المحاكمات العلنية للمفسدين ضرورة لا رجاء

سالم سمسم مهدي

أن القوانين الآلهية والوضعية ما شرعت إلا لتحقيق العدالة والمحافظة على النظام لأن الباري عز وجل يعرف أن النفس البشرية أمارة بالسوء ولابد من قوة ردع تتغلب على أهوائها لهذا وضعت الأحكام المناسبة لكل جريمة تختلف باختلاف الجرم والغاية من ذلك معاقبة الفاعل الجاني أولا وإيصال رسالة للآخرين وأن كانوا مجرد مراقبين يشاهدون ما يحصل ثانيا فينثني ويتردد عن ارتكاب الأعمال المخالفة للقانون كل من يحاول ذلك …

ومع أن التأريخ مليء بالأمثلة التي تدور في هذا الاتجاه إلا أن النسيان من طبع الإنسان بتقادم الزمن ولكن الأحداث الآنية تبقى تتفاعل بالذاكرة وتترك أثرا في عقول من يعاصرها …

لذا فإن ذاكرتنا مازالت تحتفظ بأحداث كهذه تحصل بين الفينة والأخرى شهدناها في الدول الأوربية وأمريكا الشمالية واليابان وحتى الصين حوكم فيها شخصيات ذوو مواقع مهمة في دولهم يعملون بمجالات البنوك او من الذين يحملون الصفة السياسية وما لاحظناه هو ان القضاء لم يتردد في الاعلان عن محاكمتهم وعرض لقطات من هذه المحاكمات لتأكيد قوة الردع وليعلنوا على ان القانون فوق الجميع ولإلقاء الحجة على كل من يفكر بسلوك هذا الطريق …

وأن العالم وقف أجلالاَ واحتراما لقاضي ايطالي طارد شبكات الفساد في بلده طالت وزراء ومافيا كبرى حتى وصل إلى رئيس الوزراء وأعتقل حوالي خمسة آلاف شخص على امتداد الخارطة الايطالية وكل ما أحتاج أليه الشجاعة وإخلاص نخبة من رجال الشرطة لم يترددوا من أعتفال أي شخص يأمر القاضي بتوقيفه لأنهم كانوا مقتنعين أن ذلك لمصلحة الشعب ألايطالي الذي كان يردد أسم ذلك القاضي في المدارس والملاعب والشوارع وتحول أسمه إلى نشيد يهتف به الجميع …

أن ما يحصل اليوم في الجزائر يدور في هذا المعنى ويمثل استجابة لرغبة الشعب لوضع حد لتفشي الفساد وتمت محاكمة رئيسي وزراء سابقين هما أحمد أو يحيى وعبد الملك سلال وحكم عليهما بالسجن 15 و 12 عاما بتهم تتعلق بالفساد وشاهدهما الشعب الجزائري والعالم وهما يساقان للمحاكمة وإثناء عودتهما منها وهذا بحد ذاته عقوبة صارمة بحقهما لمكانتهما الإدارية في بلدهما وما زالت المحاكمات مستمرة لأقطاب السلطة ممن عملوا مع بوتفليقة …

في العراق نسمع عن محاكمات وأحكام ولكننا لم نسمع حتى أسماء الأشخاص المتهمين والمخالفين للقانون وكل ما نسمعه الوزير السابق والنائب السابق والمحافظ السابق وهلم جرى ولا ندري من هو هذا السابق ولم نشاهده وهو يدافع عن نفسه في قفص الاتهام …

أن عدم الحزم في مثل هذه المواقف ضد سارقي المال العام يجعلنا نشعر أن القضاء أما يخشاهم أو أنه ينوي إصدار أحكام صورية لذر الرماد في العيون تطوى مع الأيام لأنها غالبا ما تكون مع وقف التنفيذ ويظل السارق مستمتعا بملايين بل مئات ملايين الدولارات وأن ذلك يفقد القضاء قوة الردع ويخسر هيبته أمام الفساد ذو الباع الطويل في كل المفاصل الرسمية مستندا على الدولة العميقة صاحبة القرار النافذ …

أن تصحيح المسارات الخاطئة في العراق يبدأ من اجتثاث الفساد ودولته العميقة في التجارة والمصارف والعقود والمشاريع المسيطر عليها في وزارات ومؤسسات الدول ولا أريد أن أتطرق هنا للصناعة والزراعة لأن وجودهما هامشي بعد أن تحول البلد إلى سوق لاستهلاك منتجات الدول المجاورة …

كل مسيرة تحتاج إلى خطوة أولى ومسيرة الإصلاح عندنا تبدأ من تشخيص الفساد وممارسيه بشجاعة ومن ثم وقوفهم في سوح المحاكم العادلة كي يشعر الشعب انه نزع ثوب الذل والمهانة ويعيش في بلد ديمقراطي حقاَ .

سالم سمسم مهدي

Salim1046 @yahoo.com

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here