العلاقة بين المعرفة والسياسة

د. عبدالرضا الفائز

[email protected]

إن عمل السياسي هو تمشية الأشياء واتخاذ قرار تفعيلها، بينما عمل رجال العلم (المعرفيين) هو نقـد المعرفة وتحليلها. والاخـتلاف بينهما يكمن بأغراض وطبيعة منظومة عمل كل منهما، حيث يكون التناقض وخلل التلاقي. وذلك لان كـلٌ يتّبع نظاما للعمل يختلف عن الآخر بل يعاكسه في الاتجاه. والاختلاف يأتي من ماهية معايير التقييم. فمعيار المعرفي مـا ينتج، بينما معيار السياسي في ما يقرر.

وحين ما يكـون المقيـاس طبيعة العمل لا نتيجته، فأن مهارات مختلفة متعددة تكون ضرورية. ولهذا السبب يكون السياسي على العكس من المعرفي، خبيـر عمليـات لا خبيـر تخصص. يعرف عن أشياء عديدة، أشياء قليلة وتعاريف عامة، تكفي للتفاهم مع فرق العمل من الاختصاصين. فقد تجد السياسي يحضر لجنة زراعيـة لينتقـل بعدها إلى أخرى عن الطاقة الكهربائية … وهكذا. كما أن طبيعة السياسي كرجل قرار تتطلـب الوثوق بمستشارين يزودوه بملخصات عن قضايا عديدة، في حين لا يقبل المعرفي فـي تخصصه إلا الحقائق التي يمتحن بدقة ماهيتها بدل الاعتماد على الآخرين في ذلك. وهـذا الفرق جزء هام من الناحية العملياتية التي تفصل الأثنين.

ولأن المعرفي رجل علم وتخصص، والسياسي رجل قرار، فأن ذلك يسبب عدم التلاقـي في أحيان الاختلاف. لان رجل العلم لا يرى كامل الصورة، كما يراها رجل القرار الـذي يرياها بشكل موسع وعام. والأسوأ من ذلك إن رجل العلم يهمل عوائق العالم الحقيقـي ضد تطبيق الحلول، خصوصا ذات الطبيعة السياسية منها. إلا إن عدم قابلية رجل القرار رؤية تلك التفاصيل، التي قد تكون في بعض القضايا مهمة جدا، وقد تكون هي كل شيء، وبدونها أيضا قد يكون التطبيـق مـستحيلا. عندها، يلتقي الاثنان في حلقة مفرغـة، يـدفع حسابها التطبيق المرجو والنفع المنتظر.

والحل يكون في قابلية رؤية رجال العلم المعرفيين، في الإدراك بأيمان وقناعة انهم يؤدون عملا تعبويا. وعلى رجل القرار إن يطلب بإلحاح دائم أفكار جديدة ورؤى طلائعية، بغض النظر عن مصدر تلك الرؤى، طالما إنها تخدم المنظومة التي عليه رعايتها.

وللحصول على تأييد رجل القرار لقضية ما، على رجل العلم أن يتأكد من كيفية ووقت تقديم مطالبته لتأييد رجل القرار، تاركا له أكبر مساحة ممكنة بالادعاء بملكية الفكرة المقدمة للناس، الذي يهمهم تطبيق الفكرة تلك. أن ترك مساحة مناورة لرجل القرار بملكية الفكرة مسألة هامة لسببين هامين. الأول إن رجل القرار كي يناصر الفكرة يجب أن يقتنع ليعتقد انه يؤيد فكرة أتى زمانها، والثاني انه سيتحمل مسؤولية تطبيقها للناس.

إن التقدم العلمي المتسارع يخلق تحديات دائمة أمام رجال القرار. إن تلك التحـديات لا يمكن التغلب عليها بدون خبراء المعرفة. الذين يتحملون مسؤولية إيصالها ونقلهـا إلى رجل القرار المنفتح على الأفكار الجديدة بالشكل المناسب وبالوقت المناسب أيضا. وذلـك يتطلب من رجل القرار رعاية خاصة للعلم والمعرفة، التي بدونها لا تتقدم الأمـم.

إن وجـود رجل القرار المنفتح والراعي للمعرفة والمتسبب في صنع جسور البناء، مع رجالها بركة تحسد عليها الشعوب. فضعف وسائل التعبير وانعدام الشفافية، يوسع الهوة بين الأثنين ويعظم الفارق بين من يملك الفرصة ومن يملك قرار تطبيقها، ليخسرا الالتقاء والتفاهم. وتلك هي مسؤولية السياسي في درجة مبادرته أولا، في علاقة المعرفة والسياسة التي تتقدم بها الدولة وتخرب بغيابها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here