التدخل إلأيراني في الشأن للعراقي..المبررات وموقف الشعب؟

حكمت مهدي جبار

بعد موجة التظاهرات الشعبية العارمة التي بدأت في مطلع هذا الشهر في اغلب محافظات العراق لتستمر حتى هذا اليوم يجد المراقب لهذا الأمر انه امام (شعب ينتفض) لكرامته، مطالباً بإصلاحات قد تبدأ باستقالة الحكومة ولا تنتهي بانتخاب مجلس نيابي جديد.ومهما قيل عن هذه المظاهرات التي تحولت الى ثورة او انتفاضة فأنها كما نعتقد سوف تبقى وتمتد في روح المواطن العراقي ونفسيته رغم كل ما اتهمت به من ان المتظاهرين انما هو مراهقون سواق عربات التك تك الصغيرة وصبية سذج وعمال وكسبة وبسطاء لايعرفون شيئا!..

غير أن أهم ما عبر عنه المتظاهرون وبكل جرأة وشجاعة هو رفض التدخل الايراني في العراق وفرضهم الوصاية على القرار العراقي، ورفعوا هتافهم المعروف (بغداد حرة حرة إيران برا برا) و(والبصرة حرة حرة وإيران تطلع برا)حيث أكد محتجون أن تظاهراتهم هي تظاهرات الجياع والكرامة والخلاص من التبعية لإيران، وأن الذين خرجوا هم شباب عراقيون يرفضون العباءة الإيرانية أو العيش تحت نير قرارات طهران مهما كان نوعها أو حجمها.

لقد تكررت تلك المشاهد في رفض التدخل الايراني في المدن الشيعية في كربلاء،وفي النجف وفي الناصرية والديوانية وبابل وغيرها.وفي هذا الإطار، نعتقد وربما معنا الكثير إنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها أبناء محافظات جنوب العراق عن رفضهم للتغلغل الإيراني وتدخلهم في الشان العراقي وفرضهم الوصاية على القرار العراقي. حيث سبق قبل سنتين، عندما خرجت المظاهرات في محافظة البصرة، رفعت الشعارات نفسها ضد الوجود والتدخل الإيراني في العراق، وتم اقتحام القنصلية الإيرانية وحرق صور لكبار رجالات الدين الإيرانيين ومنهم المرشد الروحي خامنئي.

فما هي اسباب التدخل الايراني في العراق وبهذه الطريقة السافرة.؟ هل تنوي ايران اعادة بناء مشروع ولاية الفقيه ؟ مستغلة طيبة وبساطة الشيعي العراقي لمصالح معينة.؟ ام كي ترسم خريطة طريق حتى تهيمن على مقدرات العراق على اسس حلم تحقيق امبراطورية فارسية جديدة مستغلة اوضاع العراق المتهالكة؟ أم ربما تريد أن تنتقم ثأراً لخسارات الحرب الثمانينية في عهد صدام؟.أم أنها تعمل ذلك كي تحمي حدودها معتبرة ان العراق هو اهم واخطر مصد يجب تقويته وتعزيزه بالقوة.

أن المشكلة هنا أو دعونا نسميها بـ (المصيبة) هو إن إيران لها الكثير من المؤيدين بالعراق، لاسيما في الجنوب فضلاً عن أن أغلب الفصائل التابعة للحشد تؤيد إيران، وفئات اخرى من الحكومة او حتى بعض المثقفين او المتملقين لأيران لاسباب مصالح وغايات في الحصول على المال على حساب الوطنية والهوية العراقية.وذلك التأييد على جانبين جانب مخفي وجانب معلن تحتمه طبيعة الظرف والحاجة والضرورة.

أن الجيل الحالي من شباب العراق قد تأثر بثقاقات جديدة بفضل الانفتاح المذهل على العالم وانتاج وعي وطني جديد يرفض كل عقلية قديمة.فتجد ان نسبة كبيرة تهتف ضد التدخل الايراني في العراق.وترفض سياستها في عمق الجسد السياسي العراقي.فهل ذلك الرفض جاء عن فراغ ام من حماس اعمى ام من تحريض من آخرين؟ وفي الحقيقة ان ثورة الشباب هذه انما هي أولا ثورة ضد جمودهم وتفجير لأنفسهم التي كبلتها سياسات الحكومات المتعقبة؟ وان الشباب انما يطبقون ألآية القرآنية التي تقول (أن الله مايغير بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم).فترى الشباب قد بدأوا بتغيير انفسهم كي ينعم الله عليهم فيغيرهم.

ان السؤال الذي يطرح نفسه هو ماسبب تكرار عبارة “إيران برة برة.. بغداد تبقى حرة” والتي تعتبر من الشعارات التي تتردد أصداؤها في المظاهرت المناهضة للحكومة العراقية التي عمت اغلب المحافظات لاسيما الشيعية منها؟ وراح ضحيتها عدد من الشهداء..وماهي دوافع هذه الشعارات؟..

قبل المظاهرات كان الشعب منقسم الرأي حول موقف ايران ازاء العراق قسم يرفض وقسم يبقى محافظا منطلقا من ان هناك مواقف جيدة لأيران مع العراق وأن مطلقي هذه الهتافات هم قلة ممن لايعلمون ماذا يدور.(فلولا أيران لسقطت بغداد)!!!.وهذا أمر صحيح على الواقع حيث تثبت ذلك احداث المعارك في الموصل والانبار وما تعرضت له حدود بغداد من خطر اقتراب الغزو الداعشي.

لكن بعد انطلاق المظاهرات صارت الجماهير تكتشف يوما بعد يوم ذلك التدخل وكأنه تنبه للخطر الإيراني وتأثيره السلبي على العراق، والدليل حرق القنصلية الإيرانية العام الماضي، ومظاهرات البصرة ضد الحكومة العراقية.علامات غضب الشعب العراقي من إيران تمثلت بالأعلام الإيرانية المحروقة، والهتافات المناهضة لطهران، خلال المظاهرات المستمرة.ولكن رغم موقف ايران في حماية بعض المدن العراقية يعتقد الغالب الاعم من العراقيين اليوم أن ((إيران هي من أفقرت الشعب العراقي ونشرت المخدرات وزرعت الفتنة والميليشيات الإرهابية بين الناس))وقد وانتشرت في الأيام الأخيرة فيديوهات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر حالة “الغضب الشعبي” من الحكومة، كما انتشرت فيديوهات لهتافات جماعية منددة بإيران.وهناك من يعتبر أن إيران تريد استنساخ نموذج (الحرس الثوري الإيراني) في العراق، عبر الحشد الشعبي، ولذلك هدفهم الأول إضعاف الجيش العراقي، مثل ما حصل مع الجيش الإيراني تماما .ويتوقع البعض إيران اغتيال الناشطين العراقيين، وإعطاء الأوامر للجيش لضرب المتظاهرين، وإدخال عناصر من ميليشيات إيران للتدخل ضد المتظاهرين.انها كلها توقعات او تصورات او تخمينات.؟؟!!

وأظهرت بعض الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي متظاهرين وهم يستعرضون الذخيرة التي استخدمت ضدهم، ومن بينها رصاص حي وقنابل يدوية وذخيرة لقاذفات هاون.وأن عمليات إطلاق النار الذي يتم على المتظاهرين، تأتي بأوامر إيرانية، والهدف منها السيطرة على المتظاهرين، وتنفير الشعب من الجيش. فلماذا لم يظهر أحد من الحكومة العراقية يفند أو ويرد على هذه التساؤلات؟

يقول البعض لماذا يندد المتظاهرون بالتدخل الايراني ولم ينددوا بمواقف دول اخرى متهمة بالتدخل مثل السعودية وتركيا والكويت وغيرها..؟ ثم الم تكن امريكا هي السبب في دمار العراق بعد غزوها في حرب 2003؟ فلماذا لم ينددوا بالرئيس الاميركي ترامب؟ ويضربوه بالعصي والاحذية؟الم تمد السعودية قوى الارهاب؟ الم تتدخل تركيا في شمال العراق؟؟..ربما يكون الجواب ان تلك الدول لم يكن لديها قادة عسكريون كبار يمارسون اعمالهم داخل العراق مثل تدخل قاسم سليماني.ولم يكن لديها احزاب وميليشيات تسرح وتمرح داخل العراق مثل الاحزاب التي ربتها ايران وعملت تنشئتها وحمايتها واحتضانها عشرات السنين وطيلة فترة وجودهم في المعارضة لنظام صدام وحزب البعث.

ربما في بال ايران أنها عندما وقفت مع تلك الاحزاب التي لجأت اليها في فترة المعارضة انما تعتبر نفسها انها صاحبة فضل كبير في دعمها وحمايتها سنين طويلة.فعلى تلك الاحزاب ان ترد الجميل والوفاء عندما استلمت زمام الامور والسلطة في العراق.وهذا ماحدث فعلا عندما يجد المراقب للأحداث والوقائع ان الاحزاب الحالية جعلت من ايران وطنا ثانيا ان لم يكن الوطن الاول تقتدي برجاله وبقادته والالتزام المقدس بالعقيدة الدينية المذهبية واعتبار علي خامنئي هو المرجع الديني الكبير لها.تأتمر باوامره الدينية والسياسية.

أذن فأن التدخل الايراني ووفق هذه المعطيات انما ينطلق من أستحقاقات تأريخية.ولايمكن ان تتنكر له الاحزاب ومن احتل منصبا في الدولة..اما النسبة الكبيرة من الشعب فأنه يرفض تلك التدخلات ويعتبرها تدخلات غير شرعية.لكن الاحزاب التي كانت مرتبطة بأيران ولازالت لاتسمح لنفسها ولانفسها تسمح لها بأن تتنكر لولاءها كونهم عاشوا في كنف ايران سنوات طوال اكلوا فيها وشربوا ولبسوا وربما تزوجوا فلابد لذلك (حوبة).وليس غريبا من أن تبقى رواسب الحرب الطويلة في ثمانينات القرن الماضي في نفوس الآلاف من العراقيين وما رسخته حكومة صدام وفلسفة البعث في نفوسهم في نشر ثقافة العداء لأيران وأستحضار التأريخ بأنهم ألأعداء الحقيقيون بعد اليهود للعراق.

ان العشرات الآلاف من العراقيين الذين هربوا الى أيران بسبب معارضتهم لنظام البعث وصدام ابان تلك الحرب الضارية والذين شكلوا تنظيمات واحزاب وتشكيلات عسكرية هم الآن على رأس الهرم السياسي في حكم العراق.وهم اليوم أشبه بـ (ولي أمر) الشعب.الشعب الذي عانى من الحرب ودفع ثمنها دما وتضحيات بغض النظر عن مواقف زعماء الدولتين..انها قضية معقدة يصعب أستخلاص رأي واضح منها..

ترى ماهو الموقف الايراني من العراق اذا ما تغيرت بعض وجوه واشكال وانظمة في الحكومة العراقية وشكل الدولة اذا ما اثمرت المظاهرات عن عدة اشياء واستجاب المسؤولون العراقيون لمطالب المتظاهرين؟ أم أن ألأمر لايعني ايران سواء تغيرت الحكومة أم لم تتغير..هذا ما ستتمخض عنه الجلسات الاخيرة لكبار زعماء العملية السياسية في العراق وهم كما يبدو في الظاهر يسعون لحل قضية الشعب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here