المضحك … المبكي … العلم والمعرفة … وسيف سوء الفهم

فارس حامد عبد الكريم

انا اؤمن تماماً ان اي مثقف عراقي يعرف او كان قد سمع معلومة يمكن ان تحقق الفائدة للمجتمع او أفراد فيه ويبخل بها فلا خير فيه ولا في ثقافته .. ومن المؤكد ان ذلك قد يسبب سوء فهم احيانا حتى عند بعض المثقفين من الناس، او ان هذه الافكار تصطدم مع افكار راسخة في الفهم الشعبي للأمور وعندها ممكن ان يصل سوء الفهم الى درجة خطيرة.

وسوء الفهم ناجم في اغلب الأحيان من النظرة الضيقة للحياة ومستلزمات تطورها ونموها، فمسيء الفهم لديه مجموعة من الافكار والمعتقدات ولد في احضانها ومعلومات متفرقة اكتسبها من علاقات اجتماعية هي في الغالب محدودة، ومن خلال هذا التجمع المعرفي الفقير، يبدأ بتقييم الناس والاراء والاشياء، وهو مع ذلك يرى في نفسه (خاصة اذاكان في مستوى معرفي أكثر تدنياً) نموذجاً ينبغي ان يحتذى به، ومستعد ان يقيم مستوى الناس والعلماء والادباء والمثقفين دون ادنى تردد. والجدل معه عقيم وقد ينذر بعاقبة وخيمة فيها شيئا من الخطورة.

ومن هنا قيل ان التواضع صفة العلماء الحق، فكلما زادت معرفة العالم كلما اكتشف انه قبل معرفتها كان في حالة جهل، اما الجهلة فلا يتواضعون بقدراتهم المحدودة ابداً .

ومعرف للجميع الكم الكبير من الفلاسفة قد تعرضوا للتجريم بسسبب طرحهم أفكار علمية لم تكن معروفة من قبل، فقد قدم الفيلسوف الاشهر في التاريخ القديم والحديث أرسطو إلى المحاكمة بتهمة افساد الشباب، وكانت محكمة غريبة تتكون من 565 قاضياً كان اختيارهم من العوام بالقرعة العمياء.

وفي محكمة هاج فيها العوام وساد خلالهاالهرج والمرج وهم يطالبون بإعدام ارسطو .. وفي نهاية الأمر أصدرت المحكمة حكمها وهو:

(ان يخير سقراط بين الموت او التنازل علناً عن افكاره).

ماذا كان جواب سقراط، وماذا أختار : في الواقع كان جواب سقراط للمحكمة وخياره للحكم صادماً للمحكمة وللرعاع من الجمهور، إلا ان هذا الجواب التاريخي، هو في الواقع هاجس كل مثقف وعالم وفنان واديب ومسرحي وكاتب مقال .. يكرس وقته وعلومه لخدمة المجتمع، ولو لم يقرأ جواب سقراط ردا على قضاته الجهلة.؟

وقف سقراط في المحكمة قائلاً: لا تحسبوا دفاعي هذا عن نفسي خوفاً عليها، بل خوفاً عليكم أنتم يا أهل أثينا الأحباء، فإنني أخشى أن تفقدوا بفقدي رجلاً لا يعوض.

فإنكم وحق الآلهة لن تجدوا من بعدي أحداً يبصركم بعوراتكم لتركضوا كالجياد إلى غايات الخير والفضيلة والإحسان.

وفي النهاية رفض سقراط التنازل عن افكاره وحكمت المحكمة باعدامه بتجرع السم.

وهناك جدل تاريخي مداره هل تم تنفيذ هذا الحكم فعلا ام لا ؟ ام انه نفذ الحكم بنفسه. وقد تناولت المؤلفات الفسلفية والأدبية والمسرحية هذا الحدث التاريخي الجلل، منذ ما يزيد عن 2000 سنة ولازالت وبجميع لغات العالم المعروفة وغير المعروفة.

بل ان مؤلفاته شغلت المؤلفين المسلمين ردحاً طويلاً من الزمن، .وكانت مجالس الخلفاء العباسيين وعلية القوم والمدارس النتشرة في بغداد لاتخلو ابداً من شرح افكار سقراط، واقيمت امام الخلفاء مناظرات فكرية بين مؤيدي افكار سقراط ومعارضيها.

وقفة مع الحكم (في الواقع، كما ارى، ان حكم القضاة الرعاع يعتبر قياسياً حتى في العصور القانونية الحديثة اذ جمع بين القسوة العقابية والرحمة والحيادية اذ اتاح منفذا للتخلص من العقوبة وحياديته تكمن في انه لم يرضخ لمطالبات الجماهير الغاضبة المطالبة بإعدامه حصراً… فإذا كان هذا حكم قضاة رعاع فما بالك عن احكام قضاة متشبعيين بروح الفلسفة الاثنية والإغريقية، الذين غيرت احكامهم لاحقا وجهة القانون والعدالة عبر التاريخ والتي هي للان مصدر ثري للقوانين الحديثة ومنها استمدت مبادئها القانونية .. رhone

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here