الدين والدولة (*) ح 9

د. رضا العطار

كان موقف بعض الماركسيين العرب من علاقة الدين بالدولة، وعلاقة السياسة بالدين موقفا مضطربا غير واضح وغير قاطع. وان التفسير التاريخي و السياسي لهذا التناقض هو ان الماركسيين المصريين كانوا على خلاف كبير مع السادات الذي اطلق شعاره في السبعينيات ( لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) لاستبعاد تيارات دينية معينة عن الساحة السياسية.
بينما كان موقف الماركسيين من علاقة الدين بالدولة ورفضهم لهذه العلاقة متأت من معاداتهم للنظام الرأسمالي. وان الاسلام نظام اقتصادي رأسمالي تسيطر عليه المفاهيم الاقتصادية الراسمالية وان ايديولوجية الماركسية ضد هذا النظام وبالتالي ربط الدين بالدولة. – – وفي هذا الصدد يقول هؤلاء ( اننا امام دعوة راسمالية لكنها ترتدي جلبانا وعمامة وتطلق لحية، – ألم نقل منذ البداية اننا نرفض اقحام الدين في مجال العلاقات الاجتماعية والصراع الاجتماعي ؟ )

ويقول الماركسيون انه من المستحيل اعتماد الاسلام كنظام حكم في الدولة العصرية – فالاسلام لا يعيش في جزيرة مقفرة – فالعالم يحيط به فكيف يمكن ان يكون الاسلام نظام حكم ونحن لا نرى منذ انهيار الدولة العثمانية دولة تدين بالشريعة الاسلامية. – – ويضيفون قولهم ان الاسلام ليس متعددا فحسب ولكنه مختلف باختلاف معتنقيه وحكامه.
فالاسلام المصري من حيث انه اسلام الفقراء يختلف كثيرا عن الاسلام السعودي من حيث انه اسلام الاغنياء – والاسلام المغربي الملكي يختلف عن الاسلام السوري البعثي – وان اسلام السنة يختلف عن الاسلام الشيعة – واسلام الصوفية يختلف عن اسلام ابن رشد – واسلام السهروردي يختلف عن اسلام الحلاج وهكذا وهذه الاختلافات سببها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية محضة. الاسلام جاء واحدا في البدأ ونحن الذين جعلنا منه مذاهب عدة.

ان الحقيقة الدينية الروحية الداخلية هي نفسها من حيث جوهرها الغيبي. اما الدول الاسلامية الكلاسيكية على مختلف انواعها واتجاهاتها ومواقعها، تحكم باسم الدين منذ زمن معاوية والى الان – – ومن هنا فان التناقض الرئيسي في الاسلام لم يكن قائما بين ايمان والحاد بقدر ما كان قائما بين اسلام روحي واسلام زمني مادي – كما لم يكن هذا التناقض قائما بين الدين والدين ولكن بين مفهومين للدين، يطغى فيه الروحي على الزمني او الزمني على الروحي.

ويرى بعض المفكرين الماركسيين ان الدولة الاسلامية لم توجد ولم تحكم في يوم من الايام – بل ان الدولة الاسلامية كانت موجودة في الفقه فقط وليس في التطبيق من خلال التاريخ الملموس. وان الدول الاسلامية قامت على اساس الامتيازات القبلية والطابع الطبقي – وهو ما يؤكده الماركسي الانكليزي المعروف انجلز في ربطه لنشأة الدولة بتكوّن المجتمع الطبقي باستئثار الفئة الاجتماعية العليا بالسلطة – فكانت بذلك دولة استبدادية قائمة على قاعدة مادية مستقرة نسبيا.

يقول الماركسيون بان ظهور جماعة اخوان المسلمين جاء بتشجيع الدول الخليجية ودعم سياسي من قبل السادات لدحر الناصريين والشيوعيين وطردهم من الحلبة السياسية المصرية – – ولم يكن في الخطاب السياسي الهش للاخوان اية قوة ديناميكية عميقة الجذور للتغيير والتطور – – – وفي الجانب المخالف يعتبر الماركسيون العرب ان الدعوة الان الى ربط الدين بالدولة هي من مخلفات الماضي وهي دعوة برجوازية لصالح القوى الرجعية في المجتمع. وان ( التحرك السياسي الديني ليس تحركا دينيا وانما هو تحرك برجوازي – – فالطبقة العاملة ليس لديها ما يجعلها ضد الدين ولكنها ضد رجال الدين المضللين.

وفي خضم الغاء القوانين المدنية في بعض الدول العربية واستبدالها باحكام الشريعة الاسلامية وسيطرة الاخوان المسلمين على اجهزة الدولة كما حصل في السودان عام 1983 وفي مصر عام 2012. وقد اكد الماركسيون العرب ان تقسيم المجتمع العربي حسب الانتماء الديني، لا يرمي الى هدف تبديل الوعي الطبقي. ولن يكون هناك فروقات طبقية – – وهذا هو طريق الاخوان المسلمين لاقامة الدولة الاسلامية، وهو ما يرفضه الماركسيون العرب.

* مقتبس من كتاب الفكر العربي في القرن العشرين لمؤلفه د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here