هل الانسان المعاصر في مأزق ؟ لا شك أن هذا سؤال جدي ، وفِي وقته ، ولكن كيف يُجاب عليه ؟ هل بقى هناك منهج وطريقة يمكن تجيب عليه ، كما كان في السابق ، قبل أن نبلغ عصر النهاية لكل شيء ، فنحن حقيقة ففي عصر النهايات لفلسفة والفن ، وكل العلوم الانسانية ، ولم يبق سوى البحت العلمي المجرد من كل موقف أنساني ، علوم لا تستطيع أن تخبرك ماذا تستطيع تفعل ازاء ما يحيط بك وعن علاقتك بالآخرين سوى التكيف والخضوع للقوانين مهما كانت جائر وغير معقول ، هذا هو ما تقول علوم الفيزياء والكيمياء وعلم الفلك والبيلوجيا وغيرها من العلوم البحتة ، بالخضوع للقوانين الطبيعة ، إذا أردنا أن نستفيد منها . أما المطالبة بتكيف الأشياء والقوانين البشرية والاجتماعية والاقتصادية وفق حاجات الإنسان فهي الاخرى بات متعذرة ، عليك الخضوع لها كما تخضع للقوانين الطبيعة ، فكرة التغير بات في عصر هيمنة النظام الراسمالي مستحيلة ، فكل الأبواب أغلقت . وغدونا ، نعيش في عالم كافكوي ! وهذه العالم لا رحمة ، ويسير وفقاً لقوانين صارمة ومجهولة للبشر ، لا تعرف متى يوجه الاتهام لك ، وبأنك أصبحت لا نفع بك . وهذا العالم الذي نعيش فيه الآن له جذور موغلت في البعد . ولكن هل أتاك حديث العالم الكافكوية وما هو ! وأنت أيها ، القأري ، ذلك المنافق ، كما يصف بودلير قارئه ، في الكائن المنافق والمرأئي ، عليك تعذرنا من هذا الشرح لهذا العبارة ، لأن لدينا الآن ما هو من أهم شرح هذه المصطلح ، أو ستجد في السياق شرح له ، فلا تعجل علينا ، ونريد هنا أن نتحدث بلغة عصرنا السوقية ، الذي بلغ منتها في يومنا هذا . وقلنا الكافكوية ، لها جذور عميقة في تتاريخ الفكر الإنساني . أول ما نجدها عند دانتي . فدانتي ، في كوميدياه الإلهية ، صور مبلغ عذابات الإنسان ، في جحيمه ، مبلغ قسوة الله ضد الإنسان ، فهو يعذب بلا رحمة لذنب تافه ، فلا جريمة يرتكبها الإنسان تسحق كل ذلك العذب ، كما صوره دانتي في جحيمه ، لذلك يخرج المرء مصدوم من قسوة الله ، أو على الأقل من طريقة دانتي كما تخيل الله . ومن هنا نجد ماركس ، وهو يصور عالم الرأسمالية التي نعيش في ظلها ، قد اختار ، عبارة معبرة من الجحيم دانتي ، التي كانت معلقة عند مدخلها بوابتها ، ” أيها الداخلون نزعوا كل أمل ! ” ، وهذه ، لا يمكن للاحد أن يقرأها دون أن تسري القشعريرة في جسمه . ولابد أن ماركس ختارها كذلك ، لكي يبث الرعب في قلب قارئ وهو يدخل العالم الرأسمالي ، وكأن دخل إلى الذي لا أمل فيه لعيش والسعادة ، فلقد زين ماركس كتابه الرأسمال ، لمي يحفز الآخرين على رفضه والثورة عليه ، وأراد أن يصور عالمنا المعاصر في بداية نشأة الرأسمالية . فعالم ماركس ، هو عالم الرأسمالية التي كل شيء فيه سلعه ، تباع وتشترى ، بما فيها الإنسان ، فلم يعد الانسان هو أثمن رأسمال ، وأنما تحول إلى سلعه بين السلع . وهو عالم سوف يؤدي إلى نهاية الإنسان ، كما قاد طلب الملك ميداس من الإلة أن تحويل كل شيء يلمسه لذهب ، فمات من الجوع لأنه حتى طعام كان يتحول لذهب في فمه . وسوف لن نجاري ماركس ونعلق كل عهذاب الناس على شماعة الرأسمالية ، لأن هناك نظريات متعددة وجيه ، لها رأي مختلف في عذاب الناس ومأزقهم الوجودي . @@@فهذا احد الرسامين ، والذي ينقل عنه أرنست فيشر ، في كتابه ضرورة الفن ، يقول هذا الفنان الكبير ، والذي أظن غوغان ، فقد نسيت أسمه ، أن الانسان كائن مريض بطبيعته ، وليس نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية ، وكذلك ، كيركجارد ، يرى ما مأزق الانسان مأزق ديني ، نتيجة تخلي الإله عنهم . فما عاد لتفسير الاقتصادي يملك تلك الجاذبية التي كانت لها في القرن العشرين . لذلك بات البحث عن تفسير جديد قضية ملحة ، بعد أن أعلن ميشل فوكو عن موت الانسان ، والذي سبقه نيتشه في تصريحه عن موت الله . فماذا يبقى بعد كل هذا ؟ ولكن أليس من حقنا بعد أن نتسأل عن نكون نحن ، إذا مات الإنسان ! فهل نحن شبح الانسان وظله ؟ وهل نتسأل بعد ذلك ، مثل ما تسأل نيتشه عن الله ، هل مات الإنسان أم انتحر ، أما نحن قتلناه ؟ فهل الإنسان انتحر أم نحن قتلنا ؟ وماذا يعني ذلك ؟ولكن هل وجد الانسان حقيقة لينتحر ؟ فما يسمى إنسان هو مجرد مشروع لوجود الانسان ، وما يوجد حيوان لديه كل الأمكانيات لكي يكون إنسان أو حيوان وكل القيمة النبيلة التي نسبغها على مانسميه إنسان تجاوزاً ، ومجازاً ليس لها وجود حقيقي ، هي الحلم بوجد كائن حقيقي يجسد كل القيم النبيلة تلك . ولعل قصة ، وحكاية ، ديجنوس الأغريق ، الذي خرج في عز الظهير لسوق ويحمل مصباح بيده ، وحينما سأله الناس عما يبحث قال ابحث عن الإنسان ! فمتى ولد لانسان لينتحر ! ولكن ما هذا الذي نصادفه في كل مكان في الشوارع والبيوت والمقاهي ، والمنتزهات ، وعلى السواحل ! فهل هو إنسان ! ولو طرحنا سؤالنا على زعيم الوجودية الفرنسية ، سارتر ، لقال هذا كائن ، غير معرف ، أو معروف ، لأن وجوده يسبق ماهية ، وهو يمكن أن يكون أنسان أو حيوان ، أو حتى الأله كما يحب أن يقول نيتشه ، أو على الأقل سوبرمان ! فهو لأن مجرد حيوان حافل في الأمكانيات . لذلك كان سؤال سقراط ، أعرف نفسك ، سؤال ساذج ، ويدل على بداية تحس الفلسفة لمشكلة الإنسان أكثر ما ينم عن عمق السؤال ، لكون السؤال يجرد الإنسان من محيط الذي يعيش وعن علاقات الاجتماعية اللذان يمارسان تأثير عليه، ويحددانه . فلا يمكن الأجابة عن هذا السؤال بصيغته التجريدية . التجريد ، بالمعني الهيغلي ، الذي ينظر فيه لجانب واحد من كل العملية . والذي يضرب ، عن هذا النوع من التجريد ، هذه المثال المعبر ، في شاب يساق إلى الإعدام ، فنرى ،أن النساء لا تأسف ، سوى على وسامته وجماله ، في حين لا يرى فيه الشيوخ! سوى غباءه ، والشباب جرءته ، فكل واحد ينظر له من زواية ضيقة ، ولا ينظر ككل .
أما تعريف أرسطو بأن الإنسان كائن عاقل ، فقد أول هذا التعريف بشكل خاطئ لفترة طويلة ، على أن الإنسان كائن اخلاقي ، وأن من جوهر العقل أن يكون اخلاقي ، بيد أنه ، ما كان يعني أنه كائن خلاقي بالضرورة أو العقل بالضرورة اخلاقي ، ولكنه يقصد ، بالعقل ، بوصف الإنسان به ، أنه أداة تختصر الجهد ، ويصل إلى غاياته بقصر الطرق ، بغض النظر عن كل شيء . وهو ، بمعنى اكثر دقة إنسان صانع أدوات . فقد تعودنا أن ننظر إلى العقل ، على أنه يحوي معاني اخلاقية ، ولذلك ندهش ، حينما يتصرف الإنسان بطريقة لا خلافية ، كيف يمكن أن يكون كائن عاقل في أه الأخلاق لا علاقة لها بالعقل البحت . فعقل الإنسان لا يحول دون الشر إذا رأى فيه فائدة ومصلحة ، أوليس كل اعقائدة مبنية على فائدة ومصلحة معتنقيها ؟ أما أفلاطون ، فيقول أن الناس يعيشون في الكهف ولا يرون سوى ظلال الأشياء وليس كما هي ، ويحتاجون يخرجوا من الكهف لكي الأشياء كما هي ، غير أن لا يردون أن يخرجوا من كهوفهم ، فهي بات جزء منهم وتعودوه وهي رؤية الأشياء من خلالها وفيها والويل لمن يحاول أن يخرج ، ويرى الاشياء ، كما هي ، لذلك قام فلاطون طرد الشعراء والموسيقى من جمهورية ، فالشعراء ، يمكن أن أبعد مما تمدهم به الحواس ، التي هي أشياء ومعرفتها ، وبذلك يشكك بما يراه ويحس ، ويتخذ من الخيال أداة لمعرفة ، أما الموسقى ، فهي تشيع الميوعة وتهيج العواطف ، وهذا قد إلى التمرد والخروج عما هو مؤلف ، وقوانين المدينة الفاضلة . ففلاطون مثل تلميذه أرسطو لا يحبان الثورة ولا التغير . وعليه فالحقيقة لا يمكن بلوغها بالعقل ، الذي يستخدم الفلاسفة ، فالفلاسفة هم وحدهم من يستخدمون العقل ، ولذلك حينما لا يصبح الفلاسفة هم الحكام تشيع الفوضى المدينة الفاضلة وتنهدم . وهذا هو أخر ما وصل له في حل أشكال الوجود الإنساني . فما يحكم هم تؤول المدينة الزوال .وبعد نهاية مدرسة أفلاطون وأرسطو ، مرت الفلسفة ، بتغير كبير ، فبدلاً من النظم الفلسفية كبرى ، نشأت فلسفات فردية ، وجهات نظر شخصية للحياة تعبر عن وجهة نظر أصحابها لكيف أن تعيش وتنظر وكيف تقود مجرى حياتك ، وليس بناء نظريات تفسر كل مناحي الحياة والكون . وهاذين الفيلسوفين ، هما أبيقور وزيتون ، فقد أرادا أن يضعا نظرية لحياة وكيف يجب أن تعاش. فقد جعل أبيقور من اللذة ، هي الهدف من العيش ، والتركيز على ما فيه ، وعدم الاهتمام في العالم الآخر والإلهة ، لأنهم ، إذا وجود لا يهتمون في الإنسان ، فهم أيضاً منصرفون لمذاتهم ومجنونهم ، كما كان الإلهة في زمن الأغريق . اما زينون ، فقد وجهة نظرة مضادة للذة ، ودعى لتقشف والتأمل ، وتحمل الألم الحياة ، بدون تضور ولا تمرد والقبول بكل ما هو موجود . هذه هي نهاية الفلسفة بعد موت أرسطو ، وحتى هجرتها إلى الاسكندرية ومن آخرى . فتلك وجهات النظر التي قدمت لحل مشاكل الحياة لم يأخذ بأي منهم كعقيدة وأيدولوجية بشكل مسير وغالب ، وأنما أخذ بها الافراد المنعزلين كمناهج ، أو تفضيل شخصي . وبعد قدموا العصور الوسطى ، قدمة وجهة دينية ، سادة المجتماعات وتحكمت بعقولهم ، وبات هي الأيدلوجية السائدة لقرون . وهذا الوجهة نظرة ، تقول ؛ بأن هو الذي خلق كل شيء وهو الذي يتحكم فيها وهذا الأله وضع قونين ونواميس يجب طاعتها . ومن يطيعها يكافئ على طاعته ، ومن يعصها يعاقب ، ويذهب لجهنم . في هذه العالم الذي مريح ، رغم أنه مشوب بالخوف والقلق ، لأن نيات الله لا تعرف ، فلم يكن الخوف من أرتكاب المعاصي وحدها هو الذي ينغص على الناس راحتها في العالم الذي يبدو كامل وكل شيء يخضع لنظام ، إلا الله ، الذي لا يعرف بالضبط ماذا يريد ، كان ، مثل الخوف الكافكوية في العصر الراسمالي ، أن تتهم بلا جرم ، ويحكم عليك بالموت ، أو تسيقظ من منوم لتحد نفسك حشرة كبيرة تتقلب في الفراش . هذا العالم المتخيل ، هو ما نعيش الآن . تماماً ، كما تنبأ ماركس ، أما يقام النظام العادل ( الذي يعني الشيوعية ) أو ترتد البشرية للبربرية . والبربرية المعاصرة تعني أن تعيش في عالم ليس من صنعك ، وقوانينه تفترض عليك ما تفعل .، في عالم غريب عنك كلياً ، حتى في الإلهية .
هذا ما حولافكر البشري من أستباط من حلول لمشكلة الوجودية البشري . بيد أن نلاحظ هنا ، أنه ما يعلق مشاكل البشر أما يرجعا مشاكل أجتماعية أو اقتصادية ، علاقة ما ورأئية أو الألهية . ولم يحاول بشكل مركز أن الإنسان نفسه . أي ينظر إلى على أنه يخلق المشاكل لنفسه والاخرين ، فغالباً ، في هذا الفلسفات ما ينظ على أنه كائن سوي ، وأنه ضحية بيئته ومشاكله الاجتماعية والاقتصادية ، ولم ينظر على كائن مريض بحد ذاته ، وهو الذي يخلق المشاكل بسبب أنانية المفرطه وحبه لذاته أكثر مما يجب وتتطلب . فقد فشلة كل الحلول بسبب تغافل هذا وعدم التركيز ، لأنه عد كائن عاقل ، ويختار أفضل الطرق للعيش . فالمطلوب الآن التركيزعلى إصلاح الإنسان نفس نفسه قبل بناء أي نظام عادل . ولذلك نجد عند ماركس هذه العبارة التي تساعد تفهم مشاكل الإنسان ، وهي ” أن المربي يحتاج لتربيه هو أيضاً ” فلا يمكن النظر للإنسان على كامل بذاته ، وتفسده الظروف المحيط به . فالإنسان رغم كل نتاج العلمي والأدبي ، بقى خاضع لغرائزه البدائيةخ ، ولا زال لا وعي يشكل تفكيره الواعي ، ويجب يوسع مساحة الوعي على حساب لا وعي . وأخيراً ورغم كل ما قلناه ، وما يبدو عليه من تشائم ، فأن عالم دانتي الذي لا أمل ، وينزع الداخلة كل أمل ، ليس هو عالمنا ، فأن عالمنا هو عالم صندوق بندورا الذي أطلق كل الشرور ، ولكنه ، أبقاء في قاعه الأمل ، الذي ، هو لدى ماركس مثلاً ، البروتاريا التي أنيط بها جعل الرض فردوس ، كل واحد ينال حسب ما يريد وما يحتاج . ففلسفة الأمل ، هي الخداع الذي نصدقه ونعمل من أجله ، لأننا لا نملك بديل !
هاني الحطاب
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط