الدين والدولة، * ح 6

د. رضا العطار

لقد سار الاسلام في خطئ الاديان التي سبقته دون ان ينتبه الى ذلك، فرسالة النبي موسى رسالة تشريعية في حين ان رسالة النبي محمد رسالة رحمة واخلاق. فالتشريع في القرآن لا يتعدى ثمانين آية من مجموع ستة آلاف آية – فالقرآن ليس كتاب تشريع. والله اراد ان يكون الاسلام للبشر دينا، والناس ارادوا ان يكون الاسلام سياسة. والاسلام لا يوصي ولا يشترط حكومة من نوع خاص وهو ضد ما يطلق عليه الحكومة الدينية التي تضفي القداسة والعصمة على نفسها. ويتفق كثرة من رجال الدين على ان نظام الحكم ليس من اصول الدين الاسلامي.

ان اول ما نطالب به وبمنتهى الصلابة هو فصل الحكومة المدنية عن الدين. وعدم النص في مقدمة الدستور على دين الدولة الرسمي. فتلك ظاهرة من اشد ظواهر العصر الحديث تأخرا واكثرها مدعاة للانحلال الحضاري – فالدين في اعظم صوره ارادة فردية تريد ان تتعلق بقوة وتفسير خارقين لكل مجالات النشاط والانحلالية الساكنة في ارضنا، فالدولة تخطئ مرتين اذا نصت في دستورها على ديانتها الرسمية. – المرة الاولى في حق حرية الفكر وحرية العقيدة للمواطن. والمرة الثانية في حق وجود الدولة نفسها كأرادة واعية لروح كل فرد.

لا يمكن لدولة عصرية اعتماد الاسلام كنظام حكم فيما اذا اكتفت باقتباس احكامها من القرآن فقط، ولكن بامكانها تنظيم دولة عصرية اذا ما اقرت التطور الحديث واشبعت احكامها من روح القرآن والتراث الفكري الانساني العصري معا.
يرى بعض المفكرين العرب المعاصرين ان العالم العربي لا زال في مرحلة المغامرة الثقافية ولم يدخل بعد المغامرة العلمية – وان هناك علاقة واضحة بين الدين والايديولوجيا في العالم العربي – وان الدين قد تحول من عقيدة الى ايديولوجيا دينية بفعل الكيمياء السياسية – ولكي نميز بين الدين والايديولوجيا نسرد النقاط التالية :

1 – الدين مجموعة من التعليمات السماوية تتعلق بصلة الانسان بخالقه.
بينما الايديولوجية هي طريقة فهم الناس للدين في كل عصر من العصور حسب اختلاف الزمان والمكان واختلاف المفسرين.
2 – لا تتدخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في تشكيل احكام الدين. – بينما تتدخل هذه العوامل في تشكيل الايديولوجيا واحكامها.
3 – لا يناقض الدين نفسه، بينما تناقض الايديولوجيا الدين.
4 – لا يستعمل الدين كتبرير للحركات السياسية – بينما تستعمل الايديولوجيا كتبرير للحركات السياسية والاجتماعية.
5 – لا صراع في الدين بما هو من عند الله. بينما تكثر الصراعات في الايديولوجيا كونها هي من صنع البشر.

فكلما زادت سيطرة الايديولوجيا زادت سيطرة الدين واصبح واقع الاسلام كدين ودولة واقعا ينادي به الكثيرون – وهذا مرده ليس لان الاسلام يمكن ان يكون دينا ودولة في آن واحد ونحن في الالفية الثالثة ولكن مرده يعود الى اسباب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والتربوي العربي.

ان القول بان الدولة تتأسس بطبيعتها على الدين ليست سوى ترجمة نظرية خاطئة لاوضاع وممارسات كان يستعملها رجال الدين لبسط سيطرتهم على الشعب ويستعملها الحكام لاحكام قبضتهم على المحكومين – كما نجد في القول بان الدين اداة فعالة في خدمة الدولة لا يصح الا في وضعيات وظروف تاريخية معينة .

فلا يمكن لدولة عصرية اعتماد الاسلام كنظام وحكم – فالوطن الحديث يقوم على التكنولوجيا والعلم وعلى المؤسسات، كما هي الحال عليه في الانظمة الاوربية – فلا يمكن تثبيت حكم اسلامي وفرضه على المجتمع الحديث. وفي هذا الصدد يعتقد كثير من مفكري العرب ان الوحدة السياسية الدينية التي دعا اليها الاسلام برزت الى حيز الوجود على الصعيد النظري اكثر منها في الميدان العملي. وان هناك عدة اسباب لفصل الدين عن الدولة فصلا تاما نتيجة لاستمرار المفارقة ما بين المُثل الدينية والنهج الواقع – – ومن هذه الاسباب :
1 – ان الشريعة فقدت حيويتها تباعا رغم انها كانت في الاصل اداة تقدمية لتعزيز الاسلام – بسبب عجز رجال الدين عن تجديد القانون الديني وتكييفه مع الواقع.
2 – قبول الحكام المدنيين طلب رجال الدين بسلطة سياسية، مقابل ان يقوم رجال الدين بالرضا عن ظلم السلطة، وعدم معارضتها.

* مقتبس من كتاب الفكر العربي في القرن العشرين لمؤلفه د. شاكر البابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here