أدارة الدولة والفتنة

سالم سمسم مهدي

شهد العالم القرن الماضي بروز تجارب عديدة فيها الذي نجح ونقل شعوب دولة متأخرة ألى مصاف الدول ذات الشأن الكبير ومنها ما هو سلبي قاد بلدان أخرى نحو المجهول وسأتطرق هنا لثلاث دول نفطية فنزويلا في امريكا الجنوبية ونيجريا في افريقيا والعراق في آسيا كنماذج متعثرة يشعر بالألم كل من يطلع على حال شعوبها أما الرابعة التي تصلح كحالة رائعة ايجابية هي سنغافورة ولا أريد أن أتطرق هنا إلى ألأيديولوجيات والأفكار بل أتناول طرق إدارة الدولة …

فنزويلا مثلا ذات الاحتياطي النفطي الذي يعتقد الخبراء بأنه ربما سيكون الأعلى في العالم تمر اليوم بأزمة اقتصادية خانقة يصاحبها تراجع بإنتاج الطاقة الكهربائية يؤثر على حياة المواطن هناك بكل أشكالها والسبب أن القائمين على السلطة أغرقوا البلد بالديون أبان سنيين ارتفاع أسعار النفط وفورتها في وقت يشكل فيه حوالي تسعين بالمائة من وارداتها حيث برزت مشكلة سداد هذه الديون بعد هبوط أسعار النفط وأصبحت الإيرادات عاجزة عن تلبية متطلبات المواطن هناك فانهارت العملة وأخذ الظلام يلف المدن لساعات طويلة وتفشى الفساد في البلد وهو ما جعله بحال لا يحسد عليه وأعطى المعارضة الحجة المناسبة لتمرير أفكارها التي تستمد قوتها من خارج الحدود ..

أدى ذلك لتصاعد حظوظ المعارضة واستقطاب أنصار لها فضلا عن أنها حصلت على الدعم من الخارج بعد أن تردى الوضع المعاشي وأصبح الاقتصاد بحاجة إلى عشرين مليار دولار للتخفيف من المعاناة وهذا ما تعرقله الولايات المتحدة الامريكية …

أما نيجيريا التي يشكل المسلمون 50 % من سكانها والبالغ عددهم حوالي 190 مليون نسمه فإن هذا البلد تتحكم به التوجهات القبلية ولغات متعددة تمثل رغبات 250 قومية بلغات ولهجات ليس بأقل عدداَ كما ان هناك حركات مسلحة مناهضة للنظام القائم منها ما يتعلق بإقليم بيافرا والحركة الاسلامية الشيعية ومنظمة بوكو حرام الارهابية التي بايعت داعش مع تنظيمات أخرى يعتمد بعضها العنف أسلوبا للحوار …

ان الكميات الهائلة من الاحتياطي النفطي في هذا البلد المدعوم بمليارات الامتار المكعبة من الغاز فضلا عن معادن نفيسة اخرى مع انتاج زراعي جيد كل هذا لم يحقق للشعب النيجيري أي نوع من أنواع الرخاء بل بالعكس فان الديون الخارجية تجاوزت حتى الان 23 مليار دولار مع سقوط اعداد هائلة من القتلى بسبب الحروب الداخلية وما زالت الاحداث المهلكة متوالية حتى اليوم …

أما العراق فهنا تكمن الطامة الكبرى حيث أنهكت الحروب الشرسة وغير الرحيمة هذا البلد مخلفة خسائر بشرية فادحة بين قتيل ومعاق وجريح بالملايين مع خسائر مادية نقدية وبالممتلكات تقدر بآلاف المليارات …

وعندما تهيأت للبلد فرصة الخلاص من الدكتاتورية والظلم اسس بريمر لأفشل نظام حكم شهدته البشرية معتمدا تبريرات كانت السبب في كل ما حصل لاحقا من سلبيات هائلة ادت للاقتتال الطائفي وما صاحبه من تدمير للمدن والبنية التحية ليتكرر ذلك على يد المنظمات الارهابية القاعدة أولا ثم داعش ثم يأتي الفساد ليضيف جرحا آخر ليس بأقل ضررا من هاتين الآفتين الشريرتين فتبخرت على يديه ثروة هائلة تجاوزت الترليون دولار وتحول البلد إلى أنقاض مدن ومدارس عادت بأبنائنا الطلبة الى ما عهد قبل الملالي ناهيك عن اموال تجاوزت الخمسين مليار دولار صرفت على الطاقة من دون اي تحسن بواقعها البائس …

أما ديون العراق فهنا تكمن المأساة لأنه حتى عام 2018 بلغت الديون 130 مليار دولار ولم ينفع أنه يحتل المركز الثاني في تصدير النفط وهذا ما أدى إلى حصول استياء شعبي كبير يتكرر كل عام في عز الصيف تلعب مشكلة الكهرباء والماء دورا في تأزمها وانفجارها ليصل كل شيء ألى الذروة الاحتجاجية هذا العام حيث أدت هذه الاحتجاجات الى سقوط حوالي خمسمائة شهيد مع عشرين ألف جريح ومعاق لأن الكثير من الجرحى لا يذهبون إلى المستشفيات خشية الاعتقال …

أن ظروف البلدان الثلاث وأن اختلفت ولكنها تتشابه الى حد كبير عند نقطتي انتاج النفط وسوء الإدارة مما ادى الى تفاقم المشاكل فيها ومعاناة شعوبها ونقمتها على الطبقة الحاكمة لأن حسن الادارة وسلامتها هي التي تبني البلدان وتعالج مشاكلها وتنتقل بها الى مصاف الدول التي تنعم بالأمان …

وهذا ما حصل مع سنغافورة البلد الاسيوي الذي كان رئيس وزراؤه يبكي يوما لعدم قدرته على توفير ادنى مستويات الحياة المطلوبة لشعبه بسبب طرد بلاده من الاتحاد الماليزي وها هي سنغافورة اليوم في مصاف الدول العظمى وتحتل واحدة من المراكز المتقدمة في الاقتصاديات العالمية ويعد نموذج الحكم السنغافوري استثنائي لأنه أستطاع أن يصمد في المواجهة مع اقتصاديات قوية واحتلت مؤشرات التقييم الفرعية مراكز ممتازة ففي مجال الصحة كان التقييم 100 وفي البنية التحتية أكثر من 95 وفي مجال سوق العمل كان التقييم اكثر من 81 وهكذا يعيش الشعب السنغافوري في نعيم بعيداَ عن المشاكل وبمستوى معيشة محترم بعد أن كان رئيس وزراء هذا البلد يبكي من أجل تأمين لقمة العيش …

من هنا فان الادارة هي التي تلعب الدور الحاسم في بناء الاوطان او تأخرها المفزع ومن ثم غرقها في الفتن والحروب وخسارة الشباب اداة التقدم والرقي والنماذج أعلاه خير دليل .

سالم سمسم مهدي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here