مظاهرات عام 1948, دروسٌ وعِبَر:

د. عبدالحميد العباسي

—————–

بدأت التظاهرات كعادتها من كلية الطب في الباب المعظم ثم امتدت الى باقي الكليات والمدارس وبعد ذلك الى عموم الشعب. كانت احتجاجا على عقد صالح جبر رئيس الوزراء انذاك, مفاوضات في مدينة بورتسموث الانكليزية وعقد معاهدة بين العراق وبريطانيا بديلا عن سابقتها التي كانت توشك على الانتهاء. كان دافع غالبية الطلبة اعتقادهم ان المعاهدة تمسُّ سيادة العراق ومن غير المستبعد ان كان للآخرين, الساسة خاصة دوافع أخر, منها الرغبة في اسقاط صالح جبر ومنها (خارجية على الاكثر) خشية أن يصير للعراق حليف قوي ومنها ما يبدوا دوافع طائفية, مع علمهم ان نوري السعيد ربما كان مهندس المعاهدة. ولابد كانت هناك اسباب أُخر. اذكر وبعد سقوط الوزارة وبدء مسسيرات الانتصار إإ, كنا نحن بعض طلبة الثانوية الشرقية نقف على مقربة من قاعة الملك فيصل (في الباب المعظم), كانت هناك سيارة *بك أب* تسير ببطئ نحو البلاط (الاعظمية) يقف على قسم الحمل منها, رجل معمم (أ.م. ال ص) يهتف *تسقط وزارة الرافضية*. جرينا خلفه نردد,*تسقط*. لم نعرف ان المُعمم كان *يُسَقِطُ* أهالي مَن كانوا يهتفون معه. لم تكن للطائفية اية اهمية بين عموم الناس لا في الصداقات والمودة والتعامل والمعاملات او الزيجات, تصدمك فقط لو تصديت لموقع رفيع في الحكومة (مدير عام فما فوق) او في التقدم للاتحاق بالكلية العسكرية او كلية الاركان. لقد كانت الطائفية سياسة الدولة غير المُعلنة والقنبلة الموقوتة التي كان, في تفجيرها دمارُ العراق. اشتدت المظاهرات وعجزت الشرطة (أفسدُ أجهزة الدولة آنذاك) عن تفريقها وعندما حاول بعضُ المتظاهرين عبور الجسر القديم

(سُميَّ, بعد ذلك *جسر الشهداء*), أمر رئيس الوزراء وكالة السيد *جمال بابان*, شخصية كردية مرموقة

امر ِالشرطةَ برمي المتظاهرين وقُتل منهم عدد قد لا يزيد على عدد الاصابع. اشتد الهيجان وعمَّت الاضطرابات القطر. عُقِد احتماع طارئ في البلاط, قيل أُسمِع فيه الوصي على العرش, كلاماً قاسيا جدا من البعض, دليل اخر على ما كان معروفا من سطوة اولاد الانكشارية ومخلفات الغزاة علي حكم البلاد, لا الملِك. لقد تصوروا ان العراق سيكون ضيعة اقتطعت لهم من املاك الدولة العثمانية كما اقتطعت *مصر* لآل محمد علي باشا, فأغاظهم أن استلم مقاليدها عربي. أُعلنت الاحكام العرفية (الطوارئ) نزل الجيش الى الشوارع واستقبلته الجماهير بالزهور والزغاريد, معتبرة ان مَجيءَ الجيش انتصارٌ لها. الحكومة كانت تعلم ان جيش ذاك الزمان لن يضرب الشعب ابدا,ً لكنها ارادت الاستفادة من هيبته وحُب الشعب له. اقيلت وزارة صالح جبر وعُين رئيس اركان الجيش, نور الدين محمود, ضابط كردي ذو رتبة رفيعة, عُين رئيس وزراء وشرع في الحال بتسعير الخُضر والفواكه كالتفاح والطماطة. انهالت البرقيات تُبارك وأذاع الراديو برقيات,مثل انا وعشيرتي فأكملها احد السابلة * في…….*, ظل الناس يتندرون ببعض منها, مثلا *تسعيركم الشلغم اثلج صدورنا, سيروا على بركة الله*

عاد الطلاب الى اماكن الدراسة والناس الى اعمالهم واكتفي بصالح جبر كبش فداء وغُسلت دماءُ الشهداء من الشوارع ومن الذاكرة. وتمكن النظام من اامتصاص النقمة, كالعادة عندما لا تكون هناك قيادة واعية موحدة ذات نفس طويل.

وقال مدرسنا المصري(شكري حبيب), بسخريته المعهودة:

, *ركَعتو, هوه عندكو عداوة مع صالح كَبر؟* أي هل كانت تظاهراتكمم لاسباب شخصية مع رئيس الوزراء

أم هل كانت من أجل قضية؟. عادت الامور كما كانت حتى ثورة تموز 1958 المجيدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here