الأسلوب الغوبلزي في مقالة عبد الخالق حسين الأخيرة

بقلم مهدي قاسم

قرر السيد عبد الخالق حسين الوقوف النهائي إلى جانب سلطة
الفساد و العمالة للنظام الإيراني في المنطقة الخضراء و بضد من إرادة مئات آلاف المتظاهرين من أجل الخبز والعمل و تحسين الخدمات ، و الذين ليسوا في نظره سوى ” مندسين مخربين ” الذين يريدون تدمير العراق بناء على توجيهات صادرة لهم من الولايات المتحدة الأمريكية و
السعودية و الإمارات !! ، دون أن ينسى الإشارة إلى حق التظاهر السلمي ضد الفساد !! ــ وهو يستعير من خزين الأسلوب الغوبلزي للتأثير على نفسية القارئ من ناحية و لغاية إضفاء شيء من المصداقية و الحيادية على مقالته، ليعطي بالتالي انطباعا زائفا على أساس أنه مستقل
و حريص على العراق و يفهم مطالب المتظاهرين من ناحية أخرى ..

ولكن أخبث محاولاته على هذا الصعيد ، تكمن في كونه يحاول
تصوير مسألة التظاهرات حصريا ضمن المؤامرة الأمريكية ــ السعودية ــ الإماراتية ضد العراق فحسب ، حيث يفهم من سطور مقالاته المتكررة بهذا الخصوص ، اي تسقيطا واضحا بحق المتظاهرين على إنه : لو لا هذه المؤامرة الثلاثية المشتركة لما كانت ستحدث تظاهرات جماهيرية حاشدة
في العاصمة ، إضافة إلى مناطق وسط و جنوب العراق ، بمعنى آخر : لا أسباب الفقر المدقع ولا الحرمان المريع و لا سوء الخدمات و لا كثرة البطالة الهائلة ، ولا رداءة الطبابة ولا تقهقر التعليم إلى المستوى الأفريقي ، ولا التخلف المريع ولا انتشار الفساد السرطاني الهائل
ولا النهب المنظم للمال العام ، و لا بيع و شراء مناصب ” سيادية ” علنا و عبر فضائيات ، ولا فشل الحكومات المتعاقبة الذريع ، و من ضمنه عهدي المالكي الكارثيين (الذي يرتبط به عبد الخالق حسين بعشق روحي صوفي لا يقاوم !! و لا زال قائما منذ دعاه المالكي بصفة رسمية
إلى زيارة العراق عندما كان رئيسا للحكومة ) يعني أن كل هذه الأسباب الكارثية لم تكن كافية و لا دافعا أساسيا لقيام العراقيين بتظاهرات تطالب بخبز و عمل و خدمات ، و كذلك بتغيير و إصلاح جذريين نحو أفضل و أحسن ، إنما السبب الأساسي في اعتقاده هو المؤامرة الأميركية
ــ السعودية ـ الإماراتية كالدافع الأساسي و الأول و الأخير في تحريك هذه التظاهرات الجماهيرية الواسعة ، ولكن في الأخص في هذه المرة التركيز على الدور الكبير المزعوم للسعودية من خلال عنوان رنان و طنان ” (متى
كانت السعودية نصيرة لثورات الشعوب؟ ــ المنشورة في صحيفة صوت العراق ) و هنا يتضح جليا الأسلوب الغوبلزي لعبد الخالق حسين عندما يعتبر هذا الدور أمرا مفروغا منه و مسلما به و كتحصيل حاصل !! لكونه هو الدافع و المنظم لتظاهرات المليونية لشباب و فتيان تشرين العظيمة
، و كل ذلك بقصد انتقام السعودية من العراق على هجمات أرامكو ، ليتساءل بكل براءة زائفة :

ــ
(متى
كانت السعودية نصيرة لثورات الشعوب؟ ..

بطبيعة الحال إن النظام السعودي الثيوقراطي المغرق برجعيته المفرطة والقائم
على مؤسسات تكفيرية ــ و أن كانت قد حُجمت و لجمت ُفي الأونة الأخيرة على يد محمد بن السلمان ــ فهذا النظام لا يمكن أن يكون نصيرا لثورات الشعوب بحكم وجود التنافر و التناقض بين عقلية هذا النظام المتخلفة و بين طبيعة الثورات التغييرية و الإصلاحية ، هو أصلا لا
يطمح إلى مثل هذا الدور ، بينما للنظام الإيراني نعم و الذي دأب منذ انتصاره الكارثي إلى تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى البلدان المجاورة والبعيدة تحت ذريعة نشر التشيع شكليا ، و لكن بهدف نشر النفوذ الإيراني السياسي و الاقتصادي و الأمني فعليا ..

طبعا كل هذا لا يعني نكران دور النظام السعودي في دعم الإرهاب في العراق
ــ بشكل من الأشكال ــ سابقا في السنوات الماضية و علاقاته بكل من الحارث الضاري ، عدنان الدليمي ، طارق الهاشمي ، رافع العيساوي ودعمهم ماديا و معنويا ( فكلنا يتذكر كيف كان الإرهابيون يهربون من السجون والمعتقلات العراقية بين أسبوع و ألأخر حتى باتت عملية هروبهم
مصدر سخرية و تهكم لتكرارها الدائم ، كما أن المالكي نفسه الذي أرسل برفقة مستشاره الأمني موفق الربيعي 33 إرهابيا سعوديا محكوما بالإعدام إلى السعودية على متن طائرة خاصة !!) ولكن هؤلاء الساسة : ممثلي الإرهابيين قد انتهوا : أما انقرضوا أو تجاوزتهم الأحداث و التطورات
السياسية ، لأن النظام الإيراني قد تمكن أخيرا من شراء ذمم ” الجيل الجديد ” والفاسد القديم من ساسة المناطق الغربية ، والذين لكي يضمنوا مباركة النظام الإيراني للحصول على مناصبهم السيادية وغير السيادية فقرروا الانبطاح الكامل في حضن النظام الإيراني ، ابتداء من
محمد الحلبوسي ولا انتهاء بمهدي الصميدعي ، بينما خميس الخنجر قد أصبح في جيب القطريين الذين وثقوّا علاقتهم بالنظام الإيراني نكاية بالسعودية و الإمارات .و لهذا السبب أيضا أٌستقبل داعم الإرهابيين ــ علنا ــ خميس الخنجر من قبل المالكي و العامري و مهدي المهندس و
غيرهم بالقبلات و الأحضان !!، و ربما لهذا السبب أيضا لا تخرج مظاهرات تضامنية إلا ما ندر في المناطق الغربية، إذ إنهم يتعرضون لأعمال القمع و الاعتقال تحت طائلة 4 إرهاب ، في حالة قيامهم بالتظاهرات مطالبة بالخبز و العمل ..!!..

لذا فيمكن القول أن دور النظام السعودي بالعراق يكاد أن يكون في الآونة
الأخيرة ضيئلا و غير مؤثر بالمرة فكيف يستطيع إذن أن يحرّك مئات آلاف من المتظاهرين دفعة واحدة وفي عدة محافظات جنوبية في آن واحد ؟

و من ضمن هذا السياق الغوبلزي أيضا يمكن الإشارة إلى مدى
الإساءة الكبيرة التي ألحقها عبد الخالق حسين بأهالي الناصرية الأبطال و بدماء أبنائهم الشهداء و ذلك من خلال زعم و افترائه التالين :

ــ(
كذلك هناك محاولات للهجوم على سجن الحوت في محافظة ذي قار، وما أدراك
ما سجن الحوت؟ إنه سجن فيه نحو ستة آلاف إرهابي، أغلبهم من السعودية، محكوم عليهم بالاعدام. لذلك يركز أعوان السعودية من المندسين المخربين، وبتخطيط من قياداتهم من خارج الحدود، على محافظة ذي قار وإشعال الحرائق في دوائر الدولة، وبيوت المسؤولين فيها، وحرق الإطارات
في الشوارع، والقيام بعدة أعمال تخريبية في عدة أماكن في آن واحد لتشتيت جهود القوى الأمنية، وتضليلهم، وبالتالي تسهيل الهجوم على سجن الحوت لإطلاق سراح آلاف الدواعش السعوديين وغير السعوديين. وعندها يمكن تسليح هؤلاء السجناء لمواصلة “الثورة”، وإكمالها لتحويل المدن
ذات الأغلبية الشيعية إلى خرائب وأنقاض كما عملوا في المدن السنية من قبل) ..

يعني كل هذه الدماء المسفوكة و أعداد هؤلاء الشهداء بالعشرات و مئات الجرحى
فكل هذا من أجل تهريب الإرهابيين من أجل سواد عيون السعودية ؟!..

و كما يلاحظ القارئ الكريم إن هذه الفقرات تحتوى ــ إلى جانب الإساءة إلى
المتظاهرين ــ تضخيم و تهويل مسألة الحرائق و التي لم تطال دوائر الدولة إنما بعض مقرات الأحزاب ــ طبعا حتى هذا أمر غير مقبول من جانبنا ــ ولكن الدس الأكبر هو الإيحاء بأن المتظاهرين أرادوا مهاجمة سجن الحوت لغرض إطلاق سراح آلاف الإرهابيين و أغلبهم من الإرهابيين
السعوديين ، و ذلك بناء على توجيهات سعودية !! ، فهذا لعمري أكبر كذبة وافتراء و تدليس من ممكن أن يقدم عليه إنسان يدعي أنه سوي التفكير و العقل، و المنطق و التفكير و ليس مصابا بلوثة الطائفية المزمنة ! ، لماذا ؟ فأولا أن هؤلاء الإرهابيين كان لهم دورهم في قتل أبناء
الناصرية سواء عن طريق التفجيرات أومن خلال الحرب ضد داعش أو في مذبحة سبايكر الرهيبة ، ولهذا فربما إن أغلب العائلات في الناصرية تكون قد فقدت واحدا أو اثنين من أبنائها على يد هؤلاء الإرهابيين فكيف يمكن أن يشتركوا إذن في إطلاق سراحهم ؟ ، فضلا عن أن سجن الحوت
بعيد جدا عن مركز مدينة ذي قار ، و لم أن نسمع أو نقرأ في الوقت نفسه عن نية أي متظاهر قرر الزحف إلى هناك لهذه الغاية ..

و بالمناسبة و للتذكير فقط : أن عددا من كتّاب قد طالبوا و يطالبون بمهاجمة
سجن الحوت و قتل كل الارهابيين ، و نحن بدورنا نسأل لماذا لا تجري عملية إعدامهم تطبيقا لقرارات المحاكم بهذا الخصوص ؟. أليس السبب هو سلطة الفساد و المساومات مع ممثلي الإرهابيين في المنطقة الخضراء على المناصب والمغانم ، تلك السلطة المنخورة بالفساد و التي يستميت
عبد الخالق حسين دفاعا عنها حتى آخر نفس ؟ ..

مع العلم أن نفقات وجودهم في سجن الحوت تكلف الدولة أكثر من 10 مليارات دولار
سنويا ، و هذا يعني أن ثمة أشخاص و مسؤولين أو ساسة متنفذين لهم مصلحة مادية في عدم إعدام هؤلاء الإرهابيين بحكم قيام شركاتهم بتزويد الإرهابيين بالطعام والفواكه ومستلزمات النظافة وغير ذلك ؟..

و ما دمنا عند الإرهابيين ، والشيء بالشيء يذكر ، فلماذا لم يتطرق الكاتب
عبد الخالق حسين يوما عن عملية تهريب آلاف من قادة وقياديي دواعش من سجن ” أبو غريب ” و بطريقة هوليودية مثيرة بسبب التواطؤ الواضح من جهات رسمية متنفذة ، وهو السجن الذي كان محاطا بثلاث دوائر أمنية فضلا عن مرابضة قوات الجيش حول السجن بعدة ألوية حماية وحراسة ولكنها
انسحبت فجأة و تبخرت قبل البدء بعمليات الهروب ، حيث تمكن أكثر من ألف و خمسمائة قيادي داعش خطير الهروب السهل ، و الذين فيما بعد تكونت منهم عصابات داعش التي لم تمض إلا بضعة أشهر و إذا بها تحتل الفلوجة والموصل و مناطق الأنبار بعد استسلام مسرحي مضحك لقادة عسكريين
موالين لنوري المالكي ؟! و قد أكد وزير العدل حسن الشمري حينذاك بأن الإدارة السجن قد تلقت أوامر من جهات ” عليا ” لتسهيل عمليات هروب الإرهابيين ليهربوا ..

و الآن يخشى عبد الخالق حسين على هروب إرهابيي سجن الحوت و يتهم المتظاهرين
بمحاولة إطلاق سراحهم حتى يندمجوا بالمتظاهرين لكي يدمروا العراق تمشيا مع المؤامرة السعودية ؟!!..

ولكن حتى مندوبة الم المتحدة لم تفلت من افتراء عبد الخالق ، حيث حاول تأويل
تصريحها بخصوص تدخل ” قوى ديناميكية ” في الشأن العراقي و قد زعم أنها تقصد السعودية ، يعني يقوّلها شيئا فهي لم تقله !!..

فاقرؤوا قبل
أن تستغربوا حيث يقول :

ـــ ( وإذا كانت كل هذه الأدلة لا تكفي لإقناع ذوي النوايا الحسنة، أن قوى
خارجية وخاصة السعودية هي التي تقرر الأجندات وتدير هذه التظاهرات، و مازالوا ينفون التدخل الخارجي، والمخربين المندسين فيها، نقدم شهادة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، السيدة هنيس بلاسخارت في تقريرها الذي ألقته في مجلس الأمن الدولي قبل أيام، حذرت
فيه ممن وصفتهم بالقوى الديناميكية التي تسعى إلى اختطاف المظاهرات السلمية. وقالت إن “أفعال العنف المدفوعة بأسباب سياسية أو انتماءات خارجية تضع العراق على مسار خطير وتخطيط الفوضى والاضطراب. وأضافت أن “هذا يقوّض المطالب المشروعة للشعب العراقي ويعقّد عمل قوات
الأمن ويمنح مبررات لاستخدام العنف لقمع المظاهرات السلمية.”(4)

فيا ترى، من هي القوى الديناميكية التي تسعى إلى اختطاف المظاهرات السلمية
غير السعودية وحليفاتها في المنطقة ومرتزقتها في الداخل؟ )

و نحن نجيب على هذا السؤال الغوبلزي ، و نقول : ربما أنها تقصد بالقوى
الديناميكية النظام الإيراني وعشرات من ميليشياته الفاعلة في العراق بكامل أسلحتها المدججة ، و التي لها دورها الفعّال حاليا في حسم الأمور السياسية و الأمنية في العراق نحو ما يريده النظام الإيراني فقط ، و أنها مرعوبة من التغييرات لهذا فهي تلجأ إلى كل الاساليب
الفاشية لترتكب مجازر جماعية بحق المتظاهرن ، فهذا هو الأرجح ، سيما بالنسبة لصاحب عقل مستقل و تفكير سوي ، أما صاحب عقلية طائفية منحازة مسبقا والتي تجعل صاحبها ينظر إلى كل الأمور من منظار جانبي و ضيق ومحدود جدا ، ربما لا يتعدى حدود أرنبة أنفه !!..

في الواقع كنا في البداية نلاحظ بشعور من أسف كيف ينحدر هذا الرجل مصطفا
اصطفافا صريحا وعلنيا ضمن خنادق طائفية ، حيث كان يحدونا أمل في أن يخرج سريعا من تخندقه الطائفي الضيق ، راجعا إلى الصف الوطني المستقل ، ولكنه أبى إلا أن يواصل غوصه في تلك الخنادق ، فقلنا لا بأس هذا اختياره ، فليكن !، ولكن أن يصل به العمى الطائفي و الانحياز
الفئوي على أن يفتري على المتظاهرين ولا سيما الشهداء منهم و أن يسخر و يسيء إليهم وهم الذين سكبوا دمهم على محراب الوطن فالمسألة هنا لم تعد مسألة رأي قطعا ..!

بالمناسبة : إن مقالات عبد الخالق حسين الأخيرة تذكرنا إلى جانب كل هذا
بمقالات الكّتاب البعثيين فيما مضى ، و الذين كانوا يطلقون نعوتا وأوصاف مختلفة على المنتفضين الشعبانيين ، ولكنها كانت في غايتها تسقيطية و مسيئة ، سواء في جريدة الثورة والجمهورية وغيرها ، و كيف أن أيد ” فارسية ” هي التي حركتهم ، كأنما ليبرروا عمليات الانتقام
الرهيبة التي قادها النظام الدموي السابق ضد المنتفضين حينذاك من إبادة جماعية طالت عشرات آلاف منهم و على شكل مقابر جماعية تناثرت بالعشرات هنا و هناك في أرجاء العراق ..

تماما مثلما يفعل عبد الخالق حسين الآن بحق المتظاهرين من خلال وصفهم بـ
المندسين والمخربين و كيف أنت أصابع النظام السعودي هي التي تحركهم ..

فما أشبه اليوم بالبارحة ! ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here