التظاهر ، نهاية حلم !

عادة ما لا يتطابق الحلم والواقع ، فإلى الحلم آلية خاصة ، وللواقع قوانينه وإكراهات ، وللذان قد يسيرا في أتجاهين متعاكسين ، ولكن حلم القيظة ، يحاول بقدر الأمكان ، أخذ قوانين الواقع ، والحقيقة الموضوعية بالحسبان ، وعندما يحلم المرء في تحقيق رغبة وأمنيه تراوده ، ولا يرى فيها بعداً كبير عن الواقع ، فهي ، تكون ، ممكنة ، إذا ، وإذا فقط ، صحت النوايا وتألفت الأفعال مع الاقوال ، واخلص الكل لما تعهد به ، وقاله . فحلم اليقظة الذي نسجه بعض العراقين ، عن ما سيحققه عادل عبد المهدي ، بتوليه ، رئاسة الحكومة تبين فيما بعد ، أن هؤلاء ، الذين كنا نظن مجرد حالمين ، بعالم أفضل ، أنما ، كانوا ، في الواقع ، يرفعون المصاحف على أسنة الرماح ! لماذا أنقلب الحلم بعادل إلى كابوس ، هل لأنه زاد الأمور سوء ، أما أنه ثمة لعنه وبرنامج جهنمي ، تنفذ فقراته وخطواته بالتدريج ، وتباعاً ، بغض النظر عن ما يقدمه من خير وشر . المهم هو الخطة والبرنامج ؟ فنحن ، نرى نفس الكائنات التي هللت وطبلت لعادل عبد المهدي ، هي نفس الكائنات التي تأبلسه ، وتجرمه ، وتنعته بشتى الصفات المرذولة . وعليه من ثم ، من حقنا أن نسأل ، فهل هو رئيس الوزاء ، أو رؤساء

الوزراء هم السيئون والفاسدون ، أم أنه الشعب أو على الأقل ، زمر كبيرة منه هو السيئ والفاسد ؟

(١) عادة ما يصور ، الشعب ، من قبل الذين يطنبواً بمدح لغاية خاصة بهم ، على أن أفراده كائنات وديعة ، حملان رقيقة ، تقع لسوء الحظ بين براثن كائنات شرسة ، لا تعرف الرحمة ، وشعب هو دائماً على حق . ولا يرون ، بالشعب ، والحكام ، يمكن أن يكونا من طينة واحدة ، فهما دائماً وأبدً مختلفين . ولذا الحق ، كله مع الشعب ، والحكام ، كائنات شريرية ، لا يمكن توقع الخير منها . هذه المانوية هي ما نجدها ، لدى اغلب هؤلاء الذين يتغنون في حب الشعب الأن ، ويكليون الشتائم ، ويستخدمون أقسى الألفاظ بحق الحكام . نحن نرفض هذه القسمة المغرضة ، والتي تستخدم ، كما قلنا الأغراض خاصة ، وليس عن تجربة وأستقراء موضوعي .

(٢) فنحن ، نقول أن الأثنين ، يمكن أن يكونا من نفس المادة الخام التي جبل منها الأثنان، وأن ، يمكن ، في ظروف معينة ، أن يكون ، العكس صحيح ، أي أن الشعب هو الفاسد ، وقد يتوفر لهم حاكم صالح فيقوم أعوجاجهم . وهذا لا يعني هنا ، في وقتنا الحالي ، هذا الكائن موجود أو هو رئيس الوزراء ، اي أن حكام العراق هم المظلومين والمتهمين في الفساد ، لا نعني هذا ، فحكام العراق بكل أطيافهم ، من فوق إلى التحت ، فاسدون ومفسدون . ولكن الذي يصعب أثباته ، من ناحية ثانية ، هو أن يكون الشعب ، في حالة وضع العراق الحالي ، برئي من هذه التهمة ، أي الفساد ، وما هو أدهى منها ، أي يحرك من قبل جهات خارجية ، وأنه اضحى لعوبة بيدها ، فيكون الفساد هنا قد بلغ أوجه ، وفسد الملح . فالشعوب ، يجوز ، لقطاع عريض منه قد يفسد ، ويقود حتى لسقوط أمبراطوريات ، كما يخبرنا ، المؤرخ جيبون صاحب كتاب سقوط الرومانية ، وعليه ، يمكن لنا السؤال ، رغم ما يبدو فيه من تطرف ، بيد أنه ، على أي حال ، مشروع ، لكونه سؤال عن وضع ، يفترض حدث تاريخياً ، أو عبر التاريخ ، أصبح شعب فاسد . فهل الشعب العراقي شعب فاسد ومنحط ؟ وهنا نقع ، في فخ سؤالنا ، ما لم نبادر في الحال ، ونوضح ما نعيه في منحط وفسد . وهذا السؤال ، كما يبدو في الحقيقة ، طرح هكذا ، مجرد سؤال جرائي القصد منه ، الوصول لجواب السؤال بدون تهيب ، وضع الموصفات الاخلاقية جانب لحين أيضاح معنى فاسد ومنحط . الفساد والانحطاط هم صفات بشرية ، مثلما هم صفات إلى الاشياء ، وهم من أشيع الكلمات في كتب أرسطو ، حين يتحدث عن النشؤ والاندثار ، إلا معاني الكلمات تتطور أو تخصص لستخدام معين بعد أن كانت تستخدم بشكل عام . فالأنحطاط أخذ يستخدم بشكل خاص في القضايا الاخلاقية ، والسياسية ، وإلى نحلال الحضارات والدول ، ونجد ، مثل هذا التحليل عند أبن خلدون ، وجيبون ، وشبلنغر في سقوط الحضارة الغربية . والعراق ، والشعب العراقي ، يبدو ، من وجهة نظر التحلل والانحلال من أحط شعوب العالم ! كيف ؟ الامم أخلاق والعراقيون لا اخلاق عندهم ، ومعنى الأخلاق ، هو جود مبدأ أو قاعدة تحول دون فعل لا أخلاقي ، فالصفوة أو نخبة العراقية ، تفخر بأنها تخون وطنها علناً ، وكلهم يدعي ، ، كان ، وما زال عميل لدولة قوية ، من علاوي ، لكل قادة الشيعة الذين هرولوا في طلب كسب ود السعودية ودول الخليج الذين يعلنون بلا مواربه العداء لشيعة . والامم ، التزام والعراقيون ، لا التزام لهم ، فهم يمكن أن يتنصلو من أي لتزام ، في سبيل مصالح خاصة وأنانية ، وكل قائمة الموضوعات الاخلاقية ، يمكن أن تضرب بعرض الحائط ، أزاء أي مصلحة أو نزوة . ولكن ما دام الأمر ، كما تقول ، فمن هو شاهدك على كلامك هذا ، إذا لم يكن كلامك مجرد أحكام جزافية ، لا يسندها ، شاهد أو دليل ! وبما أني لا أريد ، أجيء بشواهد معاصر ، والذين أصاحبها يذمون ما وصل له الشعب من أنحطاط ، قد تكون تعاني من نفس العقدة ، التي قد يتهمنا بها البعض ، وأنها صادرة عن علة ما ، وليس حكم موضوعي ( أما فيما يخص العرب ، وأن كانوا أيضاً ولنفس الأسباب ، يملكون كثيرة من الميزات التي يتفوقون على العراقين ، ولكنهم أيضاً ، وبشهادة أبن خلدون وآخرون كثيرون ، يعانون من نفس الداء ) ، فسلاجئ لشخصية قديمة ، لا يختلف ، أحد في نزاهتها بحكامها وتقييمها لرجال ، حتى أن هذا الرجل أراد أن يصرفهم صرف الدنيار بدرهم ، وهم بالتأكيد يستحقوا الآن يصرفوا صرف الدولار بالدينار ، فهم بحقهم وعدالة قضيتهم ، أكثر الناس أختلاف ، وصراع ، وترى ، أعدائهم على باطلهم وفِي باطلهم متوحدون ، وهم أقرب إلى ربات الحجال . وصفات كثيرة آخرى ، تملئى القلب قيح . وما الرجل المعاصر ، ونقصد به ، علي الوردي ، فهو أيضاً له رأي جداً سلبي في العراقين ، فهم مزدوجو الشخصية ، والذي يعني ، أصحاب موقفين في آن ، وهذه الأزدوجية ، لا يبدو في نظره ، نتيجة تطور حضارية وتعايش حقبتين زمنيتين في داخل الشخصية الواحد ، وأنما يبدو وكأنها صارت بداخلهم مثل الكائن البرمائي . كائنات منافقه وغادرة . فالعراقيون لا يملكون لا منظومة أخلاقية ولا فلسفية أو عقائدية ، فهم مجرد ذوات أنانية مرصوصة بعضها على بدون أي رابط ، يمكن أن تنفرط وتبعثر بكل الاتجاها مع أقل أغراء أو هزة ، بعكس الوهابية ، أو اليزيدية ، أو بقية الطوائف ، مثلاً ، التي توجد لحمة ورابطة بين أفرادها . وهنا قد يثور سؤال ، وسؤال جدي ! لماذ لا يوجد لدى العراقين ( وأنا أعني بالعراقين ، هنا ، الطائفة الأكبر في العراق ، والتي هي موطن التحليل هنا ) رابطة ، بينما يوجد لدى البقية ، مثل هذه الرابطة ؟ السبب والعلة ، يرجع في أن الأكثرية العراقية ، لخصوصية ، عقيدة العراقين الشيعة ، فهي بات ، ومنذ ولادتها حمل كبير عليهم وحملتهم عذابات ومعاناة كبيرة ، وتبدو وكأنها لعنة حلة بهم ، فهي صليبهم ، حيثما رحلو يحملون ويجرجروه ورائهم ، وفصلهم ، بلا مبرر مشروع من وجهة نظر العامة ، عن محيطهم ، وألقت بهم في التيهة، فهي كانت ، في وقتها موقف مشروع ، ولكنها أضحت ، في النهاية ، ومع مرور الوقت ، عقيدة ، عقيدة حراس العقيدة ، مفبركة ، ومصنوعة ، ليهمنة على عامتها ، وعوامها ، مجرد نفاق . وتحولها من ثم ، على يد حراس العقيدة إلى أثنية ، ، وقومية . وحراس العقيدة هؤلاء فصلوا، طائفتهم ، عن قومهم ، ودينهم الاصلي ، بجعلهم قومية ، ودين منشق . فالوهابية ، أو اليهود ، مثلاً ، لا يعانو من العقدة الشيعية ، فالوهابية لا ينظر لها ، على أنها ، أثنية ، وعقيدة منفصلة عن العقيدة الأصلية ، الذي هو الاسلام . واليهود ، كذلك ، لا يعاني أفردها من لعنة الافصاء ، والشعور بالاغتراب عما حولهم ، رغم محنتهم الكبيرة في فترات تاريخية متعاقبة ، وأفرادها لا يملكو أحتقار لذات ، بل كانوا متمسكين بعقدتهم لأنها لم تفصلهم وتغربهم عن العالم ، وإنما كانوا ينتظرون أن يعود العالم لرشدة ، ويعترف في أصالة فهمهم لهذا العالم ، وأنهم شعب الله المختار ، والذي قرت لهم فيه المسيحية فيما بعد ، لكي تؤوسس شرعيتها . هذه الحقيقة الصادمة ، والمترسخت في لا وعي كل شيعي ، هي التي تفسر جانب من جوانب التشت الشيعي والعداء بينهم وعدم وجود وحدة ونواة يدرون حولها .

(٣) وبما أننا كنا نود أن تكون مقالتنا مؤجزة وتقتصر على تعليل لماذا يتظاهر الشيعة ضد من يمثلون ويخصون عداءهم لبناء طائفتهم ، لكن تداعي الخواطر والحاجة إلى الايضاح ، تقود أحيان إلى حيث ما نريد وما لا نرغب فيه ، وعلى أي حال ، قد يكون في هذه ، مع ذلك ، بعض الفائدة . لكوننا ، حاولنا أن نبين ، أن الفساد يعم العراق ، حاكميه ومحكوميه ، وأن الصراع يدور ، بين مفسدين ، وليس بين مفسد ومصلح ، فهل ، هناك ، أمل في الإصلاح في ثورة ، أو تظاهرات شبابية ، ملغومة ، لا تخباء سوى أناس العهد القديم . فالمعروف عن العراقين ، أنهم لا يجتمعون على حق ، ومن السهولة أن يجتمعو على باطل ، فالعراقيون ، كما قلنا ، لا يحول دونهم حائل فليس لديهم قيمة أعلى من قيم القبلية وما يؤمن به الفرد من نزعات أنانية ، فهم ليس لديهم قيم الواجب التي هي أعلى من القيم الفردية والقبلية . القيم الوطنية أو الإنسانية . ولذلك فليس مأهلين لثورة ، وإنما لحلال زمرة فاسدة بآخرى أشد فساد منها . فلكل الثورات قادتها ونظريتها . فما يحدث في العراق إذا كان على مستوى العفوية ، والنزعة الفردية فيمكن لأي فئة أن تستغل الوضع ، وتدير الأمور لصالحها ، وهذا ما يبدو لحد الآن كذلك . لذا من حق الحكومة أن تدافع نفسها لأنها مسؤولة عن وجود الدولة بكل مؤوساتها ، ما دامت لا تعرف هوية من يقف خلف التظاهر ، ولا تقودها معارضة معترف بشرعيتها ، فالدولة ، حتى في النظم الديمقراطية أعلى قيمة من الافراد ويمكن التضحية بهم في سبيل الدولة وحفظ هيبتها . فالذي يقود التظاهر الحالية في العراق ، ليس الأحزاب السياسية للمعارضة ، فهذه التظاهرات في الحقيقة ضد كل المجتمع بمؤسساته ، التي تولدت عن الحكومة الحالية . فتظاهر حق مضمون في الدولة الديمقراطية ، ويجب أن لا يكون ، ضد وجود الحكومة التي جاءت عن طريق الانتخاب ، لأن هذه يعني رفض الدولة الديمقراطية ورفض كهذا لا يمكن أن يتولد عنها نظام ديمقراطي ولا نظام عادل جديد ، وإنما دكتاتورية بغيضة ، ما دام جاء ضد العدالة والديمقراطية . فأستخدام الشباب بحد ذاته يدل على ثمة جهة خفيته ، تستخدمهم للأغراضها . فمن غير المشروع تماماً ، وصف هذا التظاهرات بالثورة من قبل كل أولئك الذين يكتبون عنها ، لأن أقصى ما تبلغه الدولة في عصرنا الحالي هو النظام الديمقراطي . فالثورة التي لا تقيم النظام الديمقراطي هي أغتصاب لسلطة والدولة . ولا يمكن القضاء الفساد بغير الطريقة الديمقراطية وآلياتها . لذلك ، فحجة القضاء على الفساد ، عن غير طريق ، ممثلي الشعب ، هي حجة مشكوك بها، وتستخدم فقط بقصد تحقيق مطامح غير مشروعة . وإذا عجزت آليات الديمقراطية في القضاء عليه ، فمن هو المؤهل من خارجها لفعل هذا ؟ أن هذه المعادلة لا يمكن يحققها الشباب ، فهم عادة ما يحملون أسفار غيرهم .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here