الانتفاضه وظاهرة وعاظ السلاطين

ليست غريبة ظاهرة وعاظ السلاطين على تاريحنا العربى الاسلامى , فقد اكد الامام الغزالى على طاعة الخليفه, السلطان فى كل الاحوال واصبحت مع الزمن والحكومات المتعاقبة واحدة من مقومات السلطه والحكم, وهذه كظاهرة اجتماعيه ثقافيه تقوم على درجات مختلفة من الدوافع والاسباب , تتباين وتتشابه وفقا للانظمه الاجتماعية الاقتصاديه, فى مختلف دول العالم. ان الوعاظ يختلفون فى درجة ارتباطهم بالسلطان ودوافعهم المبرره. ان البعض منهم ينطلق من توافق مبدئى مع السلطان فى سياسته وسلوكه السياسى مغردا لها دائما متحمسا فى التأكيد عليها, وهو فى وظيفته ودوره مستشارا شخصيا للسلطان وامينا له وبنفس الوقت احد صناع الرأى العام الذين يعول عليهم ولذلك يحضى بمكانة احتماعية وامتيازات كبيره. واخرون يختاروا هذا الاتجاه مجبرين علية بما تفرضه عليهم الاوضاع الاجتماعية والمعيشيه, يتقرب من السلطه للحصول على وظيفه او بعض المردودات الماديه التى تساعده على تجاوز ظروفه المعقدة. ان علاقته بالسلطة محدوده لعدم استعداده للغور فى اعماق التبريرات ويحوك التهم والافتراءات ضد المعارضين. كما يوجد نوعية اخرى الذين فى حالة خدمة السلطان ولكنه, فى حاله امكانية حصول تغيرات فى التشكيلة السياسيه, يطرح نفسه, فى البداية مغازلا, بشكل “خجول” ولكنه يصبح اكثر وضوحا مع وضوح عملية تغير السلطة. ان هؤلاء المثقفين يتمتعون بحاسية قوية جدا يستطيعوا بها قراءة الفرص بسرعة كبيره وعلى بينه ودراية|” من اين تؤكل الكتف.” ويصبح سريعا من المقربين والنجوم ضمن الفريق الجديد للتشكيله السلطويه.. . فى عراقنا العزيز يتوفر من كل هذه الانواع, يحملون اسماء فى مجال الثقافة والصحافه وهم ايضا اكفاء ولهم خبره وتجربة كبيره, مخلصين ومتفانين للسلطان, ويؤكدون على الولاء فى كل مناسبه, على الاقل للحفاظ على المواقع المغريه الامتيازات الكبيره. ان انتفاضة اكتوبر 2019 قد فتحت افاق واسعه لنوعية من الوعاظ للحصول على مراكز عمل مهمه جدا ومغريه فى الرواتب والامتيازات. كان احدهم ضيفا فى كثير م الفضائيات العديده : كـ ” محلل سياسى” حول مظاهرات الشباب والقضايا الكثيرة التى طرحتها وما رافق ظهورها من تساؤلات واشكاليات اخذت حيزا كبيرا فى عمل وسائل الاتصال الجماهيريه. تكلم المحلل السياسى بهدؤ, بلغة واضحة سليمه تعبر عن مستوى من التقافىة والاعداد, ويقدم ارائه وتصوراته النقديه حول انتفاضة اكتوبر 2019, فى بداية الحديث يؤكد على شرعية التظاهر وحرية الرأى, وهذا ما يكفلة ويقره الدستور, ولكن يجب ان تكون التظاهرات سلميه منظمه وبعيدة عن استخدام العنف والقوة والعبث بالممتلكات الخاصة والعامه . كما يجب ان تكون لها قيادة تعبر عنها من اجل امكانية اجراء

حوارات معها والتعرف على الاسباب والدوافع وعلى نوايا التغيير وكذلك على مطاليب المتظاهرين, ويضيف, ان المطاليب كثيرة ومتنوعه ويغلب عليها المشاعر والعواطف ولا يمكن جمعها فى مستوى واحد, ناهيك عن امكانية تحقيقها بفترة قصيره اذ لابد من وضع دراسات وتشريع قوانين لكى تكون ضمن سياقات الدستور, بالاضافه الى تأمين الاموال اللازمه لها, والاهم من ذلك يجب ان تكون سلميه وتحافظ على الممتلكات العامه والخاصه, وكأن 300 شهيد قاموا بعملية انتحار جماعى وليس بالرصاص الحى من قبل قناصين مدربين , وحوالى 15000 جريح بقنابل الغاز المسيله للدموع الممنوعة والمحضوره طريقة استعمالها دوليا . ان هذه الاراء تبدو عقلانيه ومنطقيه والمشاهد يتقبلها ويميل اليها بترحاب لانها تصدر عن كاتب وصحفى مثقف معروف ويغرى ويوحى بالموضوعية والعقلانيه والاحاطه الشامله بالموضوع, وبذلك يفرز حالة استعداد لقبول هذه الاراء من قبل الجمهور, انه محلل سياسى, هذا يعنى انه على درايه واسعه بخفايا الاموروقضايا السياسه وزواياها المتشعبه. الا ان السيد “المحلل السياسى” لم يذكر انه يعمل فى رئاسة الجمهوريه مستشارا اعلاميا لرئيس الجمهوريه, هذا يعنى انه يطرح اراء وتصورات الحكومه الرسميه, او انها تصوراته وافكاره التى يقدمها لرئيس الجمهوريه التى من شأنها الوقوف امام الانتفاضه وتعرقل تطورها والتشكك بها والنظره اليها كنزوة شبابيه تحكمها العاطفه والعجاله, ولذلك من الصعوبة اخذها محمل الجد, انها سوف تنتهى كالكثيرت قبلها. ان هذا الاسلوب يستخدم ايضا من قبل الكثير من الصحفين والمثقفين اما فى مراكز وظيفيه فى اجهزة اعلام الدوله او مستشار شخصى لاحد الكبار او المعممين. احد الصحفين الذى له باع طويل وعمل منذ سنين فى الصحافة العراقيه ومحطات التلفزيون العربيه يستخدم نفس الاسلوب ويظهر بشكل متكرر فى مقابلات ونقاشات فى التلفزيون كمحلل سياسى, دون ان يذكر وظيفته الحالية كـ ” المستشار الاعلامى” للسيد رئيس البرلمان. من الحالات الفريده التى يجب ان تثير الاهتمام قضية الناطق الرسمى لقائد القوات المسلحه وتحوله اللافت للنظرمن ثورى وضد الفاسدين الحراميه, وبغداد انتفضى فى عام 2018 الى شخص مؤثر فى طاقم السلطه واحد صانعى الرأى العام, و ليس غريبا ان يهدد طلبة المدارس بالعقوبات اذا شاركوا بالتظاهر, علما بان هذه التهديد ليس فى اطار عمله وانما فى خصوصيات وزارة التربيه. انه يتبرع ويقدم الجهود الحثيثه فى اشاره صريحه لرؤسائه, انه عند حسن الظن وانه مستعد لمهمات كبيرة وخطيره. لقد لقد احترف العديد من المثقفين هذه المهنة واصبحوا بعد فتره من الزمن اعضاء فى البرلمان ومدراء عامون وسفراء بعد ان اجتازوا فترة الاختبار, ويظهر حاليا مع استمرار الانتفاضه وصمودها الكثير من المثقفين فى محطات التلفزيون, الذين يتهموا الانتفاضه ويتعاملوا معها كخارجين عن القانون ومخربين ودعاة مرح وتسليه, رقص وغناء.وكما يبدو ان سلمية المنتفظين وحقوقهم المشروعه وما فجرته من وعى واصاله الانتماء للوطن والهويه العراقيه امرا يرهبهم وينال من وجودهم.

ان وعاظ السلاطين سوف يستمروا فى سلوكيتهم, دائما فى ترقب الفرصة الاكثر اغراءا, وكما يبدو ان المال والسلطه, مركز فى الجيش او الحكومه كفيل بتغير النفوس والمواقف والافكار. ان سلطة المحاصصه والعمائم استوعبت وفهمت الدرس جيدا . د. حامد السهيل, 13. 11.2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here