عيد الميلاد – الكرسماس عيد المسيحيين الكبير

اعلن مسيجيوا العراق, المتبقين منهم, عدم اجراء الاحتفالات المعروفه التى يقومون بها بميلاد السيد المسيح, تضامنا مع الشعب العراقى مع ضحايا شهداء الانتفاضة العراقية المجيده. ان هذا الموقف الوطنى النبيل يعود فى الذاكره الى احتفالات الاخوه المسيحيين التى تحمل خصوصيات محلية ونكهة خاصة معبرة عن فرح وبهجه كانت سارية ايام الوئام الوطنى حيث كانت الاحتفالات والمراسيم تجرى بمشاركة شرائح واسعه من العرب المسلمين وغير المسلمين والتى ترسم صورة بهيجة حول تلائم وتلاحم مختلف تكوينات الشعب العراقى الدينيه والقوميه. ان العالم المسيحى يحتفل, مع فروقات بسيطة فى تحديد تاريخ ولادة السيد المسيح, والتى تجتهد فيها المذاهب المسيحيه والكنائس. بشكل عام يحتفل بميلاد السيد المسيح كعيد السلام والمودة والتسامح, ويحتفل به الصغار والكبار وتتبادل فيه الهدايا وزيارات العوائل والاصدقاء, بالاضافه الى معايشة المراسيم الكنيسيه. فى السنه الاولى من ايام الدراسه فى المانياالغربيه فى منتصف الستينيات استلمت رسالة من مكتب الجامعه لشؤن الطلبه الاجانب, يخبرونى فيها بان الجامعه تعمل على تعريف الطلبه الاجانب ببعض جوانب حياة العائله الالمانيه بالاضافه الى كسر الوحدة والعزله للطلبه الاجانب فى ايام عيد الميلاد التى تتعطل فيها الحياة العامه. والحقيقة فأن الوحده والعزله تبدو مجسمه فى هذه الايام بالنسبه للاجانب بشكل عام, حيث تتوقف حتى وسائل النقل المحلية, وحصلت فعلا بعض حالات الانتحار من قبل بعض الطلبه الاجانب. اخبرتنى مسؤلة المكتب بأمكانية استضافتى لدى عائله المانيه التى كان رب الاسرة احد طلبة الجامعه وهو الان مسؤل كبير فى احد الشركات., وتركت لى حرية القرار. عرضت الموضوع على بعض الطلبه العراقيين والذين اكدوا على ايجابية التجربه, وذكروا ان اقدم لهم هدية بسيطه للدلاله على ” اننا نعرف الاصول”. فى يوم 24/ 25 اخذت القطار الى مدينة العائلة التى تبعد حوالى 100كم. كان الرجل وزوجته فى استقبالى وتبادلنا كلمات الترحيب. كان بيتا له حديقة صغيرة لم يظهر منها سوى الاشجار لكثرة الثلوج التى تسقط فى هذا الموسم, ولذلك يسمى بالكرسماس الابيض. وكان جميلا ومؤثث بشكل متناسق بالاثات والالوان, وكانت شجرة الميلاد

المزينه فى زواية من غرفة المعيشه وتحتها عدة علب مغلفة بعناية تمثل الهدايا المتبادلة لافراد العائله, كما وجدت هدينى بينهما مكانا, ولكن الرجل وزوجته شكرونى كثيرا واكدوا بان ذلك لم يكن ضروريا, كما كانوا فى غاية اللطف طيلة فترة الزيارة. فى جلسة العشاء ظهرت بعض علامات الاحراج والحيرة : كان للعائله ابنا وبنتا يعملان فى مدن بعيدة, واخذ العرف العائلى ان يجتمع افراد العائله بهذه المناسبه. ان الجميع متلهف على سماع اخبار الاخر ومعرفة احواله بشكل عام, وكانوا بنفس الوقت يحاولوا ان يشركونى فى احاديتهم, الا ان ذلك لم يكن ممكنا, ما عسى ان اجيد به فى اجواء عائلية خاصه, بالاضافة الى وضعى النفسى ودرجة الوعى التى كنت عليها شابا لم يبلغ العشرون عاما ومثقل باحكام مسبقه حول عمق الحضارة الاوربيه, وبشكل خاص التطور والثقافة والذوق والاخلاق… الخ وكذلك بالنسبه للالمان الذين ارتبطت ثقافتى عنهم, بما يعرف ” صنع فى المانيا” لاسيما الشعراء الكبار, غونه وشيللر, والفلسفه والموسيقى الكلاسيكيه التى تبدأ ولا تنتهى بالالمان مثل بيتهوفن وفاجنر….ألخ, هذا بالاضافة الى التصورات التى تجذرت لدينا فى العراق والعالم الثالث بشكل عام, بان هذه الشعوب مثقفه وتعرف القانون وكانهم جميعا غوته وشيللر, شكسبير, جان جاك روسو, فولتيير, كارل ماركس, برجيت باردو, صوفيا لورين….الخ. سوى ان كان هذا الشعور العام بالنقص والدونيه قد زرعوه فينا عن عمد وترصد او قد تبلور معنا مع تعاملنا بالمكونات الحضاريه وما تلقيناه فى المدارس, بالاضافة الى الوضع المزرى العام الذى نعيشة فى ظل جماعات ارهابية عنيفة استولت على مقاليد الحكم, لاسيما عدم وجود نموذج محلى ايجابى بديل, سوى الماضى التليد الذى لم يعد صالحا لاستشراق المستقبل, لم يتجاوز وعى ذاتى هذه المرحلة بعد, ولم يكن الامر بسيطا فى السيطره على هذا الشعور, ثم باى الوسائل والامكانيات, انها عملية معقدة جدا وتأحذ فترات من الزمن والجهد, عمليات تتبلور فيها الثقه والمعرفه والذات؟؟. بشكل عام قد ادركت سريعا بان فكرة الضيافة لم تكن موفقه ووقع الضيف والمضيف فى حرج تجاة عملية التبادل والتواصل بما يتناسب مع االمناسبه. لقد قررت ان لا اضع نفسى ثانية فى مثل هذا الموقف, ان الفكرة لم تكن لكلانا موفقه والنوايا الطيبه ليس دائما معيارا للحكم على الامور. بعد سنتين انتقلت الى جامعه ثانية. استلمت رساله من مكتب رعاية الطلبة الاجانب فى الجامعه, وتشاء الصدف ان يكون مضمون الرساله بمناسبة عيد الميلاد. بعد الترحيب وتبادل الاصوليات طرحت لى المسؤلة فكرة الاستضافه لدى عائلة المانيه. لقد استغربت كثيرا من عدم استجابتى للفكره وبانت

عليها بعضا من الحيرة, فى اطار كيف سوف اقضى ايام الوحدانية والعزلة؟, وسئلتنى عن السبب وشرحت لها خصوصية هذا الاحتفال العائلى الكريم والذى سيكون وضعى فيه محرجا, ك ” الرجل لخامسة فى الكرسى”, لقد تقبلت الموضوع وسئلتنى ما عسى ان اعمل, وقلت لها بانى اتفقت مع بعض الطلبة العرب ومن امريكا اللاتينية ان نجتمع فى احد بيوت الطلبه الفارغة فى هذه المناسبة ونحتفل مع البعض بمحتلف الاشكال. كان جوابها ايجابيا, قالت جيد, جهز ما تحتاجون اليه وقدم لى الوصولات لاحقا وسوف تقوم الجامعه بالتسديد! لقد تنفست الصعداء, فى اليوم التالى وضعت اعلانات على مطعم الجامعه وبعض بيوت الطلبه بان عدد من الطلبة الاجانب سوف يحتفلون بمناسبة عيد الميلاد المجيد على طريقتهم الخاصة وسوف تتوفر مؤكولات وفواكه ومشروبات والدعوه عامه للجميع!!. بدأ بعض الطلبىه بحضيروا مأكولاتهم الوطنيه, وقام الاخرون بتنظيم الجلسه والمقاعد وتحضير الصحون وادوات الطعام, والاخرون بتركيب اجهزة الموسيقى , لقد بدى المنظر جميلا ومنظما, وبدأ الطلبة فى التوافد تدريجيا وبلغ العدد حوالى 30 طالبا ونصبت المائدة والتى تنوعت فيها المؤكولات, عربية وايرانية, من المكسيك وكوبا, كما حضر عدد من الطلبة الالمان الذين لم الذين لم يسافروا الى اهاليهم من المانيا الشرقيه. استمرت الجلسه, السهرة الى حوالى الساعة الثانيه ليلا واخذ المشاركين بالتوجه الى بيوتهم, واعلنا بان الاحتفال سوف يستمر غدا ايضا, وسوف يتم تجهيز طعام الظهيرة فى الساعة الثالثه عصرا. فى المساء تضاعف عدد الطلبة الالمان الذين وصل اليهم الخبر القريبين من المدينه. كانت مناسبة رائعه فى توفير فضاء صحى ومتعاطف لعملية التبادل والتواصل الاجتماعى بين الطلبة الاجانب والطلبة الالمان وكان الطلبة بشكل عام سعداء جدا بهذة الاحتفالية التى جاءت عن مبادرات ذاتيه, وكتبت عنها جريدة طلبة الجامعه بالاضافة الى الجريده المحلية والتى نشرت ايضا صوراعنها. ان هذه الاحتفالية استمرت الى سنه 1976 حيث انهيت دراستى وتوجهت الى العراق العظيم وباشرت العمل فى قسم الاجتماع كلية الاداب جامعة بغداد. بعد خمسة وعشرون سنه قمت بزيارة الجامعه التى توسعت كثيرا وبلغ عدد طلابها حوالى 40 الف طالب. ان التغيرات لم تقف عند الابنيه وعدد الطلبة وانما ايضا بالسلوك والفكر, احزاب الدوله خاصة المسيحية منهافرضت فكلرها وتصوراتها, بعدما كانت حركة الطلبه والافكار الى طرحتها تحمل الكثير من الحريات والوعى والمساواة والتسامح. سئلت عن احتفالية الطلبة الاجانب

فى عيد الميلاد لدى بعض المتبقى من الزملاء القدماء ولكن لم لم القى جوابا.

د. حامد السهيل, 18. 12. 2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here