كان على المرجعية الدينية أنصاف الضحايا

يبدو ان المرجعية الدينية لم تحسم امرها بعد من الأحتجاجات الحاشدة و ان تقف بكل صراحة و وضوح الى جانب المتظاهرين و تدعو الى تحقيق مطالبهم المشروعة و اول تلك المطالب هو استقالة ( عادل عبد المهدي ) و حكومته و حل البرلمان و الدعوة الى انتخابات مبكرة و غيرها من تلك المطالب الجماهيرية فقد ظلت المرجعية على الحياد و هي تدعو في خجل من الحكومة ان تلبي ما يطلبه المتظاهرون و ان تنفذ حزمة الأصلاحات التي وعدت بها في اسرع وقت و هي أي المرجعية قد نسيت او تناست ان الأمر لا يستقيم في المساواة بين القاتل و المقتول و بين المجرم و الضحية و بعبارة اوضح بين الحكم العميل المستبد و بين جماهير الشعب المغلوبة على امرها .

لطالما ابتعدت مرجعيات النجف المتعاقبة عن التدخل في الشأن السياسي و تفرغت للعبادات و المسائل الفقهية بعيدآ عن المعترك السياسي و ذلك من منطلق فكري و شرعي يوصي بترك السياسة و امور الحكم و الأبتعاد عنها الا في الأوقات العصيبة و المنعطفات الخطيرة فكان لابد للمرجعية من التدخل و توضيح الأمور و تفسيرها للشعب و الأسباب الموجبة لذلك التدخل كما حدث في فتوى الجهاد حين اندلعت ثورة العشرين المسلحة ضد الوجود العسكري البريطاني و آخرها كان فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرها زعيم الحوزة ( السيستاني ) حين هاجم ( داعش ) العراق و احتل ثلث اراضيه و هدد ما تبقى بالأحتلال و الأبادة و السبي .

بعد الأحتلال الأمريكي و سقوط النظام السابق اصبح صوت المرجعية مسموعآ اكثر من الماضي و كانت تقترب اكثر فأكثر من التدخل في الشأن السياسي اكان ذلك بأرادتها و طواعية طمعآ بالجاه و النفوذ ( نعني هنا الحاشية التي تحيط بآيات الله العظام ) او اجبرتها الأحزاب الدينية و اقحمتها في المعترك السياسي رغمآ عنها في محاولة لأستنساخ التجربة الأيرانية في ( ولاية الفقيه ) و جعل العراق تابعآ لأيران و مرجعية ( النجف ) تتبع مرجعية ( قم ) بأعتبار ان ( الولي الفقيه ) ذو الخبرة الواسعة في الأمور السياسية و الدنيوية ( خامنئي ) يقيم في طهران و اليه سوف ترجع امور المسلمين الشيعة في كل مكان و من اهم تلك الأماكن هو العراق الجسر و الرابط البري المتخم بالثروات و العتبات و الذي هو حلقة الوصل من ايران الى سوريا و من ثم لبنان .

كان الجميع متوترآ و منتظرآ خطبة المرجعية و التي اعتاد ان يلقيها في كربلاء ممثل المرجعية فيها و كان الجميع يتوقع ان يقف مراجع الدين موقفآ صلبآ من الحكم الحالي الذي يقتل العراقيين بأوامر من قادة الحرس الثوري الأيراني و ان تطلب المرجعية بشكل صريح من ( عادل عبد المهدي ) ان يقدم استقالته فورآ دون أي تسويف او تزويغ حقنآ لدماء العراقيين و حفاظآ على ارواحهم و صيانة لممتلكاتهم العامة و الخاصة و كذلك الطلب من الجانب الأيراني وقف التدخل في الشأن العراقي و ترك العراق لأهله و مواطنيه يقررون مصيرهم دون وصايا من احد لكن هذا لم يحدث و جاءت خطبة المرجعية باهتة لا طعم و لا لون لها حين طلبت من القاتل ان يخفف من و حشيته قليلآ و ان يكف عن قتل المتظاهرين بدلآ من طلب القصاص بحق القتلة .

كان بقدور المرجعية لما لها من ثقل اجتماعي و صوت مسموع ان توقف نزيف الدم الذي خلفته آلة الدمار الحربية الحكومية و التي ادت الى ازهاق ارواح المئات من المحتجين و الالاف من الجرحى لو تدخلت المرجعية و طلبت او امرت ( عادل عبد المهدي ) ان يستقيل و يتنحى منذ بداية الأحتجاجات و من اول شهيد يسقط لا ان تماطل المرجعية و تأخذ الموقف الحكومي ذاته في التعويل على الزمن و يأس المتظاهرين من التغيير و بالتالي تلفظ الأعتصامات انفاسها و تنتهي الأضرابات و يعود كل فرد الى عمله و منزله الا و ان هذه الدماء التي اهرقت بدون حق فأنها في عنق المرجعية و رجالها حيث كان بأمكانهم ايقافها بألأعلان عن براءتهم من الأحزاب الدينية الحاكمة و انهم خارجون عن طاعة المرجعية و عاصين لأوامرها و حينها تكون الجماهير على بينة من امرها .

الموقف الأخير من التظاهرات و الذي عبرت عنه خطبة الجمعة افقد المرجعية الكثير من هيبتها و احترامها عند الناس و صارت و كأنها قد تخلت عنهم في وقت هم في حاجة الى أي يد تمتد اليهم و تنتشلهم و جاءت خطبة المرجعية مخيبة للآمال التي جعلت المتظاهرين دون سند او عون يركنون اليه و كما كانوا يعولون و يتمنون و استغلت الحكومة و ميليشياتها هذا الأمر و نكلت بالمتظاهرين و قمعتهم بوحشية و سقط في اليوم الذي تلا خطبة الجمعة العشرات من القتلى و المئات من الجرحى و كأن حكومة الفاقد للشرعية ( عبد المهدي ) قد اخذت ا��ضؤ الأخضر في هجومها الوحشي على المعتصمين حيث كان للبصرة النصيب الأكبر من الشهداء و الجرحى .

ابرز النكبات التي ابتلي بها الشعب العراقي مؤخرآ اثنتين الأولى كانت في تسلم شخصية هزيلة و ضعيفة و لا تفقه من امور السياسة و ادارة الدولة الشيئ الكثير ( عادل عبد المهدي ) و من ثم تمسكه بالحكم اما طمعآ بالجاه و المنصب و الأموال او و كما يقال ان المسدس الأيراني مصوب على رأسه ان فكر في التنحي و في الحالتين لا مبرر له و لا عذر في الأستمرار في الحكم لأن النزاهة و الشجاعة من اهم الصفات التي يجب على الحاكم ان يتحلى بهما و اما النكبة الثانية قد جاءت من المرجعية الدينية التي ادارت ظهرها للمتظاهرين و تركتهم لوحدهم يواجهون مصيرهم المحتوم امام الرصاص الحي و الأسلحة النارية و كأن هناك من اتفاق سري على وأد الأنتفاظة و قتل الثوار و كأن رجال المرجعية لم يدركوا بعد ان هذه هي تباشير ثورة استقلال و تحرر و سوف تسقط في طريقها عروش و تيجان كثيرة و ان الغد لناظره قريب .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here