للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة عبس وتولى وإذا الشمس كورت كان تحت جناح الله من الجنان وفي ظل الله وكرامته وفي جناته ولا يعظم ذلك على الله إن شاء الله تعالى .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ{1}
تستهل السورة الشريفة ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) , لفّت فذهب ضياءها , بعد ان كان يملأ الافاق , وصارت سوداء مظلمة .
وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ{2}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) , تلاشا نورها .
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ{3}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) , اقتلعت من اماكنها وحركت او استحالت الى هباء منثورا {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }النبأ20 .
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ{4}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذَا الْعِشَارُ ) , كل ناقة مر على حملها عشرة اشهر سميت عشراء , والعشار جمع عشراء , ( عُطِّلَتْ ) , لشدة ما يصيبهم في ذلك اليوم ولم يك احب اليهم منها تترك وتهمل العشار بلا راعي , او قد يكون الترك والاهمال بسبب موتهم , والعشار على رأي اخرون السحاب , يتعطل عن حمل الماء , وفي اراء اخرى ان العشار ارحام النساء , تتعطل عن الحمل لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال:
1- كثرة أمراض العقم ، وهذا ملحوظ في الزمن المعاصر.
2- تقنين النسل أو تحديده ضمن ضوابط خاصة ، بحجة الفقر او التضخم.
3- انتشار وتفشي الرذائل الأخلاقية (اللواط) باكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء .
4- التلوث الجوي والبيئي الذي يؤثر سلباً على حمل النساء.
5- انتشار الأدوية العقاقير التي من أثارها الجانبية تشويه الأجنة واسقاطها .
6- انتشار وتفشي الأمراض التي تنصح النساء المصابة بها من الحمل.
7- عدم الرغبة في الإنجاب.
هذا من جانب النساء ، أما من جانب الرجال فقد تكون الأسباب ذاتها مع لحاظ انتشار ضعف الخصوبة لدى الكثير من الرجال لأسباب كثيرة منها:
1- الوراثة.
2- ممارسة العادة السرية في سن مبكرة .
3- التلوث البيئي.
4- الأدوية والعقاقير المؤثرة على الخصوبة.
5- أنتشار الأمراض الجنسية .
6- الكبت الجنسي.
7- العادات والتقاليد الخاطئة.
8- غياب الوعي والثقافة الصحية.
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ{5}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) , بعثت بعد الموت , فجمعت من كل جانب , يرى بعض اصحاب الرأي ان جمع الوحوش في ذلك اليوم ليقتص بعضها من بعض , ثم تتحول الى تراب , او يبقي الله تعالى بعضها , حسب ما تقتضيه حكمته جل وعلا , ويرى اخرون ان لذلك حكم كثيرة منها ما هو خافٍ , ومنها , ان الله تعالى يحشر الوحوش وهي مخلوقات غير مكلفة , فكيف بالمخلوقات المكلفة كالجن والانس ؟ ! .
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ{6}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) , تحولت الى نار , لا غرابة في ذلك , حيث اكتشفت الكثير من البراكين في اعماق البحار , فهذا قد يدل ويشير الى انفجار تلك البراكين من اعماق البحار .
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ{7}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) , في الآية الكريمة عدة اراء منها :
1- بمعنى قرنت كل نفس بمثيلتها , الكريم بالكريم , واصل الرحم بواصله , واللئيم باللئيم , وقاطع الرحم بمثيله , وهكذا .
2- بمعنى ان المؤمنين زوجوا من الحور العين , والكفار قرنوا بشياطينهم , فعن الامام الباقر عليه السلام : أما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان وأما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين والمنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم .
3- بمعنى قرنت الارواح بالأجساد , بعد ان انفصلت منها في الموت .
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ) , كان من عادات العرب ان يدفنوا المواليد من الاناث , خشية الفقر والعار , فتسأل , وفي هذا السؤال تبكيتا للقاتل “وائدها” .
بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ{9}
تضيف الآية الكريمة ( بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) , تسأل الموءودة عن الذنب الذي استحقت به القتل , وهي لا تزال حديثة الولادة , لا يعرف خيرها من شرها , وفي ذلك اشارة الى قتلها بغير ذنب .
يلاحظ ان الآيتين الكريمتين سلطتا الضوء على وأد البنات لدى عرب الجاهلية , علما ان هذه العادة قد تلاشت وانعدمت بفضل الاسلام , فما الداعي لتأخذ مثل هذا الحيز في القرآن الكريم ؟ , يرى لذلك الكثير من الاسباب :
1- بيانا لقبحها وشناعتها , وما فيها من التشنيع على افعال الجاهلية .
2- المسلمون لا زالوا حديثي عهد بالإسلام , ولا زالت نفوسهم تميل الى تلك العادات الشنيعة .
3- وجود المنافقين بين المسلمين , والذين امتنعوا عن وأد البنات خوفا منهم , او خوفا من افتضاح نفاقهم .
4- لازال في وقتنا المعاصر من يفضل المولد الذكر على الأنثى ، فيفرح للولد وقد يحزن ويغتم للأنثى ، فيقول البعض “اني سوف الولد يبقى معي ، أما أبنتي أربيها وأتعب عليها حتى تكبر فيأتي رجل ليأخذها وينصرف ” ، فأجابه أحدهم “وأنت أخذت زوجتك من بيت أهلها ولم يفكروا او يقولوا ما تقول” .
5- الحفاظ على النسل والسلالة محصور لدى الأولاد ، فبهم يتباهى بالكثرة واستمرار السلالة ، فيقول أحد الشعراء ( أولادنا بنو أبناءنا … وبنو بناتنا أبناء الرجال الأباعد).
6- ان يكون هناك دلالة اخرى تستفاد من الآيتين الكريمتين , وهي قطع او قتل ذوي القرابة من الرسول الكريم محمد “ص واله” , بلا ذنب موجب لذلك , وهذا ما جرى ويجري من بعد رحيله “ص واله” والى هذه الساعة , وسوف يستمر الى اليوم الموعود , فها هو الامام الحسين بن علي “ع” يقول في واقعة الطف مشيرا الى ابنه عبدالله الرضيع “ان كان الذنب ذنب الاباء , فما ذنب الابناء ؟ !” , وفي كلام له “ع” اخر مخاطبة القوم “ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم على سنّة غيّرتها؟” , الى غير ذلك .
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ{10}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) , صحف الاعمال , فيأخذ كلا صحيفته , المؤمن بيمينه , والكافر بشماله .
وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ{11}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ) , ابطلت , او ازيلت من اماكنها , كما يزال او ينزع الجلد من الشاة .
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ{12}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) , اججت , واوقدت ايقادا شديدا للكافرين .
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ{13}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) , قرّبت من المؤمنين , وهنا يلاحظ ان الجنة بنفسها تتقرب الى المؤمنين لا العكس , بينما الكفار يساقون الى النار سوقا , ويحشرون فيها حشرا .
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ{14}
تضمنت الآية الكريمة جواب ( اذا ) في الآيات الكريمة السابقة , ومحلها يوم القيامة , عند ذاك او في ذلك اليوم ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ) , من خير او شر .
صدق الله العلي العظيم
حيدر الحدراوي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط