تعويل المرجعية على الفاسدين لإصلاح الأوضاع المزرية ضياع للوقت و فقدان للهيبة

بقلم مهدي قاسم

إنه لأمر محير و عجيب بالفعل أنه لا زالت المرجعية العليا
تعوّل ـــ بعد كل هذا الوقت الطويل و المخطابات والدعوات العديدة للطغمة الفاسدة في المنطقة الخضراء ، وكذلك مناشدتهم الدائمة بالإصلاح والتغيير نحو الأفضل و الأحسن ، في الوقت الذي هي تعبت و بح صوتها من كثرة المطالبة والمناشدة في خطب الجمعة من قبل وكلائها ، ومع
ذلك فأن مطالباتها ومناشدتها هذه و التي بدأت ــ منذ عهد المالكي الثاني الكارثي بعد وصول مظاهر الفساد و سوء الخدمات من الركبة حتى الرقبة ــ فلم تتلق غير ” عفطة عنز ” من قبل هذه الطغمة الفاسدة التي استهانت مستخفة بالدرجة الأولى بالمتظاهرين ليس الآن فقط ، و
إنما في السنوات الأخيرة أيضا ، سيما بمتظاهري البصرة الذين قُمعوا بكل وسائل وحشية و فاشية متاحة ، حيث سقط عديد من شهداء ، مثلما استخفت هذه الطغمة الفاسدة بمناشدات المرجعية العليا نفسها أيضا ! ..

و من ثم أليست مطالبة المرجعية متظاهري ساحة التحرير بالعودة
إلى بيوتهم وانتظار قيام الطغمة الفاسدة بالإصلاحات *تأتي متناقضة مع قول المرجعية بالذات ومفاده إن : ” المجرب لا يُجرب ” ” و كذلك مع ” و
اضاف السيستاني ان (السلطات الثلاث التنفيذية
والتشريعية والقضائية اذا لم تكن قادرة على اجراء الاصلاحات اللازمة او لم تكن تريد ذلك فلابد من التفكير بسلوك طريق آخر في هذا المجال فانه لا يمكن ان يستمر الحال على ما كان عليه قبل الاحتجاجات “الحالية التي انطلقت في الاول من الشهر الماضي” !!

؟! ..

فكيف ينتظر بل و إلى متى يجرّب المتظاهرون ممن جربوهم
منذ 16 عاما و انتظروهم ليقوموا بإصلاحات ضرورية و جذرية مطلوبة ، و الذين وعدوا مرارا ولكنهم نكثوا بما عهدوا به تكرارا ، دون قيام بأي إصلاح جذري مفروض ، مثلما يجب و ينبغي ؟!..

فيا ترى لماذا إبداء هذا الصبر الطويل و التفهم العميق
من قبل المرجعية العليا إزاء هذه الطغمة الفاسدة والمنحطة قيميا و أخلاقيا ؟ ! ، مع إنها ـ أي المرجعية ــ تعلم جيدا في قرارة نفسها بأن هذه الطغمة الفاسدة أعجز من أن تقوم بأية إصلاحات جدية و لأسباب كثيرة منها ، و بالدرجة الأولى ، لكونها فاسدة حتى النخاع و بالتالي
لا تكافح نفسها بنفسها ، و لأنها هي التي أوجدت مظاهر الفساد بدافع السرقة واللصوصية للمال العام ليس إلا ، و لعجزها و فشلها المزمنين في إدارة شؤون البلاد و تقديم الخدمات منذ 16 عاما و حتى هذه اللحظة ، و لئن همها الرئيسي ليس إدارة البلاد بمهنية و اقتدار رجال
دولة مخلصين يريدون تطوير و تحديث و تحسين الأوضاع المتردية على كل المستويات ، بقدر ما هو متجسد بفرهدة المال العام و تبذيره بفخفخة عيش و سفرات و عمليات تجميل لوجوه صلبوخية و بواسير ملتهبة و فروج مرتخية و متجعدة !! ــ عفوا للتعبيرـــ في الوقت الذي لا يجد تلاميذ
صغار بعمر ورود مقاعد للجلوس فيجلسون على أرض رطبة و باردة في أعز الشتاء بردا ..

لذا فقد آن الأوان للمرجعية العليا أن تأخذ بنظر الاعتبار
أن مسك العصا من منتصفها دائما و أبدا وفي كل الظروف و الأحوال ، و خاصة الوقوف إلى جانب القاتل و القتيل ” على مسافة واحدة ” !! و كذلك الوقوف على نفس المسافة من الظالم الفاسد و ضحاياه من فقراء ومحرومين الذين جاء فقرهم بسبب هذا الفساد و الظلم ، أمر يتعارض تماما
مع ” الموقف الحسيني ” الذي رفض الوقوف على حياد أو على ” مسافة واحدة ” من ظلم و فساد يزيد ، فقرر محاربته حتى النفس الأخير ..

و إذا لم يكن الأمر كذلك فمعنى ذلك إن الإمام الحسين قد
حارب يزيد بدافع السلطة فقط و ليس رفضا لظلمه و فساده

و مع إنكم تقرّون بوجود مظاهر ظلم و فساد في بعض خطبكم
أيام الجمع ، و لكنكم مع ذلك تصرّون في الوقت نفسه على الوقوف على ” مسافة واحدة ” من الظالم الفاسد و ضحاياه ـــ و ما اكثرهم في المنطقة الخضراء و خارجها ؟ ــ ، فأن هذا الوقوف سيكون بمثابة رسالة سلبية ، أن لم تكن مسيئة للرسالة الحسينية في ذاكرة الأجيال الصاعدة
و الثائرة على هذا الظلم و الفساد لأنها تعتبره مهينا لكرمتها الإنسانية و نوعا من تواطؤ مبطن ، وربما مع مرور أيام سيقّلل هذا الموقف الحيادي من هيبة المرجعية وقدسيتها سيما بعد انقراض أجيال “عقائدية متحجرة ” حالية و ذات إرادة مستلبة غيبيا ، و بتواز مع صعود أجيال
فتية ذات طموح و رؤية نحو مستقبل يرونه باهرا ، و التي لم تعد تخشى حتى من الموت !..

إنها مسألة وقت فحسب ..

حيث أخذت هذه الأجيال الفتية تغادر عتمة سراديب عطنة نحو
أنوار علوم ومعارف و ثقافات مختلفة ، بحثا عن صروح حق و عدالة ، طبعا على طريقتهم الخاصة ، حيث يتقدمون ولو ببطء ، ولكن عبر طرقات و دروب مستقيمة حثيثا و بإصرار مذهل و عجيب و ربما سيتعرضون لخيبة أو أكثر ، ولكنهم كسروا حاجز الخوف ، و على وشك تخلّص من مقدسات زائفة
و باطلة ، استغلتها أسر و احزاب فاسدة لسرقة المال العام و تحطيم أمال البلاد و العباد في الأزدهار و العيش الكريم .. ..

لقد أصبحوا أحرارا في قرارة نفوسهم ، فهذا هو المهم
، كخطوة أولى نحو تغيير حقيقي .

هامش ذات صلة :بلاسخارت خلال مؤتمرها الصحافي امام منزل السيستاني عقب اجتماعهما في النجف

بلاسخارت خلال مؤتمرها الصحافي امام منزل السيستاني عقب اجتماعهما في النجف

أسامة مهدي: فيما شكك المرجع الشيعي العراقي السيستاني اليوم بجدية او رغبة السلطات العراقية بتحقيق الاصلاح فقد شدد على انه لا يمكن ان يستمر الحال في العراق على ما كان عليه قبل الاحتجاجات الحالية مؤكدا على انه اذا لم تكن السلطات الثلاث قادرة على اجراء الاصلاحات اولم تكن تريد ذلك فلابد من التفكير بسلوك طريق آخر في هذا المجال.

وقال مكتب المرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني الاثنين في بيان صحافي حصلت “إيلاف” على نصه ان المرجع عبر خلال لقائه رئيسة بعثة الامم المتحدة في العراق هينيس بلاسخارت في مدينة النجف عن ألمه الشديد وقلقه البالغ لما يجري في البلاد.

وأشار إلى تحذيره المكرر منذ عدة سنوات من مخاطر تفاقم الفساد المالي والاداري وسوء الخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية الا انه لم يجد آذاناً صاغية لدى المسؤولين لمعالجة ذلك وقد وصلت الامور الى ما نشهده اليوم من اوضاع بالغة الخطورة”.

واضاف المكتب ان المرجع اكد “على ضرورة اجراء اصلاحات حقيقة في مدة معقولة وفي هذا السياق تم الترحيب بمقترحات بعثة الامم المتحدة المنشورة مؤخراً مع ابداء القلق من ان لا تكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أي اصلاح حقيقي”.

واضاف السيستاني ان “السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية اذا لم تكن قادرة على اجراء الاصلاحات اللازمة او لم تكن تريد ذلك فلابد من التفكير بسلوك طريق آخر في هذا المجال فانه لا يمكن ان يستمر الحال على ما كان عليه قبل الاحتجاجات “الحالية التي انطلقت في الاول من الشهر الماضي.

وشدد المرجع على “ضرورة الكفّ عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين ووقف الاعتقال والاختطاف في صفوفهم ومحاسبة من قاموا بذلك خلافاً للشرع والقانون، كما شدد على رفض التدخل الاجنبي في الشأن العراقي واتخاذ البلد ساحة لتصفية الحساب بين بعض القوى الدولية والاقليمية

ــ عن إيلاف”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

Read our Privacy Policy by clicking here