كيف ان الشر يندس في نوايانا الطيبة ؟ *

د. رضا العطار

ولكن حذارا ان نتوهم انه اذا كان كل وجود (الشر) منحصرا في عملية ارادته ومعاودة ارادتهن فان (الخير) – على العكس – حقيقة ايجابية قائمة بذاتها ! كلا ، انما الخير الذي صنعناه، لا بد لنا من ان نعود فنصنعه دائما ابدا من جديد والا فاننا لن نلبث ان نجد انفسنا قد انحرفنا عن جادة الفضيلة.

ومن هنا فان علينا ان نتذكر دائما ان (الواجب) مستمرة تلزمنا بمواصلة الجهاد الى ما لا نهاية ! صحيح انه ليس ثمة شئ يمكن ان يعد في حد ذاته شرا ايجابيا مطلقا ولكن كل شئ يمكن ان يستحيل الى (شر) بدليل ان الشر يستطيع ان يندس حتى في صميم النية الطيبة، كما يندس طعم المرارة حتى في اعماق السعادة ! ولن تكفي المعرفة لعصمتنا من الوقوع في هذا الشر – – – فان الاغراء قد يكمن حتى في صميم الاعمال الطيبة وآية ذلك اننا قد نأتي فعلا لا نلمح فيه اي اثر من اثار الخبث او السوء ومع ذلك يكون سمّ الشر قد اندس فيه.

ولو ان (الشر) كان شيئا موضوعيا او حقيقة ملموسة او كائنا واقعيا، لكان يكفي الا نفكر فيه حتى نتجنب وسواسه ! ولكن (الشر) – فيما يظهر – حقيقة خفية ذات طابع روحي : اذ مهما نصم آذاننا ومهما نغمض عيوننا ومهما نخفي انفسنا تحت الارض، فان (الشر) مع ذلك يظل يهمس في آذاننا وكأنما هو يخاطبنا بآلاف من الاصوات الخفية !
وقد اصر على انكار الواقع ولكنني مع ذلك قد لا اجزع في قرارة نفسي جزعا حقيقيا لأي شر يلحق بمن احسن اليّ ! والظاهر ان (حب الشر) دفين في القلب البشري، بدليل ان الانسان قد يستشعر غبطة دفينة اثناء الحرب، وكأنما يحلو له ان يسمع عن موت الصديق، او كأن ثمة فكرة شيطانية خبيثة تراود نفسه فيتمنى لغيره الموت !

وحين يفرح الانسان للفشل الذي اصاب قريبه، فانه قلما يصارح نفسه بان سمّ الشر قد اندس في اعماق احاسيسه. ولكن الشر – مع الاسف – خطر جاثم يهدد باستمرار كل افعالنا الخيرة، وهو على استعداد دائما لان يندس في اكثر نياتنا الحسنة ! ولهذا يقول افلاطون الفيلسوف الاغريقي ان سر النجاة انما يكمن في (الهرب) . الهرب من عدوى المادة التي هي علة كل جهالة واصل كل انحراف شرير. ولكن هل يكون (الهروب) هو الحل الحقيقي للمشكلة الاخلاقية ؟ او هل يكون (الشر) مجرد (عدوى) تلحقنا دائما من الخارج ؟
• مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة لزكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here