تركيا والاتّحاد الأوروبي: مصير العلاقات بعد الأزمة الأخيرة

كلّ المهتمّين بالتغيّرات الجيوسياسيّة في منطقة الشرق الأوسط يعلمون أنّ الأشهر الأخيرة لم تكن جيّدة بالنّسبة للعلاقات السياسيّة بين تركيا وأوروبا، ثلاث محطّات كبرى ومتسارعة أدّت لتأزّم العلاقات لمستويات تاريخيّة، نتعرّض إليها باختصار في هذا المقال ونحاول استشراف مآلاتها وأسبابها.

تفجّر الاختلاف بين أنقرة والاتحاد الأوروبي إثر اقتناء السلاح الجويّ التركي نظامًا صاروخيّا من روسيا متجاهلة بذلك برنامج الطائرات المقاتلة F-35 التابع لحلف الشمال الأطلسي أو ما يعرف بحلف الناتو. هذا التوجّه العسكري التركي يعني تقاربا بين المحور الروسيّ الصاعد ونوعًا من التجاهل لواشنطن والاتحاد الأوروبي.

لم يقف تدهور العلاقات عند هذا الحدّ، بل إنّ هذه الحادثة تبدو مثل قطعة الدومينو التي سقطت فأتبعتها قطعٌ أخرى كثيرة. لم يمرّ على الحادثة الأخيرة سوى أيّام ثلاثة حتّى أرسلت تركيا ثلاثًا من سفنها لمياه جزيرة قبرص من أجل التنقيب عن الغاز هناك، وهو ما اعتبره الاتّحاد الأوروبي تعدّيا صارخًا على سيادة دولة من دوله. طبعًا أردوغان الذي لا يبدو مباليًا

بغضب الاتحاد الأوروبي وبعقوباته الماليّة وتجميد بعض الحوارات رفيعة المستوى يواصل عمله ويرسل سفينةً رابعة بدل سحب الثلاثة السابقات.

أمّا مؤخّرًا، لم يتورّع أردوغان عن تهديد الاتّحاد الأوروبي بفتح حدود بلده تركيا على أوروبا سامحًا بذلك مرور اللاجئين إليها. يُذكر هنا أنّ تركيا استقبلت ما يزيد عن 3 ملايين ونصف لاجئ سوريّ وهو رقم ضخم لا بُدّ يُثقل كاهل دولة في طور انتقال اقتصاديّ كتركيا. إلّا أنّ تهديد أردوغان لأوروبا لم يأت إلّا ردّة فعل على رفض الاتحاد الأوروبي تدخّل تركيا عسكريّا في سوريا تحت ذريعة إرساء منطقة آمنة للاجئين.

نحن هنا لسنا بصدد توجيه التهمة إلى أردوغان أو الاتّحاد الأوروبي إذ لكلّ طرف سياساته الخاصّة ومصالحه التي يدافع عنها وللقارئ حقّ إصدار الحكم في النّهاية إلّا أنّنا نحاول هنا استشراف مآلات العلاقات الأورو-تركيّة التي تمرّ بأسوء مراحلها من عقود، فبعد سنوات طويلة من المفاوضات من أجل الانضمام للاتّحاد الأوروبي لم يعد ممكنا وفقًا للظرف الرّاهن استئناف المفاوضات. تركيا الدّولة الصّاعدة على كلّ المستويات تبحث عن تموقعها الإقليمي الاستراتيجي وتحاول فرض سياساتها وعدم الخضوع لأيٍّ كان من كان. في المقابل، أوروبا تحاول جاهدًا الحفاظ على مصالحها عبر حماية الدّول الأعضاء فيها من خطر اللاجئين الذي يعتبر أكبر هواجس أوروبا في السنوات الخمس الماضية بلا منازع. الأحزاب الأوروبيّة

التقليديّة الحاكمة تخشى اكتساح اليمين المتطرّف مستغلّا فزّاعة اللاجئين والأجانب وهو ما جعل أردوغان يستغلّ ورقة الحدود المشتركة بين بلده وأوروبا.

مستقبل الأيّام وحده سيكشف لنا تفاعل الاتّحاد الأوروبي مع أنقرة، هل ستواصل أوروبا ضغوطاتها وتهديداتها أم أنّها سترضخ أمام أوراق أردوغان التي تبدو -على الأقلّ- إلى الآن رابحة!

مراد سامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here