متى تتوقف الانتهاكات المروعة لحقوق الطفل في العراق

جنة عبد السلام 8-11-2019

نص الدستور العراقي النافذ في المادة 29

أولا: أ ـ الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية. ب ـ تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. ثانياً: للأولاد حقٌ على والديهم في التربية والرعاية والتعليم، وللوالدين حق على أولادهم في الاحترام والرعاية، ولا سيما في حالات العوز والعجز والشيخوخة. ثالثاً: يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراء الكفيل بحمايته.

كما ان العراق من الدول المنضمة الى ميثاق الامم المتحدة الخاص بحقوق الطفل حيث تلزم الاتفاقية الدولية بأن تسمح للوالدين بممارسة مسؤولياتهما الأبوية. كما تعترف الاتفاقية بحق الطفل بالتعبير عن الرأي، بحمايته من التنكيل والاستغلال، أن يتم حماية خصوصياته وألا يتم التعرض لحياته.

وكذلك ورد في ميثاق اليونيسكو ان يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، بشرط أن ينص القانون عليها وأن تكون لازمة لتأمين حقوق الاخرين او سمعتهم: أوحماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة .

كل هذه القوانين الملزمة على الدولة العراقية لاتزال نافذة ولكنها للاسف غير مطبقة .ولايوجد لها اثر في واقع الحياة العراقية.

ان الدولة العراقية الحالية تنجز موضوع التعليم والصحة بشكل او باخر بخصوص الاطفال وتدعم الامن الغذائي عبر الحصة التمونية غير انها تعجز عن توفير السكن والادامة للفقراء وتترك الطفل من ابوين فقيرين او فاقد الابوين عرضة الى التشرد ويكون عرضة للاستغلال الجنسي او الاقتصادي او الاستغلال والتجنيد من قبل الارهابيين.

ان ماجرى خلال الاحتجاجات العنفية في الاسبوعين الماضيين في العراق والموثق بالادلة والتسجيلات الحية للناشطين يثبت انه قد جرى استغلال الاطفال دون سنة الخامسة عشر في اعمال عنفية عرضت حياتهم للخطر وبالفعل قتل عدد منهم ، وان الدولة العراقية عجزت عن حماية هؤلاء الاطفال من الاستغلال في اعمال قتالية وفشلت في الحفاظ على حياتهم.

لقد تم تجنيد هؤلاء المعوزين باموال وبطاقات هاتف واغذية من اجل القيام باعمال تخريب وتم الايحاء لهم بصواب مايفعلون وانه جزء من بطولتهم الفتية ان ينفذوا اقتحامات بالزجاجات الحارقة وان يقدموا على اختراق الحواجز الامنية حتى الموت قتلا وذلك بتغرير هؤلاء الاطفال بأنهم حينها قد صاروا شهداء الوطن وان عوائلهم سوف تنال المكاسب من جراء سفك دماؤهم.

لقد فشلت الامم المتحدة عن طريق ممثلتها الخاصة بالعراق جنين بلاخارست فشلت في التنديد بما يحدث من استغلال اقتصادي للاطفال واليافعين وفشلت في تشخيص وفضح وقائع استئجارهم ليكونوا جزء من نزاع مسلح يقضى على حياتهم.

كما فشلت في الاشارة الى عدم شرعية ممارسات العصيان المدني القسري على طلاب مدارس قاصرين ودفعهم بالاكراه لترك مدارسهم .

كما ان الدولة مشتركة في تلك الجريمة عن طريق مديرات المدارس والمعلمات اللواتي انخرطن في هذا السلوك المنحرف تجاه حقوق الطفل وعلى الدولة العراقية ان تشخص وتعاقب كل من هؤلاء بشكل يضمن عدم تكرار هذه الجريمة جريمة الدفع بالاطفال الى مناطق النزاع العنفي المسلح والمخاطره بحياتهم من اجل اجل التكسب السياسي. مثال ذلك ما شهدناه من تجول اطفال مدارس ابتدائية في نفق التحرير بدون موافقة مسبقة من اولياء امورهم.

اذا كان العراق بحاجة الى اصلاح فالواجب حماية الاطفال من ان يكونوا حطبا في صراع سياسي يخص البالغين . ولكن ما شهدناه هو العكس تماما حيث تم الدفع بالفتية الى الصراعات المسلحة بدون ادنى رحمة ولاضمير من قبل اشخاص يسرحون ويمرحون تحت نظر الدولة العراقية ولم تتم محاسبتهم لحد الان.

ان فشل الدولة الفاضح في اسكان المعدمين من هؤلاء وتركهم يمارسون الاستجداء في تقاطعات العاصمة شجع هؤلاء المخربين على استغلالهم لانهم عبارة عن لقمة سائغة سهله الاغراء والقياد.

واذا كانت الدولة عجزت عن قيمومة امهاتهم وسترهن بالكفاف فدفعن بهم للشارع كباعة متجولين محرومين من ادنى مستوى تعليم يحميهم من الدجالين وصارت الشحاذة نمط حياتهم رغم سد الحاجة فعلى الدولة ان تصحى من نومها العميق وتتجه الى حلول جذرية وحاسمة وقانون صارم بخصوص حماية الطفل.

لو كانت الدولة العراقية جادة في حماية هؤلاء لشرعت قانون يكفل حياتهم من سكن بالحد الادنى ومن ثم محاسبة الام اذا دفعتهم الى ترك المدرسة وممارسة الاستجداء.. ومن ثم يصار الى مصادرتهم من امهاتهم الفاشلات كعقوبة رادعة على استغلال طفولتهم في نشاطات الاستغلال الاقتصادي والاستجداء.

لكن كل هذا لم يتم الالتفات اليه ولايوجد اي احصاء يتكفل به واكتفت الدولة بفرض اللقاحات و بتوزيع الحصة التمونية من رزوسمن وسكر وطحين وكانما حياة الطفل وقيمومته تتطلب هذه العناصر الاربعة فقط دون سقف يحمي حياته من اخطار الاستغلال العسكري والجنسي والاقتصادي.

ان مشهد واحد من مشاهد محاصرة القنصلية الايرانية في كربلاء يدل على ما اقول ان الاطفال يتم دفعهم نحو المواجهات بينما يختبئ القادة الميدانيين في الخلف يصورون بالموبايل ويبثون مباشر الى اليوتيوب ، وفي احدى المشاهد كان القائد الميداني يجلس في سيارة بيضاء في احد الشوارع ويصيح بالاطفال (ابطال .. ابطال … اتقدمو من هنا من هنا ) ولما جوبه الاطفال بما جعلهم يرتدون على اعقابهم صاح بهم فقال احد الاطفال (يدفع بينا وهو كاعد بسيارته) وقال اخر (اي كاعد جوه التبريد).

هذه الهجمات تكلفت حياة ثلاث من الاطفال سقطوا نتيجة مشتركة لاهمال الدولة ونتيجة استغلالهم من قبل المخربين.

وفي مقطع اخر يدمي القلب حقا عندما غرر بهم ا(لناشط) الذي تولى مهمة توزيع الكاش على مجموعة من هؤلاء في الليلة التي سبقت اقتحام ساحة الملك فيصل قرب وزارة العدل في جانب الكرخ وترك الاطفال في مرمى نار حماية الخضراء حتى سقط منهم اربعة وتهشم راسه احدهم بينما جلس القائد الميداني موزع الكاش على الاطفال المستغل لهم عسكريا في صراع مسلح جلس يندب حظه في ان احذيته تقطعت في هذا الحادث ولم تظهر عليه اي علامة تاثر بمقتل هؤلاء الابرياء الذين ساقهم معه الى الموت دون اي ضمير.

ان كل هذا يجري تحت انف حكومة فاسدة لاتستطيع حماية شعبها من تطلعات مريضة لكل من هب ودب وجعلت اطفال الفقراء وغير الفقراء عرضة وغرض للاستغلال المادي والتحريض العاطفي واغلاق المدارس والقتل نتيجة ذلك.

يجب ان يتم توعية المجتمع ان الطفل ليس غرض يسمح التلاعب به واستغلاله في الصراعات المسلحة لان الطفل قيمة عليا وان الطفل اغلى ما يملك كل مجتمع حتى يكبر وان التقدم هو التقدم في تنمية الطفل اولا وقبل كل شئ.

تعسا لكم يامن تستعملون الاطفال كما هي عادتكم خلال اربعين سنة خلت تستعلونهم في البروباغندا الحربية وفي العسكرة وفي التجسس واخيرا في التخريب والتدمير باسم الثورة على الاصلاح.

ان الذي لايقيم حرمة لدم طفل يسوقه لاقتحام الحواجز الامنية لايمكن ان نأتمنه على العراق … الحكومة الحالية تحمي المفسدين وتتستر عليهم وتمارس الفساد وتفشل كل يوم في التنمية والخدمات ويجب ان يختفي كل افرادها من المشهد السياسي بشكل عاجل وان يتم تشريع قانون انتخاب جديد وحل جميع الاحزاب المتصارعة على المكاسب وان تتم انتخابات جديدة يتصارع فيها طرفين فقط هم الفقراء لضمان حقوهم من هيمنة واطماع الاغنياء .حتى نتمكن من حماية اطفالنا من خطر التشرد والفاقة وخطر الاتجار بهم في الصراعات والمغامرات السياسية المسلحة.

ان من يستعمل الاطفال وقودا لتحقيق احلام الدول الاقليمية المعادية هو اشد اجراما من هذه الحكومة وهو من بقايا البعث الفاشستي بلا ادنى جدال. وهو اسوء من الفاسدين الذين يحاربهم تحت شعار الاصلاح علنا ولكنه واقعا يحاربهم ليحل مكانهم فيما بعد. ويتظاهر بالسلمية وهو اشد الخصام قد خزن السلاح لاستعماله في المراحل القادمة .

حق الاطفال في الحياة وحرمة سفك دماؤهم كشف نفاق هذه المجاميع التخريبية التي ركبت موجة الشعب الذي خرج مطالبا بالاصلاح بدون اي عنف في ساحة التحرير من رجال ونساء وعوائل رسوا اجمل هوية للعراق .

وعلى ايدي هؤلاء سوف يشرق فجر العراق المتحرر المتقدم الذي يسعى الى التنمية والحياة الكريمة وسوف يبقى هؤلاء الاطفال بارواحهم البريئة يرفرفون فوق ساحة التحرير الى ابد الزمان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here