التحول الاجتماعي مسؤولية الفرد والمجتمع

سليم العكيلي

قال تعالى { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98)} (1)

ان فرص التوبة والرجوع الى الله تعالى والايمان به ، تبقى متاحة مالم يقع العذاب الاليم ، فاذا وقع العذاب فلم تنفع نفس ايمانها مالم تكن امنت من قبل ، وكما جاء في قوله تعالى وهو يشير الى عدم قبول ايمان فرعون بعد نزول العذاب حيث قال تعالى { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }. (2) ، وقد ضرب لنا الله تعالى العديد من الامثلة للقرى التي لم تؤمن بأيات الله وانبياءه ورسله ، فاخذهم العذاب الاليم واهلكهم ، فلم يغني عنهم جمعهم ولا اموالهم ولا انفسهم من الله شيئا ، بعد ان نزل بهم العذاب وحلت عليهم اللعنة بماكسبت ايديهم ، ولكن ليس كل من وعدوا بالعذاب اهلكوا ، فهنالك فرق بين وقوع العذاب وبين ظهور مقدماته ، فمقدمات العذاب هي رحمة من الله تعالى ينذر به الانسان ويحذره وينبئه بخطورة وعواقب مايرتكبه ، وقد ضرب الله تعالى لنا اروع صوره للتوبة الصادقة والتحول الاجتماعي الكبير في الرجوع الى الله تعالى وكيفية رفع العذاب النازل وتمتيع اهلها الى حين ، ذلك هم قوم يونس (عليه السلام ) ، وهو مثالا رائعا للتحولات الاجتماعية التي تصيب بعض الامم ، والتي ينبغي ان تكون قدوة للمجتمعات الضالة والمنحرفة واليائسة ، مع العلم انه لابد ان تعلم المجتمعات انه ليس من السهل ان يتحول المجتمع الغارق في الظلم والفساد والميوعة والامبالاة ثم يستيقض ويعود الى رشده ، وعلينا كمجتمع اسلامي يريد الحياة وقد غرق في بحر الظلم والظلمات والفساد والافساد ان ينتفع مما انتفع منه قوم يونس (عليه السلام ) ، ونبحث عن الاسباب الرئيسية التي ادت الى نجاح ذلك التحول ورفع العذاب ؟ ، وقبل الاستنتاج لابد لنا ان نطلع ولو بشكل سريع ومختصر عما جرى من احداث ، وكيف تعامل معها قوم يونس (عليه السلام) ، فقد جاء في كتاب قصص الانبياء { بعد ان اخبر يونس (عليه السلام) قومه ان الله اوحى اليه انه منزل العذاب عليكم في شوال وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فردوا عليه واخرجوه من قريتهم اخراجا عنيفا ، اقام العالم روبيل مع قومه في قريتهم ، ولم يخرج مع النبي يونس ، حتى اذا دخل عليهم شوال ، صرخ روبيل باعلى صوته وفي راس الجبل الى قومه : انا روبيل شفيق عليكم رحيم بكم وهذا شوال قد دخل عليكم وقد اخبركم يونس نبيكم ورسولكم ان الله اوحى اليه ان العذاب ينزل عليكم في شوال وسط الشهر يوم الاربعاء بعد طلوع الشمس ، ولن يخلف الله وعده ورسوله فانظروا ما انتم صانعون ؟ فافزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب ،فأتوا نحو روبيل وقالوا له:ماتشير علينا ياروبيل فانك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرافة علينا والرحمة لنا ، وقد بلغنا ما اشرت به على يونس فينا ، فمرنا بأمرك واشر علينا برأيك ، فقال لهم روبيل فاني ارى لكم واشير عليكم ان تنظروا اذا طلع الفجر يوم الاربعاء في وسط الشهر ان تعزلوا الاطفال عن الامهات في اسفل الجبل في طريق الاودية وتقفوا النساء في سفح الجبل ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس فاذا رايتم ريحا صفراء اقبلت من المشرق فعجوا عجيج الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء والتضرع الى الله والتوبة اليه وارفعوا رؤوسكم الى السماء وقولوا 🙁 ربنا ظلمنا انفسنا ) وكذبنا نبيك وتبنا اليك من ذنوبنا ( وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) فاقبل توبتنا وارحمنا يا ارحم الراحمين } (3) ،

ومن هنا نستنتج ونستفاد من ذلك التحول عدة امور

أولا: التوبة الصادقة والرجوع الى الله تعالى والتوكل عليه ، خصوصا عند ملاحظة ظهور بعض مقدمات العذاب المختلفة وظهور الفتن ومضلات الفتن ، وتحقق الكثير مما تنبأ به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) واهل بيته الكرام (عليه السلام ) عن احوال الناس وانحرافهم وميوعهم وفسادهم ألا النادر الاندر .

ثانيا : الرجوع الى العالم الرباني الحقيقي الذي يملك الحلول الناجعة في احلك الظروف واصعبها ، والخروج من الازمات ومختلف المشاكل الاجتماعية لما يملكة من علوم وحكمة وتدابير ، كما وان في كلام العالم الحقيقي وقعة في قلوب المؤمنين والفاسدين وان كانت بدرجات متفاوتة ،السعيد من اتبعه والشقي من خالفه .

ثالثا : عدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى ، فبالايمان والعمل والتكاتف الحقيقي ، نستطيع تحويل المجتمع الغارق باشكال الفساد والعودة به الى رشده الاولي ، وان كان منحرفا مئة وثمانون دجرجة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here