عقدة السلطة وثقافة التطرف العراقي (2)

عباس راضي العزاوي
بعد ان وصلت العشائر البعثية الى السلطة بدأت بالتهام بعضها من اجل الوطن , فالجندي الذي كان يقف خلف قائده صار بعد بضع سنين نائب للرئيس كاستحقاق وطني وضرورة ايديولوجية, فتخلص بعد ذلك من قائده لاسباب صحية وتوصيات اطباء البادية الغربية ووفق فحوصات امريكية مهمة.
ثبتت الدولة على عدة ركائز حيوية لثلاثين سنة, العشيرة والبندقية والقضية الفلسطينية, وهناك ركيزة صغيرة وقيمة جدا, هي الخوف الهيستيري من احواض الاسيد واغتصاب الاقرباء حتى الدرجة الثانية وشمولهم بالرعاية الامنية المرعبة.
الاعلام الحكومي واقلامه المهنية كانت تشتم جميع من سبق ومن عارض, ومنهم الان من يريد خدمة العراق بالتحريض والشتم للحكومة الجديدة بعد ان كان صدام قارورة عطر زفافه الى الدكتوراه, ومنهم من وصل الى نقابة الصحفيين العراقيين بشعار” اصبع من جفك يسوه امريكا ومابيه ” , وهناك من كان بارع بتقمص قناع الليبرالية الطائفية والفكر المناطقي الهادف, وفئة صغيرة ضحلة تعيش كالجرذان على بقايا فتافيت الموائد شرط ان تبقى بعيدة عن المصائد والفخاخ الوطنية وفيديوهات الفضائح.
الاسلاميون كذلك انشطروا الى فريقين مختلفين , فريق اتخذ سبيله الى الغرب ليمارس هتافاته الفارغة والاخر بقي شرقي حد النخاع, هؤلاء قضوا سنين طوال يشتمون الدكتاتورية والحكم الشمولي ,يُطلق عليهم جماعة الخارج “العملاء ” ولكن هذا لايعني بان جماعة الداخل يحضون برعاية امنية يسيرة, بل العكس هناك حفاوة عظيمة بتقديرهم وتقديم الخدمات الفاخرة لهم في الشعبة الخامسة وغرفها المظلمة

المضحك في الامر ان هذه الفرق ” المعارضة ” يشتم بعضها بعض, ويشتمون اطراف اخرى وهي تشتمهم بدورها كتبادل ثقافي ومعرفي يجيده العراقي بمهارة معروفة, ولم يرد اسم العراق في اغلب ادبياتهم الا في العناوين الرئيسية للصحف, وكذلك اصحاب النضال العلني ينالون من الجميع لانهم يعيشون في فنادق خمس نجوم خارج القطر , ( كذبة البعث التي يرددها اسلاميو الداخل).
اذن نحن امام مهزلة تاريخية جديرة بالدراسة والتمحيص, فهي متشابكة ومتداخلة جدا ويصعب على غير المتابع فك طلاسمها وتعريفها, وكلما اقتربت الموائد الدسمة للايادي المحرومة برزت الصراعات والمناحرات بين الاحزاب .

ويبدو واضحا ان العامل المشترك بين الجميع هو المهارة الفائقة برفع الشعارات المثيرة والبراقة, ثم وضعها في اقرب سلة مهملات عند دخول القصور والمباني الفارهة.

فالبعثي كان يشتم الشيوعي والاسلامي والاسلامي يشتم البعثي والشيوعي , ثم شتم اصحاب الداخل جماعة الخارج وشتم المجلس حزب الدعوة والتيار الصدري وشتم الدعوة حزب البعث , ثم جاء التيار الصدري ليشتم الدعوة والمجلس , اي الجميع ينال ويشتم الجميع!!

ومازال العراق ” الوطن ” يرزح تحت ثقل جولات المصارعة غير النزيهة بين كل هذه المجاميع المهووسة التي تريد ان تصل للسلطة باي ثمن, حتى وصلنا الان الى جوقة جديدة تسمى ” النخب ” تبيع المقال بربع عرق بعشيقي او ليلة حمراء واخرى توزع الشعارات من اجل طبع مؤلفاتها,او من اجل راتب شهري من هنا وهناك.

فالازمة الاخيرة بينت بشكل مخيف وجلي اننا امام مجموعة من الاحزاب الفاشلة والفاسدة اسلامية وغير اسلامية ومعارضة متمدنين يتقافزون في الاعلام كالقرود ويحرضون على حرق الوطن من اجل القضاء على خصومهم, ليبقى

المواطن المستقل حائرا بين فاسد احمق وبين معارض معتوه يدفع للخراب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here