محكمة التمييز الاتحادية تشرعن الفساد !!

بقلم مهدي قاسم

نقضت محكمة التمييز الاتحادية قرار حكم محكمة البداءة ــ الكرخ الصادر بحق المتهمة ” الدعوجية القيادية و رئيسة مؤسسة الشهداء لارتكابها جريمة قبول الرشاوى من شركات عديدة أثناء عرضها مناقصات تخص
المؤسسة ، وقد بررت محكمة التمييز الاتحادية قرار نقضها للحكم بوجود مخالفات قانونية في سياق الإجراءات القضائية أثناء عقد جلسات المحاكمة من ضمنها إهمال المحكمة النظر الكامل و الدقيق الشامل في الأدلة الجنائية ، سيما عدم عرض الشريط الصوتي للمتهمة على الخبير المختص
, التي اعترضت عليه بحجة أنه مقطّع بشكل مقصود ــ فضلا عن عدم إقدام محكمة البداءة على استجواب شهود من الشركة الثانية المعنية بأمر الفساد التي قدمت هي الأخرى رشوة لرئيسة المؤسسة الآنفة الذكر، و هنا لابد من الاعتراف بأن مأخذ محكمة التمييز الاتحادية محقة وقانونية
تماما من ناحية الأخطاء والمخالفات القانونية التي جرت أثناء عقد الإجراءات التحقيقية لمحكمة البداءة ، و أنا لستُ في صدد الاعتراض على هذا الجانب لاستناده على ذرائع قانونية مقنعة ، إنما ما لفت نظري هو الاعتراض الثاني لمحكمة التمييز الاتحادية على قرار الحكم المتضمن
للإشارة إلى مسألة تصنيف الرشاوى فعلا جنائيا لكونه يعد مخلا ببعض مواد قانون العقوبات الجزائية ، بحسب محكمة البداءة ــ وهو تصنيف قانوني صحيح وفقا لمواد قانون العقوبات الجزائية التي تجرم موظفا يقبض رشاوى من موقع مسؤولية ، و قد بررت محكمة التمييز الاتحادية نقضه
هذا على أساس أن نظام مؤسسة الشهداء يقّر بقبول ” هبات و هدايا ” حتى ولو على شكل رشاوى !! ، وبالتالي فأن قبول رئيسة المؤسسة الرشاوى ، وفقا لأنظمة المؤسسة لا يُعد فعلا جنائيا يعاقب عليه القانون ؟!! ، و قد ادهشني هذا الاعتراض ، ليس فقط لكونه يتعارض تماما مع بنود
و مواد القوانين الأساسية المشرعة و المتضمنة في مواد قانون العقوبات الجزائية التي تجرم عملية قبول الرشاوى ، إنما هذا التعليل يؤسس للفساد و يشرعّنه فاتحا المجال أمام جهات و أطراف سياسية و اجتماعية و غير ذلك ، لممارسة ضروب الفساد من خلال إقامة وتأسيس مؤسسات معينة
تقوم عملية تأسيسها على أنظمة وقواعد تحتوي على مادة قانونية تبيح أو تجيز لها ــ شرعا ــ قبول الرشاوى على شكل هبات وعطايا ، وبالتالي فلا يمكن مساءلة القائمين عليها أو معاقبتهم ـــ قضائيا ـــ في حالة إقدامهم على طلب أو قبول الرشاوى في مؤسساتهم أثناء عرض مناقصات
حول مشروع ما ، أو لأي دافع آخر ، و ذلك استنادا على المادة القانونية الأنفة الذكر ، فهذا هو أخطر تعليل قانوني أقدمت عليها محكمة التمييز الاتحادية في حيثيات نقضها تلك لتبرير مظاهر الفساد في البلاد و إعطاء فرصة للفاسدين الإفلات من قبضة العدالة ، و لكن الأغرب
و الأعجب من كل ذلك هو تجاهل محكمة التمييز الاتحادية حقيقة إنه لا يمكن تشريع أنظمة أو قواعد قانونية هامشية أو جانبية لمؤسسة ما قد تتعارض أو تتناقض مع بنود ومواد قانون العقوبات الجزائية العراقية الأساسية و سارية المفعول منذ تشريعها الرسمي و حتى الآن ، ومن ضمنها
بنود ومواد القانون الجزائية الخاصة بمسألة قبول الرشاوى من قبل أي مسؤول أو موظف ، من حيث اعتباره فعلا جنائيا يعاقب عليه القانون في كل الأحوال ..

فهذه الحقيقة يجب أن يعرفها ليس القضاة و العاملون في جهاز الادعاء العام فقط ، و إنما حتى المحامين والحقوقيين أيضا ، حيث ينبغي عليهم أخذها بنظر الاعتبار أثناء إقامة أو تأسيس مؤسسة أو جمعية ما
سواء كانت رسمية أو خيرية ، بحيث لا يجوز وضع قواعد قانونية تعسفية و مفتعلة بديلة و متعاكسة تبيح أخذ الرشاوى وفي الوقت نفسه تتعارض مع أية مادة من مواد قانون العقوبات الجزائية ..

إذ و مثلما أسلفنا في سطور ــ أعلاه ــ أنه بإمكان أي حزب أو تنظيم أو شخصية معنوية أن تؤسس جمعية أو مؤسسة تقوم على نفس المواصفات القانونية لمؤسسة الشهداء لتقبض الرشاوى على أساس أنها هدايا أو
تبرعات أم هبات و بشكل قانوني مباح و مشروع ؟!! ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here