بعد 25 سنة على اتفاق السلام: الباقورة.. إلى الأردن

رئيس المجلس الإقليمي بغور الأردن عيدو غرينباوم، والمتحدث باسم المجلس عامي كفري، وصلا أمس بعد الظهر إلى قاعة صغيرة في متنزه الباقورة وكان لديهما توجيهات للدورية الأخيرة في الجيب. حتى في تشرين الثاني كانت درجة الحرارة مرتفعة في الخارج. بعد 25 سنة من التوقيع على اتفاق السلام بين الدولتين، انتهت سيطرة إسرائيل على الجيب وأعيد إلى الأردن بعد فشل المحاولات السياسية لتمديد تأجير المنطقة.

شرح غرينباوم بسرعة لعدد من المخضرمين وعدد من المراسلين كيف ستتم الجولة التي سيجري في نهايتها إغلاق البوابة التي تؤدي إلى الجيب. والمناطق التي قام سكان الكيبوتسات بفلاحتها لسنوات طويلة قبل التوقيع على اتفاق السلام ستعاد إلى الأردن. “بعد انتهاء الجولة سيتم إغلاق البوابة”.

قافلة السيارات دخلت إلى الجيب وتوقفت لزيارة محطة الكهرباء التاريخية لبنحاس روتنبرغ، التي بدأ بناؤها في 1927 وانتهى في 1932. هذه المحطة توجد في الجانب الأردني، لكن حتى أمس كان الوصول إليها مسموحاً للإسرائيليين. مدير موقع الباقورة، شاي هدار، وعد بابتسامة بأنه رغم الشائعات، فقد فحص في كل الاتجاهات “ولم يبق هناك أي مخبأ”. وحسب قوله: “لقد تنازلنا عن الموقع بدون معركة. لم يحارب أحد من أجل المكان”، وأضاف: “عندما شاهدت أمس الشاحنات الأردنية، تأثرت. شعور بإضاعة الفرصة”.

عضو كيبوتس أشدوت يعقوب من الكيبوتس الموحد والعضو السابق في لجنة إسرائيلية – أردنية تم تشكيلها بعد اتفاق السلام، ايلي آرزي، ذكر بأن هذه المحطة تركت في نهاية حرب الاستقلال عندما احتل العراقيون والفيلق الأردني المنطقة. ورغم أن المحطة بقيت في المنطقة الأردنية فإنه في اتفاق السلام وكبادرة حسن نية سمحوا لنا بالدخول إلى هناك”، قال آرزي. وعضوة الكيبوتس روحيلا اميتاي عرضت صوراً من الأيام التي كانت المحطة تعمل فيها. “هذا ألم كبير”، قالت، “الآن أعرف أن هذه ستكون المرة الأخيرة”.

وأضافت: “نحن في لحظة حزينة ومؤلمة”.

غرينباوم اختار المحطة بين الآبار وأكوام الحديد القديمة كمكان ليلقي فيه خطابه القصير الوداعي الذي لم يمتنع فيه عن توجيه الانتقاد. “هذا وداع بفعل الإنسان”، قال غرينباوم، “وداع يشكل سلوكاً غير صحيح من الحكومة الإسرائيلية في السنة الأخيرة”. وأضاف: “نخرج من هنا برأس مرفوع”. في أوساط الجمهور ثمة شخص لم يضبط نفسه، وقال: “سنعود مرة أخرى إلى هنا”. وكانت خارج المبنى بركة باطون، وهي جزء من المشروع، امتلأت بسائل وردي، جزء منها

قد يكون زيوتاً عسكرية تتناسب ولون السماء. أشعة الشمس ستغيب بعد قليل للمرة الأخيرة على الباقورة وهي تحت سيطرة إسرائيل”.

سكان المنطقة غاضبون جداً على الحكومة مؤخراً. حسب أقوالهم، هي لم تكلف نفسها عناء إبلاغهم بما يحدث، وقد اضطروا إلى سماع كل شيء مباشرة من الأردنيين. إضافة إلى ذلك، لم تقم الحكومة بإرسال مندوبين للتحدث مع المزارعين الذين فقدوا أراضيهم في الجيب.

بين المستاء والناقم على الحكومة والقائل “سنعود مرة أخرى”

في الطريق الذي يمر في الجيب نفسه، توقفت القافلة في محطة القطار الإسرائيلية التي كانت مليئة بالكتابات التي كتبها بالعبرية متنزهون في المنطقة منذ الثلاثينيات والأربعينيات. في الوقت الذي كان فيه تراكتور أردني يطلق الضجة وهو يمهد الأرض أمام السيارات الأردنية الكثيرة التي كان يتوقع أن تمر على هذه الطريق منذ يوم الإثنين، كان اميتاي يلقي قصيدة “قطار الغور” لافرايم رحمان. توسل الحضور لاميتاي بأن ينهي لأنه يجب اجتياز البوابة التي تؤدي إلى إسرائيل قبل غروب الشمس، لكن اميتاي صممت على قراءة البيت الأخير: “نتطلع إلى يوم سيعود فيه القطار القديم وهو ينثر على سطح الحقول رائحة الدخان، وسيأتي اليوم الذي سيسافر فيه جميع أبناء إسرائيل مرة أخرى في قطار مرج ابن عامر”.

الأرض لا نتركها. الناشطة في منظمة “أربع أمهات”، اورنا شمعوني، والدة الملازم ايال شمعوني الذي قتل في معركة في لبنان، قالت إنها لا تصدق حدوث هذا. وبعد إغلاق البوابة طلبت التحدث وهي جالسة لأن الأمر كان صعباً عليها. لقد تأسفت على أنها لم تتمكن من الذهاب إلى التلة التي قتلت فيها الفتيات السبع على أيدي جندي أردني في 1997. وفوق التلة نفسها يمكن رؤية الأردنيين وهم يقيمون خيمة من أجل الاحتفال الذي سيجرى في المكان.

“هذه النقطة الأكثر إيلاماً الآن”، قالت شمعوني التي أقامت موقع تخليد الطالبات. “الألم الأساسي هو أن هذه أرض سلام. منذ قتل الفتيات هذا، يرافقنا أن ثمة فتيات قتلن خلال السلام، ومع ذلك واصلنا السلام”. ثم قالت: “إن الأردنيين كانوا يأتون كل سنة ويضعون الورود. الآن أغلقت تلة القتل، وهذا مؤلم وفظيع، على الأقل هم عرفوا أنه يوجد سلام وعرفوا أن هذا عملية قتل لأبرياء”.

وقالت مرة أخرى إن هذا صعب عليها. “يؤلمني جداً أن لا أحد من الحكومة قد جاء. الألف دونم التي أخذت منا ولم يأتوا لقول كلمة عزاء لعائلات الفتيات أو لي. غداً عندما آتي لري الورود والعناية بالتلة سأجد البوابة مغلقة. لا يمكنني الوصول إلى المكان الذي قتلن فيه. هذا جرح”.

بعد عودة القافلة، أغلق جنديان إسرائيليان البوابة الصفراء. وعند الغروب، سحب الزوار والمراسلون الكاميرات حيث كان الجنود الأردنيون ينظرون إليهم.

أفنير رون، المزارع من اشدوت يعقوب، أرشد آخر المتنزهين. “لقد مر عليّ يوم صعب جداً”، قال، “يغلق الحاجز فجأة لأن هناك إخلاء. هذا سيستغرقني بضعة أيام لأستوعب الأمر. لم تترك الأرض يوماً، هذه هي المرة الأولى التي في اشدوت يعقوب يتم تركها”. مثل سكان المنطقة الآخرين، كان رون مليئاً بالانتقاد. “لم يأت أي وزير إلى هنا”، قال، “حكومة إسرائيل منذ زمن وهي تبث رسالة بأن الثمن محتمل ولن يكون فظيعاً”. وحسب قوله، هذه هراءات، يجب على أحد ما أن يقف أمام المرآة ويقول: “لم أفعل ما كان عليّ فعله”.

بقلم: نوعا شبيغل

10/11/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here