ضرورة 2300 الدين والدولة، * ح 10 الأخيرة

د. رضا العطار

ان قضية فصل الدين عن الدولة او وصل الدين بالدولة، ليست قضية عقائدية بقدر ما هي اخلاقية بل هي قضية ثقافية – – والسؤال المطروح الان هل ان الدول العربية الحديثة بحاجة الى الدين ام ان الدين بحاجة الى الدولة ؟ – – وهل لو تخلت الدولة العربية عن الدين كلية، ستضعف، ام ان الدين سيضعف اذا ما تخلت الدولة عنه ؟ – – وهل الدين اساس للدولة، ام ان الدين كان مجرد اداة للدولة ؟ – – وهل ان العلاقة بين الدين والدولة علاقة دينية ام هي علاقة سياسية ؟

من المعلوم انه لا توجد دولة في التاريخ السحيق في القدم، الا وكانت بعض العناصر الدينية قاعدة اساسية لها. ذلك ان الدين كان مصدرا من مصادر التشريع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي – وكان لا بد من الاخذ منه كمصدر من مصادر المعرفة بغض النظر عن هذه القداسة التي تحيط به وبغض النظر عن الاوامر الالهية التي توجب الاخذ بها، كلها او بعضها – ذلك ان عدد المشرعين قديما لم يكن كافيا لاستنباط الاحكام – – وما ظاهرة عدم الاستعانة بالاحكام الشرعية والاعتماد على الاحكام التي استنبطتها الشعوب الاخرى، وهذا كله لا ينفي غريزة الدين في الانسان وغريزة العبادة فيه منذ ان كان يعبد النار الى ان عبد الاله الواحد.

وقد قال بعض المفكرين الاوربيين في القرن السابع عشر بحاجة الدولة الى الدين ومن هؤلاء جان جاك روسو الذي برر حاجة الدولة الى الدين بسبب المنفعة العامة التي تقتضي ان يقوم المواطنون بواجباتهم تجاه الدولة وتجاه بعضهم بعضا، اي في سبيل الصالح العام في لغة اليوم وهذا يعني ان تتحاشى الدولة بعض احكام الدين ونصوصه اذا كانت هذه النصوص – مع تغيير الزمان والمكان – لا تؤدي الى النفع العام كما عبر عنها روسو.

ومن الملاحظ ان العامل الاساسي الذي يعدو الان الى وصل الدين بالدولة – وهو العامل المؤثر في الشارع العربي – هو الجماعات الاسلامية المتطرفة في مختلف العالم العربي – وقد اعتادت الدولة العربية الحديثة على مواجهة هذه الجماعات مواجهات بدائية قاسية لا مكان للعقل فيها كانت النتيجة: السجن او النفي او القتل – – ما هي الا تقليم زراعي لهذه الجماعات، كالتقليم الذي يتم للشجر لكي ينطلق من جديد، شديد العود عالي الطود.

في حين ان الحكومة العربية الحديثة كان عليها ان تبحث عن اصول وجذور ومنابع هذه الجماعات والتي هي اصول خطرة بالمعنى الاجتماعي، لا بالمعنى الاخلاقي. وكان عليها ان تذهب الى مناطق نشوء وتفريخ افراد هذه الجماعات وهي (في حالة مصر مثلا) مناطق الاحياء الشعبية الفقيرة المنسية المهملة ومناطق الصعيد المتخلف – وتعمل على اصلاح الخلل الاجتماعي والتربوي والمعيشي هناك وتجد عملا للشباب يلهيهم ويصرفهم عن حمل السلاح والانخراط في الجماعات المتطرفة يمارسون الارهاب يملؤون شوارعنا عنفا ودما.

لم يضع الفكر العربي المعاصر تصورا واضحا لمستقبل العلاقة بين الدين والدولة في المجتمع العربي – وبقت هذه العلاقة غامضة لان التيار الاسلامي لم يحسم امره. في هذا الموضوع وذلك ان كلا الطرفين كانا يتجاذبان الاطراف دون الوصول الى نتيجة حاسمة لصالح الدولة الدينية او لصالح الدولة العلمانية ولعل مرد ذلك يعود الى اسباب كثيرة اهمها :

1 – تبني الدولة العربية الحديثة بعد الاستقلال بعض آليات الدولة العلمانية في الادارة والقضاء والتربية والتعليم مما لم يساعد على قيام دولة دينية.
2 – وقف العمل بالحدود والعقوبات الشرعية واستبدالها بقوانين مدنية مستمدة من الدساتير الغربية.
3 – عدم مقدرة الفكر الاسلامي السلفي على تثبيت مقولة (وصل الدين بالدولة) وتنفيذ هذه المقولة على ارض الواقع.
4 – ظهور مفكرين اسلاميين ليبراليين نادوا بضرورة فصل الدين عن الدولة.
5 – ظهور الاحزاب الاسلامية السياسية، لكنها جاهلة بالفكر الديني.
6 – استخدام بعض الحكام العرب (السادات والنميري والبشير) للدين كسلاح سياسي ضد خصومهم.
7 – التركيز على التنديد بالعلمانية من قبل التيار الاسلامي واتهامها بالكفر والالحاد مما نفر الشارع العربي منها.
8 – عدم وجود تيار علماني في الفكر العربي المعاصر عميق الفكر وشجاع المطلب.
9 – مطالبة التيار العربي العلماني بالفصل الكلي بين الدين والدولة.
10 – ارتباط العلمانية العربية بالغرب باعتباره اصلها ومنبعها.
11 – عدم محاولة العلمانية العربية تقليد كمال اتاتورك في تركيا عام 1923 في تنديده بالدين وايقافه للحج وتحويل بعض المساجد الى متاحف والغاء الحجاب والمحاكم الشرعية.
12 – واخيرا عدم وجود ارضية حضارية وتربة ثقافية في الوطن العربي جاهزة للغرس العلماني كما كان عليه الحال في اوربا في القرن التاسع عشر.

إ مقتبس من كتاب الفكر العربي في القرن العشرين لمؤلفه د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here