المظاهرات والاحتجاجات والمطالب العراقية مزقت الطائفية واصبحت تسونونامي على السياسين والحكومة الفاسدة

د.كرار حيدر الموسوي

تعاملت النخب السياسية مع الاحتجاجات الشعبية في العراق على أنها تمثل تهديدًا وجوديًا لحكمها، فجابهتها بسيل كبير من الاتهامات ثم بررت عمليات قتل المتظاهرين، وسارعت النخب ذاتها إلى كتابة اتفاق سياسي بحروف رسموها بدماء أريقت في ساحات التظاهرات، هدفهم الإبقاء على السلطة الحاليّة وإنهاء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الحكم.ينص الاتفاق الذي كشفته وكالة الصحافة الفرنسية على أن “الأحزاب السياسية اتفقت خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك بعادل عبد المهدي والتمسك بالسلطة مقابل إجراء إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية، وتوفير الدعم للحكومة لإنهاء الاحتجاجات بكل الوسائل المتاحة”.صدقت سوح التظاهرات ما جاء في الاتفاق السياسي لإنهاء الاحتجاجات، فبعد ساعات من كشف تفاصيله ازداد حجم العنف المستخدم ضد المتظاهرين، وكذلك حصيلة الضحايا في بغداد والمحافظات الجنوبية، في محاولة لإجهاض أكبر حركة احتجاجية شهدها العراق الجديد.

الخبير الأمني والإستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي يقول: “التقارير الأمنية الحكومية صنعت صورة سيئة لأصحاب القرار عن سلمية الاحتجاجات، والسبب أن القادة سماعون للكذب وسماعون للفاسدين، تشويه السلمية ملف كلف الحكومة اقتصادًا وجهدًا كبيرًا ومغامرة قد لا تنتهي إلا بخسارتهم كل مكتسباتهم الاقتصادية والسياسية، صنعة متكاملة للتشويه من جيوش إلكترونية وقنوات فضائية وصحف وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، تمويل كبير وشركات فنية غير عراقية متخصصة في الكذب وتشويه الحقائق”.الهاشمي كشف لــ”نون بوست” مضمون بحث يعده بشأن احتجاجات طلبة الجامعات في بغداد قائلًا: “عقب 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكد 80% من الطلبة أن سبب خروجهم إلى ساحة التحرير هي السلمية التي تتمتع بها، وأن الخطابات الحكومية في تشويه سلمية الاحتجاج لم تؤخرهم عن الخروج إلى سوح التظاهرات”.ويضيف الهاشمي قائلًا: “نحو 60% من عينة البحث أكدوا أن مشاركتهم في التظاهرات السلمية أحدثت تأثيرًا في سلوكهم الشخصي وشعورهم بمسؤوليتهم تجاه وطنهم، و90% من الطلبة أوضحوا أنهم قبلوا الشعارات والخطابات التي تبنتها التظاهرات”.

يحاول المتظاهرون التخفيف من حدة العنف المستخدم ضدهم في العاصمة بغداد عبر فتح جبهات أخرى في المحافظات الجنوبية التي تعاني هي الأخرى من استخدام العنف المفرط بحقّ محتجيها، حيث يواصل البصريون احتجاجاتهم رغم الإجراءات الأمنية المشددة بعد أن فرضت السلطات في البصرة الغنية بالنفط والشباب الثائر طوقًا أمنيًا لمنع المتظاهرين من الاقتراب من المباني الحكومية وذلك في إجراء جديد لها.وتواصل منذ عدة أيام معظم المدارس والجامعات إغلاق أبوابها في جنوب العراق، بعدما أعلنت نقابة المعلمين إضرابًا عامًا في محاولة لإعادة الزخم إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تعم البلاد منذ أسابيع.ورغم دعوات السلطات لـ”العودة إلى الحياة الطبيعية”، يواصل المتظاهرون المطالبة بنظام حكم جديد وتغيير الطبقة السياسية، فيما تحاول القوات الأمنية مجددًا سد كل الطرقات المؤدية إلى سوح الاحتجاج بالكتل الإسمنتية، وخلف تلك الكتل، تتمركز قوات مكافحة الشغب التي تواصل إطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المتظاهرين مخلفة عشرات الضحايا كل يوم.

تمارس السلطات العراقية حربًا نفسية على المتظاهرين في محاولة منها لتضييق الخناق عليهم، إذ يتلقى كثير منهم تهديدات بالقتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في قلب التظاهرات، ويتزامن ذلك مع حملة اعتقالات نفذتها السلطات العراقية بحقّ المتظاهرين السلميين، عن طريق الشرطة السرية في ساحة التحرير، فيما تشهد المدن العراقية أيضًا عمليات اختطاف منظمة تطول الناشطين في حركة الاحتجاج الحاليّة، وتصل في أحيانٍ أخرى إلى عمليات اغتيال، والهدف من كل ذلك تخويف المحتجين وإرهابهم وإجبار الآخرين على العودة إلى منازلهم.

إطالة زخم الاحتجاج داخل ساحة التحرير – وهي حالة مختلفة عن ساحات الاحتجاج والاعتصام في بقية المدن العراقية – سيجابه – إذا تحققت على أرض الواقع – مزيدًا من التهديد والمخاطر، وهذا ما قد يستدرج الأمور إلى سيناريوهات معقدة جدًا في وقت تحاول السلطات شيطنة الحراك السلمي في العراق. “السلطة العراقية والأحزاب تستحوذ على مقدرات الدولة وأجهزتها، لذا فمن السهل عليها اختراق صفوف المتظاهرين بعناصر مدنية قد تحمل الأعلام العراقية وتردد الشعارات الوطنية ذاتها، غير أن تلك العناصر تمارس أدوات خفية كنقل معلومات أو نشر إشاعات داخل الساحة، من شأنها ترويع المحتجين والتأثير على عزيمتهم، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، نقلاً عن شهادات لبعض الناشطين في ساحة التحرير”.و”السلطات العراقية تعي جيدًا أن استمرار الاحتجاجات بهذه الوتيرة قد يعقد المشهد عليها ويضعها في حرج أكبر أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية الرصينة، وهذا ما جعلها تحاول زعزعة الاستقرار والحالة الإيجابية التي ولدت داخل ساحات الاحتجاج”. وإذا تمكن المحتجون من إطالة هذه الفترة إلى أسبوع آخر مع الحفاظ على زخمهم وصورتهم المذهلة الجميلة هذه، فأعتقد أن المجتمع الدولي سيواجه حرجًا كبيرًا مع الاستمرار في التزام الصمت”.و أن تفعيل الرقابة الذاتية داخل ساحة التحرير والعمل على كشف العناصر السلبية أو المرتبطة بالأحزاب وفضحهم، بل طردهم منها كما حصل في بداية الحراك، سيساعد على تقليل موجة الترهيب العام داخلها، ويسهم في الحفاظ على استمرار الزخم ومواصلة الضغط على السلطات، وكذلك المجتمع الدولي لتنفيذ ما يريده الشعب.

تراهن الأحزاب الحاكمة على عامل الوقت لإنهاء المظاهرات في العراق، ووأد حركة الاحتجاج السلمي كما فعلت من قبل، وتناور الحكومة بدورها بوعود معسولة للمتظاهرين وبإصلاحات عاجلة مرة أخرى، على أمل أن يتسرب الملل مع مرور الوقت إلى نفوس المحتجين، للقضاء بعدها على احتجاجهم الشعبي، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء في العراق.ومع تواصل الاحتجاجات ترفض الطبقة السياسية تقديم تنازلات جوهرية تتعلق بتغيير نظام الحكم، ويقابل المحتجون ذلك برفع سقف مطالبهم، لا سيما بعد ارتفاع حصيلة ضحاياهم في كل يوم جديد، ويؤكد ذلك فكرة خسارة النخب السياسية الرهان على الزمن.العنف المفرط بحقّ المحتجين السلميين يعكس نظرة النخب الحاكمة لحركة الاحتجاج العراقي، التي تعتبرها تهديدًا وجوديًا لها، وبات القمع تحولًا نوعيًا في سلوكها وكشفت وجهها الحقيقي وزيف الحرية التي نادى بها السياسيون منذ 16 عامًا.تتجاهل الطبقة السياسية أو تتناسى أيضًا أسباب هذا الحراك الشعبي الذي ولَّدَ إصرارًا جديدًا لدى المتظاهرين، ولا شيء يخمد هذا الغضب إلا تحقيق المطالب، والمطالبُ نفسها تحولت من خدمية إلى سياسية، بأربع كلمات يرددها المحتجون: “الشعب يريد إسقاط النظام”.

إذا كانت الرهانات متوقفة الآن حول أي بادرةٍ للتغيير في العراق، فإنها ليست مستحيلة أبداً، في ظلّ حكومةٍ وعدت بالإصلاحات، ولكنها لم تستطع تنفيذ وعدها، والتقدّم بعدم وجود أيّة استراتيجية وطنيّة قوّية باستطاعتها تحقيق ما تعجز عنه، بسبب وجود عوامل قاهرة، وبسبب الانشغال بالأزمة الإيرانية – الأميركية، وتيه السياسة العراقية إزاء سطوة كلّ من الإرادتين، الأميركية من طرف والايرانية من طرفٍ آخر.

لم تزل البلاد مجروحة وغير متعافيةٍ بعد من أخطبوط تنظيم (داعش)، وما خلّفه من الاضطرابات الداخلية، وهي تلوح في الأفق من عدم الاستقرار وعدم اليقين للحكومة التي تخنقها المشكلات المزمنة والمستجدة، بانتقال العراقيين من الجفاف وندرة المياه إلى الفيضانات القاتلة لمصادر العيش، ناهيكم بالفساد المستشري في المركز وكلّ المحافظات، وخصوصاً الموصل والبصرة. إذا نظرنا إلى مستقبل العراق المنظور لما سيأتي به النصف الثاني من العام 2019، فإنني أتمثّله جريحا تبرز أشلاؤه، وهو يمرّ زاحفاً بدمائه عبر قاعة المرايا، ذلك أن الواقع مشوّه غاية التشويه، والرؤية باتت غير واضحة، أو حتى غير مرئية. ولكن من المؤسف حقاً أن 16 عاما مضت على احتلاله، ويبدو العراق وقد رجعَ القهقرى نحو الوراء، وأنّ كلّ من راح بعيداً في مخيالاته بات يعيد حساباته، ليس في صعوبة المتغيرات، بل في استحالة تحقيقها، وأن من خرج وتظاهر وعارض وبحّ صوته، ورسم نفسه كبيرا، بات صامتاً اليوم، مع سكوت عدة جهات فاعلة، خصوصاً بعد أن تحوّل اهتمام الأميركيين من العراق وأفغانستان نحو إيران. وعلى الرغم من إجادة الولايات المتحدة لعبة القط والفأر مع إيران في الشرق الأوسط. ولكن لا يمكن التنبّؤ، ولا حتى التخمين ما الذي تريده أميركا من المنطقة، وما خططها إن كانت قد رسمت لها أيّة خطط في ظلّ شراء هذا وبيع ذاك في السوق التي تتحكّم به. أتعس من يسمّم الرأي العام العراقي إعلامياً هو القنوات الفضائية العراقية قاطبة مع وسائل التواصل، فهي تعكس حالة الهشاشة والتخبّط السياسيين عند العراقيين الذين لم يتبلور بعد ما يوحّدهم في وطنهم إزاء مستقبلهم.

مع هدوء أمني نسبي، لم يزل العراق عرضة للنار، يتفجّر بشكل متقطع، وخصوصاً في الموصل والبصرة، ناهيكم بمشكلات العراقيين اليومية المستمرة التي تقود إلى غضب الناس الذين ليس في استطاعتهم فعل أيّ شيء، نظراً إلى سطوة القوى المخيفة وبطشها بالقتل والتغييب أو الترغيب والترهيب، مع عبث بعض العشائر بمصائر الناس. وقد يسألني سائل: أليس في الواقع، وبعد 16 سنة من سقوط النظام السابق، قد تحقق قدر من الديمقراطية في العراق؟ وأنّ هناك من يتمتّع بذلك، ويشيد بالتجربة، على الرغم من أخطائها وخطاياها؟ ولكن لم يزل أغلب العراقيين يعانون من نقص الخدمات الأساسية، مثل مياه الشرب والكهرباء والرعاية الصحية الملائمة وفرص العمل والسكن وفساد الإدارة وغلاء الأسعار والتعليم. وكما يؤكد أغلب الصحافيين، ومنهم البريطاني باتريك كوكبورن، أن العراقيين باتوا في حالة استياء دائم من “حالة بلدهم المتداعية، وخصوصاً الافتقار إلى الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، فضلاً عن نقص الكهرباء والماء”. ويبقى التساؤل مشروعاً بشأن ضرورة إعادة بناء البنية التحتية، وقدرة النازحين وضحايا الأزمة، للعودة إلى منازلهم، وهي لم تزل حطاماً، والأكثر مأساوية أنّ الإنسان بات مدمراً محطماً يائساً بائساً تائهاً، وهو في خضمّ معاناته التي لا يمكن احتمالها.

اليوم، وفي ظلّ أوضاع مأساويةٍ كهذه لعموم العراقيين، ما خلا فئات من الطفيليين والفاسدين وطغمة المسؤولين والقوى المهيمنة، تحت مسميات شتى، والتي تعيش عيشة فارهة، يبدو الواقع مخيفاً جداً، وهو مبهم، إذ بدا أن المسؤولين العراقيين لا يعرفون ماذا يفعلون، خصوصاً في ظلّ التهديدات الأميركية لإيران التي لها نفوذها القويّ في العراق، وخيبة أمل الشعب العراقي من الحكومة الجديدة على كلّ المستويات. مع خفوت دور مقتدى الصدر الذي كان متمسّكاً بشروطه، وقد جمع كل المعارضة التي نادت لتحويل العراق من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. ولم يعد اليوم لأنصار مثل هذا التغيير أنه من الممكن أن تكون هذه القوى أكثر قوةً وأكثر مرونة، وأنها قد تكون أكثر فعالية. ولكن مع أخبار تفيد بانعقاد مؤتمرات عراقية معارضة بإشراف أميركي، ومنها للبعثيين الذين يسعون إلى السلطة بأيّ ثمن، سواء من خلال الأميركيين، أو كما ناشد الأمين العام لحزب البعث، عزت الدوري، في كلمته أخيرا، بتوسلاته حكام الخليج واعترافه بخطأ غزو الكويت في 1990. ولكن الزمن ليس مع هؤلاء البعثيين،، بل لأن العراق سار في اتجاه تاريخي من نوع آخر، وأن “البعث” لم يجدّد نفسه باسم جديد مع رجل قوي غير محسوب على مرحلة مضت ليكون مقبولاً. عراق 2019 ضحيّة قوتين مهيمنتين عليه، على الرغم من إرادة العراقيين المكبوتة، الأميركيين وإيران، وسيطحن بينهما في حال استخدامه رقعة شطرنج بائسة. وسيبقى مشلولاً ما دام الصراع موجوداً، وهماً كان أم حقيقة,وعليه، المتمنّى من العراقيين أن يوحّدوا أنفسهم، ليكونوا جبهة متراصّة ضدّ كلّ التحديات، وأن لا تشغلهم همومهم مع هذا أو تعاطفهم مع ذاك.. لا بدّ من حل مشكلات الفساد والركود البيروقراطي، وإتاحة الخدمات الأساسية وتوفير الأمن والحد من طغيان الأغلبية. يتحدث كل المسؤولين العراقيين بشكل كبير عن الديمقراطية، والحريات، والصحافة الحرة، وتعزيز العلاقات ( الاخوية ) مع العرب إلخ.. بغض النظر عن توضيح أية محاولات لمعالجة وضع حدٍّ للقوى المهيمنة والعصابات ودعاوى العشائر ومعاقبة الفاسدين والغرباء والاجراء والعملاء المنتشرين في البلاد عقاباً صارماً. إن نجح العراقيون في اغتنام الفرصة التاريخية لتأسيس استراتيجية وطنية، بعيدة عن نفوذ الآخرين وهيمنتهم، فسيكون ذلك السبب وراء إيجاد مجتمع مدني حقيقي متعلّم. هي مناشدة هنا من كل العراقيين بالأخذ بأسباب الأمل خلال هذه المرحلة الحرجة من 2019، خصوصاً بإعطاء الأولوية للتنمية والخدمات الاجتماعية والانتباه إلى جيل جديد سئم أكشاك الاقتراع، جيل لم يشهد في معظمه سوى الحرب وانعدام الأمن والفقر والأمراض والنزوح والتهجير والقتل والعذابات والمشكلات المتنوعة وهيمنة الآخر ، لكنه مرتبط بالعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير العراقية التافهة.. صحيح ان الواقع لا يمكن ان يتغيّر بسهولة ، فهو واقع ابتلي بالاشرار والطفيليين الذين لا يمكن للحكومة المركزية السيطرة عليهم أبدا ، ولكن لابد من تعرية الواقع لندرك مدى خطورته ، وما السبيل الى فتح الاذهان لتبديله بالرغم من كل التحديات والصدمات ! وما يفرح حقا بما نسمعه بوجود جيل جديد يدرك حقوقه كمواطنين في البلاد، لا يخضع لوصايا الآخرين، جيل يرى أنّ المرحلة اليوم تتطلب مخاض ولادة مجتمع مدني بعيداً عن الأوصياء.

تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الاحتجاجات في العراق منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول التي أدت إلى مقتل أكثر من 375 شخصا وجرح الآلاف، وقالت إنها تشهد تصاعدا لافتا رغم ما وصفتها بوحشية تعامل القوات الأمنية مع المتظاهرين وأوضحت الصحيفة في مقال نشر اليوم أن العراقيين احتجوا في البداية على الفساد والبطالة وفشل الحكومة في تقديم الخدمات، ولكنهم بعد شهر من عنف الدولة دعوا إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وإلى إصلاح شامل للعملية السياسية في البلاد وأكدت أن الحكومة العراقية والنخبة السياسية فشلت في الرد بشكل مقبول على المتظاهرين، حيث رفض المحتجون ما قدمه الرئيس العراقي برهم صالح من وعد بصياغة قانون انتخابي جديد، ووضع حد للنظام الحالي الذي يتم فيه تشكيل الحكومة بعقد الصفقات غير أن المتظاهرين اعتبروا هذه الوعود -التي تشمل إصلاح لجنة الانتخابات في البلاد من خلال استقدام خبراء مستقلين كأعضاء فيها- قليلة جدا ومتأخرة للغاية، ورأوا فيها مجرد تغييرات تجميلية تهدف إلى دعم نظام سياسي مشوّه…و أن معظم الاحتجاجات تجري في بغداد ومدن أخرى جنوب البلاد، مشيرة إلى أن مقتل أكثر من 18 محتجا في مدينة كربلاء الأسبوع الماضي، يظهر أن المحافظات ذات الغالبية الشيعية لم تستفد من الأحزاب السياسية التي تستخدم “الهوية الشيعية” لاكتساب السلطة والحفاظ عليها وأدت الاحتجاجات ورد فعل السلطات العنيف إلى تمزيق أسطورة الطائفية كمبدأ منظم للسلطة السياسية، حيث لم تحقق الطائفية التي ترعاها الدولة الحماية والتقدم للمواطنين وبحسب الصحيفة، تكمن المشكلة في النظام السياسي الذي فرضه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003، والذي أسس الكذبة التي مفادها أن العراقيين لم تكن لديهم هوية وطنية موحدة وأن هويتهم الغالبة كانت طائفية أو عرقية، الشيعة والسنة والأكراد، مما عزل المسيحيين والإيزيديين والمندائيين وغيرهم من الأقليات في العراق

وفي المقابل، كان المتظاهرون العراقيون يحملون العلم العراقي ويرفضون جميع الرموز السياسية والطائفية الأخرى، وملأت الأغاني الوطنية والحماسية العراقية الشوارع مرة أخرى، كما أن الشعار الطاغي -وهو “نريد وطنا”- يدعو إلى عراق لا يعاني من أمراض الانقسامات الطائفية ولا يتلاعب به السياسيون، وإلى جانبه شعار “سوف آخذ حقوقي بنفسي وقالت الصحيفة إن الطبقة السياسية في العراق، بدلا من أن تبني على مبادئ المواطنة بعد سقوط ما وصفته بدكتاتورية صدام حسين، عملت على نظام رعاية طائفي للحصول على السلطة السياسية والكسب المادي وبهذه الطريقة تكرس الهوية الطائفية كأساس غير مكتوب لتقاسم السلطة، يكون فيه رئيس الوزراء شيعيا ورئيس الدولة كرديا ورئيس البرلمان سنيا، مما عزز الانقسامات الطائفية وقوض الكفاءة والشرعية الانتخابية، حتى أصبح تشكيل الحكومة أقرب إلى السمسرة ويطالب المتظاهرون بحكومة قومية لا ترتهن لأي قوة خارجية، ورأت الصحيفة أن الصور القادمة من مدن مثل الناصرية والبصرة وبغداد تولد مزيجا من الأمل والخوف، حيث تمنح شجاعة المحتجين الأمل في إمكان التغيير، إلا أن وحشية رد القوات الأمنية تبعث الخوف في النفوس وقد تجسدت قسوة الحكومة العراقية -بحسب الصحيفة- في بيانها الأخير القائل إنها لا تعرف هوية القناصة الذين أطلقوا النار وقتلوا العديد من المحتجين في بغداد، ومع ذلك يواصل الشباب العراقي التحدي ونبهت الكاتبة إلى أن المحافظات والمدن ذات الغالبية السنية ظلت بعيدة عن الاحتجاجات خوفا من وصمها بالبعثية أو تأييد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن بعض المحتجين منها انضموا الآن إلى الاحتجاجات في بغداد، حاملين لافتات تعبر عن تضامن مدنهم وعلى الرغم من أن الحرمان الاقتصادي والانهيار السياسي -بحسب الصحيفة- هما اللذان قادا العراقيين إلى الشوارع، فإن شعورا بالفخر قد تولد من الاحتجاجات وتمحور حول مطلب أساسي هو رؤية العراق دولة ذات سيادة.أن الحل الدائم سيكون بالتصدي للفساد، ومساءلة المسؤولين الفاسدين، وضمان وجود نظام شفاف في تشكيل الحكومة المقبلة، والتأكد من أن العراق -الذي يحتفظ بخامس أكبر احتياطات نفطية مثبتة في العالم- يمكنه تقديم الخدمات التعليمية والصحية الأساسية إلى كل مواطنيه وخلصت الكاتبة إلى أن الناس سئموا من نظام تقاسم السلطة الحالي، وأن هناك دعوات متزايدة لنظام رئاسي يكون فيه القائد مسؤولا عن رفاهية الدولة وسيادتها، وختمت بأن العراقيين يطالبون بشكل أساسي بالكفاءة والمساءلة، حتى لا يختبئ المسؤولون وراء “النظام

“نريد وطنا” لم تكن مجرد عبارة مكونة من كلمتين فقط، بل أصبحت ملاذا يحتمي به العراقيون من الظلم الملازم لهم لسنين طويلة، عبارة رددها الصغار قبل الكبار، يحملون العراق فوق أكتافهم، مع علم بلادهم، حالمين بوطن يليق بهم كسائر البلدان,نازل آخذ حقي، الفاسد لا يمثلني، كلهم سارقون، اعتصامات حتى سقوط النظام” شعارات أخرى رفعها المتظاهرون، كما كانت الشعارات التي ترفض تدخل إيران وجميع دول الجوار في شؤون البلاد مصدر قوة للمظاهرات واللوم على الساسة الذين فتحوا المجال لإيران ودول الجوار الأخرى لفرض سلطتها على الوطن، إذ يؤكد للجزيرة نت بالقول “نريد وطنا بحكومة عراقية خالصة، بعيدة عن الانتماء المذهبي والطائفي و بأن جميع الحكومات الأخرى تحصن أوطانها من التدخلات الخارجية، باستثناء العراق الذي أصبح مهبا لكل وافد ومخرب. ويكمل بقوله “منذ سنين طويلة فقدنا وطننا بسبب تدخل الدول الأخرى. واليوم، يقف العراقيون جميعا دون استثناء لإعادة وطنهم المقسم بسببهم، شلع قلع لا وجود لهم بيننا هذه الشعارات والهتافات وحدت موقف وأهداف المتظاهرين، فكانت المصل الذي يربطهم بحماسهم، ويجعلهم متمسكين بالبقاء حتى تحقيق مطالبهم داخل مناطق التظاهر وبالطبع، للعبارات الورقية المكتوبة على صدور المتظاهرين حصة كبيرة من أفكار العراقيين الساخرين من أحزانهم، ليوثقوا حقبة من الحرمان التي لاحت بهم، والمطالب الحقة التي فقدت جراء تخاذل الحكومات المتعاقبة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here