واشنطن بوست : ميليشيات تركيا تفتك بالمدنيين شمال شرق سوريا

منذ بدء العملية العسكرية التركية عبر الحدود مع غرب كوردستان (شمال شرق سوريا) بمشاركة ميليشيات المعارضة المدعومة من انقرة ، توالت التقارير عن انتهاكات ترتكبها هذه المليشيات ضد المدنيين في المناطق التي دخلتها ، وتم إدانة هذه الميليشيات باقتراف سجل ضخم من الانتهاكات ضد السكان المحليين .

ووفقاً لما نقله تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، فقد نزح أكثر من 200 ألف شخص داخلياً بسبب الهجوم التركي . وتقول العائلات، التي انتشرت في جميع أنحاء شرق سوريا، إن الميليشيات الموالية لتركيا من العرب السوريين نفذوا عمليات إعدام بلا محاكمة وضربوا، وخطفوا أو احتجزوا أقرباءهم ونهبوا منازلهم، وأعمالهم، وممتلكاتهم.

ويقول اللاجئون إن النتيجة هي شكل من أشكال التطهير العرقي – وهي عملية يرون أنها مصممة جزئياً لإبعاد السكان الكورد والمتعاطفين معهم، واستبدالهم بالعرب الموالين لتركيا.

وشنت تركيا هجوماً عسكرياً عبر الحدود على سوريا المجاورة في 9 أكتوبر/ تشرين الاول بهدف دفع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، وهي مزيج من فصائل يقودها الكورد ، بعيداً عن حدودها.

وقامت قوات سوريا الديمقراطية بحملة تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرقي سوريا. لكن تركيا نظرت لفترة طويلة إلى وجود قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من الحدود على أنه تهديد بسبب العلاقات مع حزب العمال الكوردستاني، الذي تدرجه الحكومتان التركية والأميركية منظمة إرهابية.

وفوضت تركيا بشكل أساسي الهجوم البري لقوة بالوكالة، هي ميليشيا الجيش الوطني السوري، وهي عبارة عن مجموعة متنوعة من القوات المعارضة للنظام السوري المتمركزين في شمال سوريا. وشاركت العديد من فصائل هذه المليشيات ، المؤلفة إلى حد كبير من المقاتلين العرب السوريين، بناءً على طلب تركيا في عمليتين عسكريتين سابقتين على مدى السنوات الثلاث الماضية. ويلقي العديد من سكان شمال سوريا باللوم على الجيش الوطني السوري في جرائم السلب ضد المدنيين، الذين تم طرد الآلاف منهم خارج المنطقة.

كما اعترف أحد كبار المسئولين المرتبطين بالجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة ببعض انتهاكات حقوق الإنسان، لكنه قال إن قوات سوريا الديمقراطية كانت تبالغ في الانتهاكات.

مقت ورفض لمليشيا الجيش الوطني السوري

وأورد تقرير “واشنطن بوست” أقوالاً وشهادات من النازحين، منهم مواطن عربي من أصل تركي يدعى فاتح ، وهو حلاق يبلغ من العمر 38 عاماً من بلدة سري كانيه (رأس العين) الحدودية في شمال شرقي سوريا. كان من المرجح أن يكون فاتح من بين أولئك الذين يدعمون التوغل التركي. ولكنه في مقابلة عبر الهاتف من مدينة الرقة، في شمال وسط سوريا، حيث فر هو وعائلته، أعرب فاتح عن كرهه لمليشيا الجيش الوطني السوري.

وقال فاتح، الذي اشترط عدم ذكر اسمه الحقيقي خشية الانتقام منه: “لقد امتلأ هؤلاء الأشخاص بالكراهية وشهوة الدم”، مؤكداً أنهم لا يميزون بين العرب، والكورد، والمسلمين، وغير المسلمين. وأضاف أنهم قاموا بالاتصال به قبل الهجوم وقالوا له، كمسلم عربي ، ” إن من واجبي الانتقام من الكورد، ومساعدة تركيا في غزو مدينتي”.

وعلى الرغم من أنه كان من أنصار قوات سوريا الديمقراطية، وأجنحتها الدبلوماسية والإدارية، رفض فاتح هذا التجاوز، وانضم إلى أصدقائه الكورد في الفرار من رأس العين.

تلقى محمد عارف، أخصائي الأشعة، من بلدة كري سبي(تل أبيض) الحدودية ، تهديدات عبر مكالمة هاتفية، حيث قال: “اتصل بي أحدهم وقال ببساطة: “نريد رأسك”، كما لو أن سرقة منزلي وإخراجي من مدينتي لمجرد أنني كوردي لم يكن كافياً”.

وقال عارف، المتواجد حالياً في كوباني (عين العرب) ، على بعد حوالي 35 ميلاً إلى الغرب من تل أبيض، إن هذا العدوان أعاد إلى ذاكرته اجتياح تنظيم داعش لقريته عام 2013. ودمر أفراد الجيش الوطني السوري تمثالاً حجرياً لأسد في مدخل بيت عائلته ، معتبرين أنه أحد طقوس عبادة الأصنام ، وقال: “استولوا على سجاد بيتنا وألقوا به في الشارع ليسجدوا عليه أثناء الصلوات العامة، التي كانوا يؤدونها”.

إعدام المدنيين في الميادين

كما أدى الهجوم التركي أيضا إلى نزوح ميكائيل محمد، المالك الكوردي لمتجر للملابس في تل أبيض . ويقيم هو وعائلته الآن في مدينة الرقة، في شقة تشاركهم فيها 3 عائلات أخرى، رغم أنه لا توجد بالشقة، التي هجرها سكانها، سوى غرفة نوم واحدة.

وشرح قائلاً: “لنكن واضحين، إن تل أبيض ليست تحت سيطرة تركيا”. وقال محمد عبر الهاتف “إنها تحت سيطرة مرتزقة تركيا”. “لقد استولوا على منازل الكورد واتخذوها ملكاً لهم”.

وقال محمد إن الأقارب الذين لم يخرجوا من تل أبيض أخبروه أن أسر المقاتلين من تنظيم داعش، الذين فروا من معسكر اعتقال قريب، يحتلون الآن مسكنه.

وقال محمد عن مقاتلي الجيش الوطني السوري “كل واحد من هؤلاء المرتزقة يتصرف كما لو كان مسؤولاً عن المدينة. إنهم يدخلون المنازل ويعلنون أنها بيوتهم. إنهم يختطفون الناس ويعدمونهم باعتبار أنهم “ملحدون”، “وهم ينهبون ممتلكات الناس في وضح النهار”.

فيما قال عامل إغاثة كوردي سوري من رأس العين، “إن أفضل سيناريو يمكن أن يتمناه الكورد هو عدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم.

وقال أحد عمال الإغاثة النازحين، والذي يعيش الآن في مدينة القامشلي، وهي مدينة تقع على بعد حوالي 65 ميلا شرق رأس العين: “إن مقاتلي الجيش الوطني السوري” يعتقدون أنهم بالقضاء على حياتنا يؤدون واجباً دينياً، وأن سرقة الممتلكات الخاصة بنا هي مكافأة لهم”. وقال عامل الإغاثة، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خشية على سلامته، إن “الأتراك على دراية بوقوع مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، ويحاولون الحد منها، ولكن ليس بالقدر الكافي”.

أردوغان يشجع الانتهاكات

في حديث مع الصحافيين، دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حلفائه من الميليشيات السورية، قائلاً إنهم ليسوا “إرهابيين” بل محاربون إسلاميون مقدسون كانوا “يدافعون عن أرضهم هناك ، يداً بيد ، ذراعاً في ذراع، جنباً إلى جنب متكاتفين مع جنودي”.

لقد انتزع اتفاق بين موسكو وأنقرة، تم الإعلان عنه في 23 أكتوبر/تشرين الاول ، الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بشكل فعلي، وهي مساحات تمتد 75 ميلاً وبعمق 20 ميلاً، من تل أبيض إلى رأس العين.

إعدام الأسرى

في الشهر الماضي، واجه الجيش الوطني السوري إدانة قوية بعد أن أظهرت مقاطع فيديو مصوّرة مقاتلين من فصيل أحرار الشرقية، يقومون بإعدام الأسرى بإجراءات موجزة على طريق سريع استولوا عليه بالقرب من تل أبيض.

كما اتهمت المجموعة نفسها بقتل هيفرين خلف، وهي سياسية كوردية سورية، بعد أن نصبت كميناً لسيارتها جنوب البلدة في 12 أكتوبر/تشرين الاول .

ونتيجة لحالة الإدانة والاستنكار العالمي، اعلنت ميليشيا الجيش الوطني السوري بتشكيل لجنة مكلفة بالتحقيق في الجرائم، التي تشير أصابع الاتهام إلى ارتكابها بواسطة عناصر تابعة لها. ويرأس اللجنة العقيد حسن حمادة، نائب وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة للمعارضة.

ترقيع ملابس ممزقة

وأدلى حمادة بتصريح لصحيفة “واشنطن بوست” قال فيه: إننا “نعترف بأن لدينا جنوداً يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان. وإن عدم تجانس الجيش الوطني السوري يجعل مهمة تأديب الجميع أكثر صعوبة. ويبدو الأمر وكأننا نرتق ملابس ممزقة”.

حملات تشهير

ولكن أنكر حمادة ورفض معظم الاتهامات، المتداولة عبر الإنترنت، واصفاً إياها بأنها جزء من حملة تشهير بقيادة قوات سوريا الديمقراطية. ولكنه لم يحدد التهم التي يعتبرها خادعة.

وقال حمادة إن الغرض من ” الاتهامات الكاذبة، هو تصويرنا (الجيش الوطني السوري) كحيوانات متوحشة. وتسببت هذه الشائعات في فرار العديد من الناس من مدنهم وقراهم قبل قيامنا بتحريرها” وفق تعبيره.

أكثر من مجرد شائعات

بالنسبة للنازحين مثل فاتح ومحمد، فإن الانتهاكات أكثر من مجرد شائعات. يروي فاتح أن “4 رجال مسلحين يرتدون ملابس عسكرية دخلوا محل أخي الصغير في رأس العين ، والتقطوا علب السجائر، وأشياء أخرى ثم رفضوا دفع ثمنها. وعندما أصر على أن يدفعوا، وأخبرهم أن لديه أطفالًا لإطعامهم، ضربوه وحطموا واجهة المتجر.”

تطهير عرقي ممنهج

ووصف فاتح ما يحدث في شمال شرقي سوريا بأنه بمثابة التطهير العرقي. وقال فاتح “تتحدث تركيا الآن عن حماية السكان المحليين ومنح السلطة للمجالس المحلية في المناطق التي استولت عليها. وأين هي المجالس المحلية؟ في الواقع، لا توجد مجالس محلية حقيقية عندما يتم اقتلاع السكان المحليين وطردهم في محاولة لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here