قبل وفاته، ناشد إسماعيل رأس النظام السوري بشار الأسد مطالبا بتدخله للإفراج عن ابنه، لكنه لم يجد رداً سوى من رئيس “اتحاد الصحافيين السوريين” موسى عبد النور، الذي وعده بمخاطبة سلطات النظام للكشف عن مصير ابنه، على الرغم من أن الطير معروف بموالاته العمياء للأسد، إذ رافق جيشه على الخطوط الأمامية خلال معركة الغوطة الشرقية وكان يظهر في صور ومقاطع مصورة مع جيش النظام مُرتديًا البزة العسكرية وفق ما وثقه معد التحقيق عبر مقاطع منشورة على شبكته الإخبارية.
وبينما يرجّح متابعون أن يكون سبب الاعتقال هو انتقاد الطير للأداء الخدمي لوزراء النظام، يرصد المحامي محمد الصطوف الباحث في المركز السوري للحريات الصحافية التابع لرابطة الصحافيين السوريين، أن الاعتقال، يرجع لإجراء الطير استبياناً حول أداء حكومة النظام الخدمي ومدى تقبل سياستها الاقتصادية، في الثامن من يوليو/تموز 2018، وكانت نتيجة الاستبيان الذي تم حذفه لاحقا من الصفحة سلبية، قائلا: “اعتقال نظام الأسد لصحافييه أو اعتزالهم العمل أو ربما القتل أمر معرض له أي إعلامي موالٍ يخرج عن النهج الذي ترسمه الأجهزة الأمنية”.
وراء القضبان
في الحادي عشر من إبريل/نيسان الماضي، اعتقل “فرع جرائم المعلومات” التابع للنظام، مؤسس موقع “هاشتاغ سوريا” الموالي محمد هرشو، “على خلفية ما نشره الموقع عن وجود دراسة تقضي بإلغاء الدعم عن البنزين خارج مخصصات البطاقة الذكية” وفق بيان نشر في الموقع، كشف فيه عن تعرضه لضغوط من الوزارة لسحب الخبر وإزالته باعتباره قد خلق بلبلة أدت إلى ازدحام على الكازيات (محطات الوقود) بطريقة غير مسبوقة، لكن الموقع رفض ذلك وطالب الوزارة بنفي الخبر أو التعليق عليه وهو أمر رفضه الوزير، لافتًا إلى أن اعتقال مالك الموقع يتعارض مع القوانين السورية، وفق ما جاء في البيان الذي جرى حذفه بعد ذلك.
وبعد أسابيع تم إخلاء هرشو، ثم رفعت وزارة الطاقة السورية الدعم عن البنزين خارج البطاقة الذكية، أي أن الموقع لم ينشر أي خبرٍ مغلوط، وشهد الموقع ذاته اعتقال مدير مكتبه في حلب عامر دارو على يد “فرع جرائم المعلوماتية” في أغسطس/آب من العام الماضي، بعد تواصله مع صفحة تُدعى “عود ثقاب” تُعنى بكشف الفساد، إذ نشرت الصفحة محادثة مكتوبة بين القائمين عليها والصحافي عامر دراو مفادها أنه أرسل معلومات عن فساد أحد المسؤولين، ليتم توقيفه قيد التحقيق بحسب ما نشره الموقع والذي اتهم “مسؤولًا رفيعًا في حزب البعث” بالأمر بتوقيف الصحافي من قبل وزارة الداخلية، ليختفي الخبر ويتم حذفه بعد ذلك.
الخوف على الحياة
على الرغم من كونه من أكثر الصحافيين دعمًا لجيش النظام، إلّا أن فرع الأمن الجنائي اعتقل المراسل الحربي رئيف سلامة والذي يعمل في عدد من المواقع التابعة للنظام السوري وكذلك لصالح قناة “العالم” الإيرانية و”الإعلام الحربي” التابع لحزب الله اللبناني ويرافق جيش النظام في معظم معاركه.
جاء الاعتقال بسبب انتقاد وزير الصحة في حكومة الأسد وتم إيداع سلامة في فرع الأمن الجنائي لمدّة 23 يومًا، وعلى الرغم من سوء وضعه الصحي تم نقله بعدها إلى سجن عدرا، وبقي هناك لمدّة سبعة أيام قبل أن يتم الإفراج عنه، وفقًا لما قاله الصحافي السوري علي حسون رئيس تحرير صحيفة “الأيام” في منشور على صحفته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” معلنا فيه عن اعتزاله العمل الإعلامي بشكلٍ كامل، في السادس عشر من مايو/أيار الفائت مضيفا: “تم اعتقال رئيف سلامة رغم سوء حالته الصحية، وقبل رئيف كان هناك الكثير من الصحافيين تعرّضوا لذات الموقف”.
وأضاف حسون: “أنا شخصياً بتّ مقتنعاً بأن العمل في هذه المهنة المسماة “إعلاماً” أصبح ضرباً من الجنون.. وبناءً عليه اتخذت وأنا بكامل “جبني وخوفي” قراراً حاسماً بهجر مهنتي التي أحب إلى أجل غير مسمى.. وربما نهائي.. وأبحث حالياً عن عمل “بيطعمي خبز” بدون أي مخاطرة لأنو أساساً مافي شي بيستاهل “المخاطرة”.
تضامن مع “إضراب حسّون” المراسل الحربي لدى قوات النظام ياسر العمر والذي أعلن اعتزاله العمل الصحافي واكتفاءه بنشر “البيانات الحكومية” فقط، وفقا لما نشره على “فيسبوك” في 18 مايو، وبعدها جرى استدعاء لمى عباس مديرة موقع “زنوبيا” المحلي الموالي للنظام، للتحقيق بعدما نشرت عبر صفحتها الشخصية على “فيسبوك” في يونيو الماضي انتقادات لقرار وصفته بـ “المجحف” بحق الأطباء والطبيبات في مشفى “الشرطة” بحرستا قرب العاصمة دمشق، صدر عن وزارة الداخلية يقضي بسحب سياراتهم.
تجربة حرّة وحيدة في عهد الأسدين
في الفترة الممتدّة بين عامي 1950 و1963 وقبل انقلاب حزب البعث الحاكم في سورية، كان عدد الصحف السورية 48 مطبوعة تصدر في دمشق وحلب والسويداء واللاذقية وحمص ودير الزور إلى جانب صحف باللغة الفرنسية والأرمينية، “تتمتّع باستقلالية وتأخذ دورًا تنويريًا في المجتمع السوري”، وفقًا لما جاء على موقع “أرشيف الصحف السورية” المختص في أرشفة العمل الصحافي المطبوع.
وبعد وصول الأسد إلى السلطة عام 1971، اقتصرت الصحافة على ثلاث مطبوعات رئيسية هي “البعث” و”تشرين” و”الثورة” ولا تزال قائمة حتّى اليوم، وينحصر دورها في بث بيانات النظام ووجهة نظره الرسمية، ثم انضمّت إليها صحيفة “الوطن” والتي لم تخرج عن الدعاية الحكومية كون مالكها هو ابن خال بشار الأسد رامي مخلوف، إذ إن محتوى النشر اليومي لهذه الصحف يتركّز على مديح النظام ومحاولة إخفاء عيوبه وجرائمه، إضافة إلى صحف تحاول أن تكون مستقلّة مثل “الأيام”.
وخلال فترة حكم الأسدين، لم تعرف سورية الصحافة المستقلّة باستثناء تجربة صحيفة “الدومري” الساخرة التي أسّسها رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات عام 2001، ضمن هامش صغير للتعبير عن الرأي بعد وصول الأسد الابن إلى السلطة، وذاع صيت الدومري بسبب المواضيع الجريئة التي كانت تطرحها بشكلها الساخر، ليتم التضييق عليها وإغلاقها عام 2003.
أما بعد اندلاع الثورة في عام 2011، تأسّست في مناطق النظام 6 شبكات إخبارية موالية، دأبت على بث دعايته، مع محاولة إيجاد هامش حرية عبر المواضيع الخدمية والاجتماعية لتكون قريبة من الجمهور السوري، ومن أبرز هذه المنصّات، “يوميات قذيفة هاون في دمشق وريفها” التي تأسّست فكرتها بصفحة “فيسبوك” هدفها توثيق قذائف الهاون التي تسقط على العاصمة دمشق، وتحوّلت لاحقًا على يد الشقيقين المؤسسين أنس ونور الأسود، إلى منصّة رقمية ويتابعها أربعة ملايين، وإلى جانبها شبكات دمشق الآن وثمّة شبكة عاجل الإخبارية التي ظهرت في أواخر 2011 إضافةً إلى موقع “هاشتاغ سوريا” الذي تأسّس بموجب قرار المجلس الوطني للإعلام التابع لوزارة الإعلام السورية برقم 3/72 لعام 2018، وفقًا لما يعرّف الموقع نفسه في تبويب “من نحن”.
عضوية الاتحاد الدولي للصحافيين
تأتي سورية في ذيل التصنيف العالمي لحرية الصحافة بشكل متكرر، ووفقا لنسخة عام 2019 التي أصدرتها منظمة “مراسلون بلا حدود”، فقد حلت في المركز 174 من بين 180 دولة، وعلى الرغم من ذلك، حصل “اتحاد الصحافيين السوريين” التابع للنظام، على عضوية “الاتحاد الدولي للصحافيين”، بعد تقديم بعض الوثائق الرسمية التي “تتعلق باستقلالية عمل اتحاد الصحافيين السوريين وبقضايا الدفاع عن المهنة وما يقدمه الاتحاد للصحافيين”، وفق ما قاله رئيس اتحاد الصحافيين السوريين موسى عبد النور في تصريحات صحافية منتصف ديسمبر 2017.
لكن هذا الاتحاد لم يلتزم بالوعود التي قطعها على نفسه أمام الاتحاد الدولي، وبقي إلى صف النظام ضد الصحافيين، كما يقول الصطوف مضيفا: “لا يملك اتحاد الصحافيين السوريين التابع للنظام من أمره شيئاً وهذا بدا جلياً في الفترة الأخيرة فلم يحرك ساكناً تجاه قضايا اعتقال عدد من الإعلاميين الموالين وترك آخرين للمهنة خوفاً من الملاحقة أو الاعتقال، ويعد سكوت الاتحاد عن هذه الانتهاكات، دليلا يوثق كونه راضياً ومتناغماً مع سلطات النظام السوري في تكميم الأفواه”، داعيًا إلى إعادة النظر بعضويته لدى الاتحاد الدولي للصحافيين، فمن غير المنطقي قبول شريك النظام السوري في التجييش الإعلامي والطائفي والدموي ضد السوريين لدى المنظمات أو الهيئات أو الاتحادات الدولية، في ظل ارتكاب النظام السوري 593 انتهاكاً ضد الإعلاميين من قتل واعتقالات وخطف واحتجاز وإصابة واعتداء بالضرب ومنع تصوير منذ عام 2011 وحتى يونيو 2019، إضافة إلى قتل 33 إعلامياً تحت التعذيب في سجون النظام السوري بينما لا يزال مصير 37 آخرين مجهولاً منذ اندلاع الثورة السورية وحتى مطلع يوليو الماضي بحسب ما وثقه المركز السوري للحريات الصحافية.