أقلام الأطباء!!

منذ الصبا , وأنا متأثر بكتابات الأطباء الذين أبدعوا في الأدب والثقافة , ومنهم , إنطوان تشيكوف , البير كامو , القاص السوري عبد السلام العجيلي , القاص المصري يوسف إدريس ,الشاعر إبراهيم ناجي , وغيرهم من الأطباء المبدعين.

وفي العراق , ربما لم يظهر أطباء يكتبون , إلا الدكتور فخري الدباغ رحمه الله , وبعض الزملاء الآخرين في الشعر والقصة , والكتابات عن تأريخ الطب , والتي برع فيها الدكتور محمود الحاج قاسم والدكتور كمال السامرائي.

وفي السنوات الماضية , ظهرت كتابات لبعض الأخوة الزملاء على صفحات الإنترنيت , وأكثرها ميالة للسياسة , ولا تختلف عن كتابات الآخرين من أصحاب التخصص في مواضيع سياسية , وحزبية وعن أشخاص , ووفقا لآليات وعاظ الكراسي.

وتكاد تخلو من خصوصية التعبير العلمي والموضوعي , الذي يجب أن يتحلى به الطبيب عندما يكتب , وإنما أخذت منحى لا تميزه عن الكتابات الأخرى الدارجة في الواقع الكتابي العراقي , وأكثر كُتابها من الأطباء المتقاعدين.

فالطبيب , من وجهة نظرٍ متواضعة , عليه أن يكتب بموضوعية وعقلانية ومنطقية , وأن يقدم قدرة تحليلية ذات مواصفات علمية منفتحة , تؤدي إلى إستنتاجات نافعة وصالحة لعلاج المشاكل والحالات التي يتصدى لها , ويسلط أنوار تجربته وخبرته الإنسانية عليها , لا أن يتطرف ويسوّغ ويبرر ويُسقط ويتمسك بأحكام عاطفية , ويرهن نفسه بثوابت بالية وتصورات واهية.

فالجراح مثلا , قلمه يجب أن يكون مثل المشرط الذي يستعمله , للوصول إلى الورم أو العلة التي تستوجب التداخل الجراحي اللازم لإنقاذ المريض , وتحقيق الشفاء والخلاص من آثار ما كان يعانيه.

فقلم الطبيب , آلة مداوة وشفاء ونصح وتوجيه , لا آلة تفتيق للجراح , وحقن بدن المجتمع بالأقياح والسموم , والتصورات والأفكار التي تساهم في إنتشار الأمراض وتعضيل العاهات , ونشر فيروسات الخراب والدمار والشرور.

لا لشيئ , سوى لأن القلم يتناسى رسالته , ويأخذ صاحبه ببث ما فيه من تراكمات سلبية , وتجارب غير حميدة , أسهمت في تشكيل تصوره , وحددت زوايا نظره , ودفعته لإتخاذ مواقف حُكمية مسبقة , وعليه أن يجتهد في تبريرها وتعزيزها , وتقوية تأثيرها ودورها في ما يرى ويكتب ويتصور, وفقا لمنظومته الإنفعالية , ونظرته السلبية , التي تستضيف ما يتفق معها وحسب.

إن الطبيب الذي ينسى دوره على أنه الآسي والشافي في كل ما يكتبه , ويغلق آفاق العقل والخيال والتفكير العلمي الراجح , يتحول إلى حالة مناقضة لنفسه ومهنته , وما قدمه من خدمات إنسانية جليلة لبني البشر.

ومن الواضح أن المجتمع العربي لم ينجبْ طبيبا عمل في السياسة أو كتب عنها , وحقق تأثيرا صالحا وإيجابيا في المجتمع , مثلما أنجب المجتمع الماليزي طبيبا عمل في السياسة ونظّر فيها , وأوجد ماليزيا الجديدة , وهو الطبيب محمد مهاتير , الذي يستحق لقب مؤسس ماليزيا الجديدة , وصاحب نظرية إقتصاد الإسلام المعروفة.

هذه الصورة تنهض كلما قرأت لزميل يتناول موضوعا سياسيا , وأتعجب من المكتوب , وأتساءل: لماذا لا يكون الطبيب المداويا؟!!

فهل يا ترى أن الطبيب في مجتمعنا , يمتلك الثقافة الكافية , والتجربة الوافية , التي تؤهله لكي يكتب في مواضيع سياسية , لا ناقة له فيها ولا جمل , سوى أنه إختار أن يكتب؟!!

فالواقع العليل بحاجة إلى طبيب يداويه , لا إلى طبيب يكتب بمداد دمامله النفسية وما تكنزه من أقياح , ليزيده جراحا وعللا!!

مع خالص التقدير والإعتزاز لجميع الزملاء الذين يكتبون في السياسة كالآخرين!!

د-صادق السامرائي

28\5\2013

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here