمناصب وهمية ورتب ومقامات عسكرية كبيرة تتناسب وما يعطونه لهم من تقاعد ، وقد سمتهم السلطة نفسها بالفضائيين الذين لا وجود لهم في الأصل ، هم مجرد أسماء تنهب وتنهش بالمال العام .

لقد كان مجلس النواب في كل دوراته أعضاء ومؤوسسة من أفسد المجالس وأسوئها في العالم ، ولم يعمد على إقرار أو تبني أي شيء فيه مصلحة للشعب

، بل إن هؤلاء النفر من الأعضاء تمرسوا على الجريمة والنهب والتعامل المالي السيء ، والرشوة من خلال التوظيف بحسب الدعم .

إن الثورة العراقية هي النتيجة الطبيعية لما حدث في العراق من تآمر وخيانة من قبل البعض ، ولقد كانت تجربة الأحزاب الدينية أسوء تجربة مر بها العراق ، لذلك كان لا بد من وقفة وإن كلفت دماء وتضحيات كبيرة ، وهذا هو قدر الثورة والثوار ، فنيل المطالب لا يأتي بالتمني وإنما بالعمل والجهد والتضحية وهكذا كان شعب العراق على قدر المسؤولية وهو يواجه قدره ، غير آبه أو متردد ولعل المشاهد التي رآها العالم أثبتت ذلك من غير شك ، لقد دلت على حيوية الشعب وعمق إنتمائه لوطنه ، الذي كان ومازال وسيبقى أغلى من كل غال ، لقد تسابق الرجال والنساء من مختلف الفئات والأعمار في أن يكونوا حاضرين في المشاهد الثورية جميعها .

إن أعداء الثورة كثيرين وهم خليط من الفاسدين والمنتفعين والمرتشين والخانعين والخونة ، الذين أستجابوا لأعداء العراق الحاليين والتاريخيين وسلطوا أعوانهم في بث الدعايات من أجل تشويه هدف الثورة والثوار ، ، إن الخوف من إنتصار الثورة ومحاسبة المفسدين من أي الطبقات والرتب جعل الأعداء يتكاتفون على أختلاف ذممهم ومشاربهم ، حدث هذا في الدعوات لتغيير النظام من قبلهم ولكن تحت مظلة الدستور ، وحدث هذا تحت بند الإصلاحات الشكلية .

نعم إن الثوار يكنون حباً وإحتراما عميقين للمرجعية في النجف الأشرف ، وبنفس الوقت يدعونها للوقوف مع الثورة والثوار وقفة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويل ، ويدعون دول الجوار عدم التدخل بشؤون العراق وعدم المس بكرامة الثورة والثوار ، فدماء العراقيين أغلى من كل مقاماتهم ورتبهم ، وشعب العراق ليس شعبا مشاغبا ولكنه صاحب حق ، ولا يجب الوقوف بوجه الثائر لأن ثمن ذلك كبير في الحاضر والمستقبل ..

راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here