ثلاثة أيام دامية في تظاهرات ذي قار تطيح بعبد المهدي والشمري والمحافظ ولواء الذيب

ذي قار / حسين العامل

في الثالثة فجراً تزحف الهمرات والآليات العسكرية والشفلات ولعلعة الرصاص الحي صوب جسر الزيتون في الناصرية ،

لتباغت بذلك خيام المتظاهرين الذين باتوا ليلتهم عند ذلك الجسر بعد ان أبرموا اتفاقاً للتهدئة مع وجهاء المدينة يتضمن نصب خيامهم عند مقتربات الجسر الذي شهد استشهاد أكثر من 44 متظاهراً و 492 جريحاً في مواجهات دامية تواصلت على مدى ثلاثة أيام بين المتظاهرين وقوات التدخل السريع وأفواج الطوارئ التي انطلقت لتنفذ مهمتها الدموية بناء على فرمان عسكري متسرع أصدره قائد خلية الأزمة في ذي قار الفريق جميل الشمري فجر يوم الخميس (28 تشرين الثاني 2019 ).

لم يكن في حسابات قائد خلية الأزمة الذي سبق له التورّط بقمع تظاهرات البصرة قبل أكثر من عام أن مهمته بفتح جسر الزيتون ستواجه مقاومة عنيفة من قبل متظاهرين بأيدي فارغة وصدور عارية ، فكل ما كان يدور في خلده أن رشة من الرصاص كفيلة بتفريق المتظاهرين والسيطرة على الجسر الذي يحمل اسما يرمز للأمن والسلام. غير ان حسابات الحقل التي تدور في رأس الجنرال كانت تختلف تماماً عن حسابات البيدر التي في رأس المتظاهرين ، فالجسر في رأس الجنرال كان مجرد جسر لعبور المشاة والمركبات، فيما كان الجسر في رأس المتظاهرين جسراً للعبور نحو وطن معافى وخط صد لحماية زملاؤهم المتظاهرين في ميدان الحبوبي، ومن هنا كان إصرار المتظاهرين على مقاومة قوات الجنرال التي كانت تحاول التقدم صوب مركز مدينة الناصرية.

وهكذا ومع بزوغ شمس صباح الخميس اندفعت حشود إضافية من المتظاهرين والدراجات النارية والستوتات المحملة بالحجارة والإطارات لتعزيز قوات المتظاهرين التي أخذت تُرغم همرات الجنرال على التقهقر والانسحاب الى الصوب الآخر من نهر الفرات ومن ثم الانسحاب ( قبيل حلول وقت الظهيرة ) الى مقراتها العسكرية في صوب الشامية والمنصورية ومقر قيادة عمليات الرافدين قرب قاعدة الإمام علي الجوية لتلاحقها بعد ذلك حشود المتظاهرين الى عقر دارها ومحاصرة مقرات الأفواج ومقر مديرية الشرطة الذي أخذت قياداته بأمرة اللواء محمد القريشي ( ابو الوليد ) قائد لواء الذيب سابقاً تستنجد بشيوخ العشائر ووجهاء المدينة لفك الحصار عن مديرية الشرطة.

ورغم الخسائر الكبيرة بين صفوف المتظاهرين ورغم استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي ومن مختلف أنواع الاسلحة واصل المتظاهرون حصارهم لمقر قيادة الشرطة طيلة ثلاثة أيام ولم يحسم الأمر إلا بعد تدخل النشطاء ووجهاء المحافظة وشيوخها وحشود من الأمهات والنساء لتهدئة الأمر ، إذ تشكل حاجزاً بشرياً للفصل بين القوات الأمنية والمتظاهرين.

وفي غضون ذلك وبعد 12 ساعة من أحداث تظاهرات يوم الخميس التي راح ضحيتها أكثر من 23 شهيداً وأكثر من 250 جريحاً وفق البيانات الرسمية قرر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي سحب يد الفريق جميل الشمري من رئاسة خلية الأزمة وبهذا يصبح الشمري رابع قائد عسكري تطيح به تظاهرات ذي قار منذ انطلاقها في الأول من تشرين الاول 2019 ، حيث أُقيل مدير الشرطة الأسبق اللواء حسن الزيدي والعميد محمد عبد الوهاب السعيدي والفريق جميل الشمري، وفيما بعد أقيل اللواء محمد القريشي ( أبو الوليد ).

ولم تتوقف تداعيات الأحداث في تظاهرات ذي قار عند سحب يد الشمري بل تفاعلت أكثر لتشمل محافظ ذي قار عادل الدخيلي الذي قدم استقالته في وقت متأخر من ليل الخميس بناء على طلب زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ، ومن ثم أعلن رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي نيته تقديم استقالة من منصبه في ليلة يوم الجمعة ( 29 تشرين الثاني 2019 ) وذلك بعد أن ارتفع عدد شهداء التظاهرات في المحافظة الى أكثر من 40 شهيداً وأكثر من 490 جريحاً، وبعدها بثلاثة أيام أي في يوم الاثنين ( 2 كانون الأول 2019 ) تقرر إعفاء قائد شرطة ذي قار اللواء محمد القريشي ( ابو الوليد ) قائد لواء الذيب سابقاً من منصبه واستبداله بالعميد ريسان كاصد الابراهيمي الذي تبنى أسلوبا مغايراً يميل الى الليونة لاحتواء المتظاهرين في محاولة منه لتجنب العنف الذي أطاح بأقرانه من الجنرالات السابقين الذين مازالت تلاحقهم أوامر إلقاء القبض بسبب تورطهم بأعمال القمع وجرائم البطش التي طالت المتظاهرين ، إذ بلغت الدعوى المرفوعة ضد الفريق جميل الشمري 200 دعوى قضائية رفعها أهالي شهداء التظاهرات والجرحى أمام اللجنة التحقيقية الخاصة بالتحقيق في قتل المتظاهرين ، بحسب ما ذكرت نقابة المحامين في ذي قار التي تطوعت للدفاع عن ضحايا ومعتقلي التظاهرات الذين بلغ عددهم 600 متظاهر معتقل في ذي قار حيث تمكنت النقابة من إطلاق سراح معظمهم بكفالة ضامنة.

ويبلغ إجمالي ضحايا تظاهرات ذي قار من ( 1 تشرين الأول لغاية 5 كانون الاول 2019 ) ، ( 97 ) شهيداً وأكثر من 1684 جريحاً وما يزيد على 600 متظاهر معتقل، بينهم أكثر من 38 شهيداً و 750 جريحاً وأكثر من 250 معتقلاً خلال شهر تشرين الأول 2019.

وكانت نقابة المحامين في ذي قار كشفت يوم الثلاثاء ( 3 كانون الاول 2019 ) عن إقامة 200 دعوى قضائية ضد الفريق جميل الشمري المتورط بقمع تظاهرات الناصرية ، وفيما أشارت الى أن اللجنة التحقيقية الخاصة بالتحقيق في قتل المتظاهرين في ذي قار تحقق حالياً في تلك القضايا ، أكدت مصادر في مكتب حقوق الإنسان الى استشهاد 44 متظاهراً و492 جريحاً خلال الأيام الثلاث الدامية.

وكانت العديد من المحافظات العراقية ومن بينها محافظة ذي قار قد شهدت انطلاق التظاهرات المطلبية في يوم الثلاثاء الأول من تشرين الأول 2019 واستمرت لسبعة أيام توقفت بعدها لغرض أداء زيارة أربعينية الإمام الحسين ( ع ) ، لتعاود بعدها في يوم الجمعة ( 25 تشرين الأول 2019 ) ، وقد بلغ إجمالي ضحايا التظاهرات في عموم العراق منذ الأول من تشرين الأول وحتى نهاية تشرين الثاني 2019 ، ( 432 ) شهيداً و 19 ألف جريحاً وأكثر من 3 آلاف معتقل ومختطف ومغيب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here