ادعموا التظاهرات بالعودة للمدارس والجامعات

كرد فعل طبيعي لمغامرات وحروب النظام السابق وبعد احتلال العراق للكويت في آب 1990 شكلت أمريكا تحالفا دوليا لأكثر من 30 دولة لإخراج القوات المهاجمة بالقوة تحت عنوان تحرير الكويت ، وقد بدأت العمليات العسكرية في كانون الثاني 1991 و حصلت خسائر جسيمة في البلاد ، وكاد الطلبة أن يخسروا عامهم الدراسي 1990 / 1991 لولا تظافر جهود الخيرين من التربويين وإلحاح عوائل الطلبة وتضحيات أبنائهم بعد نفاذ قرار وقف إطلاق النار فانقضى العام الدراسي بسلام ، وتكررت الحالة نفسها إثناء الاحتلال الأمريكي للعراق التي انتهت عملياتها العسكرية من الناحية النظرية في 9 نيسان 2003 ، فقد ترك البلد دون إدارة بعد أن غابت اغلب الأجهزة الإدارية الحكومية وكاد الشعب أن يفقد العام الدراسي 2002 / 2003 ولكن إصرار المخلصين في التربية والتعليم ومعهم الطلبة وعوائلهم أجهضت محاولة مصادرة ذلك العام الدراسي ، وفي وقتها كانت القوات الأمريكية تزور الكليات والمعاهد فيجدوها مفتوحة من قبل متطوعين رغم تضرر بعضها بسبب الحرب او السرقات فيسألون ماذا انتم فاعلون فيجيبون نريد استمرار العام الدراسي فيقولون افعلوا ما تشاءون ولكنكم ستعملون بدون رواتب فيجيبوهم نحن نعمل لأجل أبنائنا وليس لأجل المال لأننا في بلدنا ولسنا محتلين ، والقاسم المشترك بين الحدثين إن الشعب انتصر على إرادة الحكومة والمحتل في عدم مصادرة حقوق أبنائه بضياع العام الدراسي باعتبار إن التعليم حق مشروع للشعوب والدفاع عنه من واجبات الجهاد .

ولأن الموضوع يتعلق بأبناء الوطن فان الجميع يرفض ضياع العام الدراسي 2019 / 2020 لسببين ، الأول إن الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت منذ بداية تشرين الأول الماضي وتصاعدت بعد 25 منه هي بإرادة عراقية 100% وقد ثبت بكل البراهين إنها بعيدة كل البعد عن أية تأثيرات خارجية ، والثاني إن الهدف من تلك الممارسات السلمية المشروعة التي كفلها الدستور وكل الشرائع السماوية والوضعية هدفها أعادة واسترجاع الحقوق المسلوبة وليس أضاعت أي جزء منها بأي شكل من الأشكال ، لذا فان من واجب المتظاهرين ومن يقف معهم ( وهم كثر والحمد لله ) أن لا يسمحوا بإضاعة العام الدراسي الحالي او تعريض الطلبة للفشل فيه ، فقد كشفت لجنة التربية النيابية عن وجود ثلاثة مقترحات مطروحة لحل أزمة تأخير الدوام الرسمي في مدراس البلاد التي شهدت إضرابا عن الدوام وعدم انتظامه لأكثر من شهرين ، إذ قال عضو اللجنة رعد المكصوصي في تصريح نشرته وكالة ( المعلومة ) ، إن لجنة التربية اجتمعت مع الوكيل الفني لوزارة التربية لمناقشة مقترح إلغاء عطلة نصف السنة وتمديد الدوام الرسمي لشهر واحد لإكمال المناهج الدراسية وعدم تعريض مصير الطلبة للمخاطر ، كما أعلنت وزارة التربية ( الأربعاء ) عن عدم اتخاذها أي قرار بشان امتحانات نصف السنة لحين استقرار الدوام للمدارس في عموم العراق ، مبينة إنها أكملت الاستعدادات ولم تحدد وقت الامتحان بعد ، وقال المتحدث باسم التربية إن الوزارة بانتظار انتظام الدوام للمدارس في عموم العراق ومن ثم تعلن عن قراراتها الخاصة بامتحانات نصف السنة لمنع حدوث أي حيف او ظلم يقع على أي محافظة ، وأضاف أن التربية لديها قرارات و إن هيئة رأي ستتخذ القرارات المناسبة بعد استقرار الدوام لتعويض الحصص الدراسية التي فاتت الطلب وضمان عدم تضررهم .

وينطبق الوضع في وزارة التعليم العالي على الوضع في وزارة التربية حيث تسود مخاوف من عدم إيجاد حلول لأوضاع المؤسسات التربوية والتعليمية التي تشهد توقفا بسبب الاعتصام تضامنا مع مطالب المتظاهرين ، وان ما يثير القلق إن حالة دوام الطلبة ليست بوتيرة واحدة حيث تختلف من محافظة لأخرى كما إنها تتباين ضمن المحافظة الواحدة فهناك عزوف كما إن هناك دوام ، مما قد يعني تضرر الطلبة المعتصمين واحتياجهم إلى تكييف لأوضاعهم بشكل ينسجم مع حالاتهم ، في حين تنتظم الدراسة في مواقع معينة داخل العراق بما يجعلهم قادرين على الاستمرار ضمن السياقات والتوقيتات الاعتيادية ، وفي ذلك لا يوجه عتابا على من داوم او من بقى في ساحات الاعتصام بدون دوام فمن داوم ربما وجد إن الظرف ملائما للدوام ومن لم يداوم ليس بطرا وإنما دفاعا عن ساحات الاعتصام التي تقتحم أحيانا لإفراغها عنوة او بمحاولة الإقناع ، ومما يخشاه الطيبون أن تستغل مسألة انقطاع دوام الطلبة في تشويه سمعة وصورة التظاهرات عندما يروج المغرضون بان جزءا مما يتم سيحدث أضرارا بمصالح ومستقبل الطلبة وسمعة التعليم في البلاد ، فالتصريحات التي تصدر من هنا او هناك بخصوص إيجاد معالجات لدوام الطلبة تعطي انطباعات إن هناك من يريد المضي باتجاه تعطيل او تأجيل العام الدراسي الحالي ومن المؤكد انه خارج أمنيات ومطالب وأهداف المتظاهرين .

ونحن نعلم إن اغلب المعتصمين لديهم استعدادا للتضحية بدمائهم وليس بالعام الدراسي فحسب لنصرة قضية الوطن كما فعل أخوانهم من الشهداء والجرحى ، ولكننا نعتقد إن المتظاهرين بإمكانهم أن يجدوا حلولا لهذه المسالة بالذات لأنهم تواجدوا أساسا لوضع الحلول والمعالجات وإزالت أي هدر بحاضر ومستقبل أبناء الشعب ، ومن ضمن تلك الحلول هي الدعوة لمواصلة الدراسة والانتظام بها للمستويات كافة في أنحاء البلاد بما يؤمن تواجد الطلبة المتظاهرين في ساحات الاعتصام ، حيث بإمكان الطلبة وأعضاء الهيئات التعليمية والتدريسية المباشرة بدراستهم ثم العودة إلى ساحات الاعتصام بعد أداء التزاماتهم الدراسية كل يوم ، وعند العمل بهذه الطريقة فانه سيصبح بإمكان الطلبة بأداء فروضهم وواجباتهم والمطالعة والمراجعة في الأماكن التي يمكن أن تخصص للطلبة ضمن مواقع الاعتصام وبذلك تتشكل مجموعات ( كروبات ) دراسية داخل الاعتصامات يمكن استثمارها لأغراض المذاكرة والاستفادة من خبرات ومعارف الآخرين في الاعتصام من الخريجين والتدريسيين بما يجعلهم متفوقين ، وتفوقهم او اجتيازهم السنة الدراسية بنجاح دون حاجة للتأجيل او الإعادة او الرسوب سيثلج صدور أهلهم ومحبيهم والمؤمنين بوقفاتهم الاحتجاجية ، فما ينتظره الشعب من شباب بهذا المستوى من الوعي والتضحية ونكران الذات هو تبوئهم لمواقع وأماكن تثمر في المستقبل القريب بتقدمهم في الدراسة وعدم إضاعة أية فرصة ، لان بعضهم سرقت منهم فرص سابقة ولا مجال لمزيد من ضياع الفرص إذ يتوجب استثمار أقسى الظروف لتحقيق الأقرب لما هو من ضروب مستحيل .

ونحن إذ نذكر هذا المقترح فانه ليس غايته الإملاء او الوصاية على الآخرين وإنما من باب الحرص على الوطن بمن فيه والرعاية الأبوية لأبنائنا الطلبة في كل مكان ، فمن يتواجدون في تلك الساحات هم الأخوة والأبناء والشركاء في هذا البلد العزيز وقضيتهم باتت لا تتعلق بهم وإنما بالجميع ، سيما بعد تحقق جزءا من مطالبهم باستقالة رئيس مجلس الوزراء ومناقشة وضع التظاهرات والانتهاكات فيها بجلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت (الثلاثاء ) والتي ستؤسس لقرارات ستعلن فيما بعد ، ونتمنى أن يعود الجميع لمقاعد الدراسة لاستكمال عامهم الدراسي وهذه الأمنية لا تتحقق إلا بعد تكاتف جهود الجميع في التربية والتعليم وساحات الاعتصام والعوائل العراقية الكريمة ، فلا أحدا يستفاد من فوات العام الدراسي غير الأعداء والغرباء والمغرضين الذين جربوا حظوظهم في تعطيل الدراسة لمرتين سابقتين ، والتي أجهضها الشرفاء من العراقيين الرافضين لسياسات الحروب والتخلف والعدوان ، وها هو الوقت قد حان لتفويت الفرصة لأنها تتكرر للمرة الثالثة خلال 30 عام ، ولكن تكرارها الحالي تزامن مع حدت تاريخي بإرادة عراقية خالصة ولا يريد شريفا أن تجير بذمة المتظاهرين ، لذا نثق بإمكانية انجلاء موقفها والتخلص من شرورها حيث لايزال الوقت متاحا للتدارك وتعويض الوقت ، وبذلك تتوحد المواقف و تلبى الدعوات الصادقة للعودة للدراسة بأقرب ما يمكن و بالتوقيت الذي يتقرر في ساحات الاعتصام وبذلك سيبقى القرار لها متى ما وجدت الضرورة والمصلحة في العودة إلى حالة الاعتصام والامتناع عن الدوام .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here