مطلوب مرجعية تفصال

عباس راضي العزاوي

يقولون في البدأ كانت الكلمة, الخلق بدأ بكلمة, الله خاطبنا بالكلمة,الانبياء تواصلوا بالكلمة, موسى كُلف بكلمة وعيسى كان كلمة ومحمد كلمة الفصل ,الكلمة انتقلت وتطورت عبر التاريخ لتوحد الناس وتنير طريقهم الى السلام والرفاهية وهي نفسها من فرقتهم وحطمت حياتهم وسحقت ملايين الاجيال منهم, قالوا ان “الكلمة الطيبة صدقة ” والكلمة الشريرة موبقة , فكل ما جاء هو كلمة , لم نرَ , لم نشاهد , لم نشهد, بل قرأنا الكلمة.

اذن لهذه الفكرة وقع اخطر مما نتصور واكبر من ان ندرك في لحظ القول ولانها سلسة وبسيطة, يريد السذج ان تطلق كيفما اتفق, يريدونها رهن اشارتهم ووفق مقاييسهم, فهم يبحثون عن كلمة واحدة, مبرر, شعلة من نار مشرعنة يجوبون بها البلاد حرقا وتقتيلاً كقميص عثمان.

الكثير من وعاظ السلاطين وتجار الدماء جعلوا من هذه الكلمة ” الامانة” بضاعة رخيصة توزع على الاخرين كالحلوى, كان القرضاوي وغيره من ذيول الامراء والملوك , يوزعونها في فضائيات العهر العروبي ببلاش ليجيشوا الحمقى والحمير المفخخة, وليدفعوا الاف الشباب الى الموت بدون اي شعور بالذنب او العار, وهم جاهزون دائما وحسب الطلب وباسعار مناسبة.

الامام علي ع لم يقاتل القاسطين كالمارقين بل لكل منهم موقف وقرار حرب مختلف,ففي صفين كان واثقا ومصرا على انتزاع عيون الفتنة الاموية , ولكن في النهروان قال , لا ابدأ القوم بقتال, ” ليس من طلب الحق فأخطاً كمن طلب الباطل فأدركه ” خارطة حرب عادلة لاتُظل من اتبعها.

تفشت في السنين الاخيرة ظاهرة القدح بالمرجعية في العراق وباسلوب شوارعي قذر لم نعهد مثله سابقا, انا لست بصدد الدفاع عنها, فهي لاتحتاج دفاعي ولست ملتزم كثيرا كي اتبعها بكل خطوة في حياتي العملية ,فلي عقل تركت له حيز كبير اتحرك فيه وفق قناعاتي الشخصية ولكن للانصاف طعم الحرية والامانة, فلك ان تختلف مع الاخر وتنتقده, ولكن ليس لك الحق بممارسة الارهاب الفكري ضده والتضييق عليه,ان كنت تؤمن بروح الحرية وقوانينها وتقر بقواعد الاختلاف المتبعة, يُستثنى من يعلن الحرب فالامر مختلف.

للمرجعية الشيعية في العراق وحوزتها سياسة ومنهاج خاص بها, فرضته الظروف القاهرة التي خضعت لها منذ مئات السنين, فهي تمتلك استقلال اقتصادي كامل, جعلها بعيدة عن السلطة وقراراتها السياسية, فهي لاتؤمن باقامة دولة دينية ولا تتدخل بالشؤون السياسية, وكل المعلومات حول تدخلاتها التي يتداولها الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن الا حزمة نصائح وارشادات غير ملزمة لاي طرف اي بمثابة الاب الروحي لهذه الامة سيما بعد الزلزال الذي حطم التركيبة السياسية في البلاد وسقوط حكم المذهب الواحد والحزب الواحد.

فرضت المرجعية على الامم المتحدة والامريكان ان يكتب العراقيون دستورهم بايديهم, اصرت على اقامة الانتخابات البرلمانية , قدمت النصح بشكل مستمر في جميع المعضلات التي تواجه الساسة, واحيانا بعد استشارتها كما حدث في موضوع تغيير رئيس الوزراء الاسبق, ورغم وضوح الجملة ( النصيحة ) فسرها الكثير من المتحزبين بشكل متطرف ومجحف واعتبروا الرجل طريد المرجعية, وبعد ان رفضت استقبال جميع الساسة, لم يدخل اصحابهم ضمن تصنيفات الطريد , اذن نحن امام مرجعية حذرة وتخاف الله بالدماء ومتلقي ساذج او متحزب مهووس يبحث عن اي ذريعة شرعية للفتك بخصومه.

وحتى فتوى الجهاد الكفائي ماكانت لتصدر لولا الخطر الكبير الذي ألم بالبلاد , فهذه الفتوى هي الثانية خلال مائة عام , فرغم كل الكوارث التي حلت بالعراق عموما والشيعة خصوصا لم يتجرأ ايَّ من زعماء الحوزة لاصدار فتوى مشابهة, فهذه الكلمة ستكون بندقية مشرعة تطلق النار بجميع الاتجاهات, وحينها سيكون صاحب الكلمة ( الفتوى) مسؤول امام الله عن كل قطرة دم سالت بعد نطقها, ألم يتبادر لذهن القارئ مثلا ؟ لماذا لم تطلق هذه الفتوى ايام الحرب الطائفية؟!! وانطلاق وحوش القاعدة مع ازلام النظام السابق واعلانها حرب دموية مفتوحة ضد الشيعة وبدون ادنى رحمة, ولماذا لم تطلق حتى بعد تفجير الامامين العسكريين؟!!

السبب بسيط وواضح حسب فهمي المتواضع, العدو كان يتحرك بيننا وفي المناطق المشتركة بين السنة والشيعة ووجود اطراف خارجية اخرى تغذي هذه الصراعات الدموية واي اجازة شرعية من اعلى سلطة دينية في النجف, كانت ستحول العاصمة والمناطق المختلطة فيها الى انهار من الدماء ومع كل هذا وجدنا من قرر واعلن الحرب الدفاعية تلقائيا بدون فتوى المرجعية ووازن الرعب في بغداد والمناطق المحيطة بها , ولكن كم من الابرياء راحوا ضحية هذه الحرب الطائفية؟ الله اعلم.

لهذه الاسباب وغيرها نجد ان المرجعية كانت طوال الوقت حذره جدا بالتعامل مع القضايا السياسية, فهي لاتحرض ضد احد او اي جهة سياسية ولا تقف مع اي جهة, لانها ستكون عرضة للاتهام بالتحيز لابناء طائفتها, ولانها تؤمن بجميع مكونات الشعب العراقي لاتريد ان تشترك بأي ظلم مهما صغر حجمه, ولانها تؤمن بان السبيل الوحيد للحفاظ على امن البلاد ووحدته هو طريق التغيير عبر الوسائل الديمقراطية, فلا الفوضى تاتي بالحقوق ولا الحرب بين ابناء الوطن الواحد تجلب الامان وستذهب البلاد للتقسيم كما تريد وتخطط له الادارة الامريكية.

لهذا يراها الكثير من مدعي المدنية والتحضر غير صالحة ومتحيزة للسلطة ولا تلبي رغباتهم بتحريض الناس على بعض وصناعة حرب بين الاحزاب وبين الشعب, فهم تارة يتهمونها بالتدخل وتارة يطالبونها بالتدخل!!! بشرط ان تحقق مايريدون تحديدا,اي نريد مرجعية تفصال , قطعة نستخدمها لاسقاط الاحزاب الاسلامية وقطعة اخرى يضعها بين جدران المسجد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here