العربة قبل الحصان ، أم الحصان قبل العربة ؟!

صباح علي الشاهر

بعد مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ، وما لا يعرف عدده من الموقوفين ، مالذي تغيير ؟

بإستثناء كون الإنتفاضة عرّت السلطة العارية أصلاً ، وكشفت هزال العملية السياسية الهزيلة منذ البدء ، وسحب الشرعية من النظام برمته ، وجعل قادته مثار تندر المتندرين ، فإنه لم يحدث شيء يجعل أركان النظام تهتز ، فما زال الدستور كما هو ومازالت القوانيين القرقاوشية الجائرة كما هي ، ومازالت الكتل السياسية تتحدث عن التوافق والمكونات ، ومازال السفراء الأجانب يتحكمون عبر ما يسمونه بالإستشارات بمقدرات البلد .

لم يقدم أي من الحيتان الكبيرة إلى المحاكم ، ولم يحاسب قتلة المتظاهرين ، ولم يستعيد البلد فلساً من مليارات الأموال المنهوبة ، ولم يوضع حداً للفساد المستشري ، ولا شرّعت قوانين عادلة ومنصفة لخدمة الفئات المسحوقة ، ولا قللت رواتب المسؤولين ، ولا أوقف الهدر، ولا وضعت خطة إنقاذ من أي نوع ، ولا وضع ولو شخص مناسب في مكان مناسب ، مازال الناهب ينهب ، والفاسد يفسد ، ومازالت القواعد الأجنبية في إتساع وتمدد ، ومازالت السيادة منتهبة ، وأجواؤنا ليست في أيدينا ، ومازلنا بلا خدمات ، والبرلمانيون في إجازة ، فإن حصل النصاب فمن أجل إقرار قضية هامشية ، أو تمرير قانون لا علاقة له بمطالب المتظاهرين ، تقزمت المطالب المشروعة للمنتفضين إلى مجرد إختار قانون انتخابات على أساس العراق دائرة إنتخابية واحدة ، أم دوائر متعددة ، وفي الحالتين إكان الإنتخاب فردي وعلى أساس دائرة واحدة أم دوائر متعددة إلا إنه سيصب في النهاية في مصلحة حيتان السياسة ، طالما لم يحدد الأمر الأساس ، ألا وهو منع القوائم على أساس طائفي أو عنصري ، أو عشائري ، كان المطلوب قانون انتخابات جذري ، يسبقة قانون أحزاب حقيقي ، وتشكيل وإيكال الإشراف على الانتخابات لقضاء نزيه يتم إختيار عناصره بعيداً عن الكتل والإحزاب ، ومما زاد الأمور تعقيداً منع الطلبة قسراً من الذهاب إلى المدارس ، وتعطيل الدوام ، وقطع الطرقات ، وكل ما سبق يستوجب التفكير مجددا بتنشيط المطالب والتركيز على الأهم ، الذي حالما ينجز ، يتم الإنتقال إلى الأقل أهمية . الناس تريد العنب لا الناطور .

نعم ، تم إسقاط رئيس الوزراء بفعل الشارع ، لكنه يقول: أقدم إستقالتي إستجابة لرأي المرجعية ، هذه الإستقالة التي فتحت بازار رئاسة الوزراء المدهش بكل ما يجعل المرء يواصل الضحك بلا توقف لأخذ الإنفاس .

(سين) يرشح نفسه ، و(صاد) من خارج البرلمان يقدم مؤهلاته ، والساحات تدعو الرئيس لإختيار واحد ممن ترشحهم هي ، والكل يتناسى أن النظام مازال يعمل بآليته السابقة ، فالنظام برلماني ، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء غير منتخبين من قبل الشعب ، وإنما يتم إختارهم داخل البرلمان ، أقول إختيارهم وليس إنتخابهم ، فكل شيء في العراق يجري بالإختيار والتوافق، أما الإنتخاب فهو يافطة مرفوعة لدرء الشبهه .

والغريب أن يطلب البعض في حمى الحماس من رئيس الجمهورية أن يثبت إستجابته لما يطلبه المنتفضون فيعين رئيسا للوزراء من خارج الطغمة الحاكمة منذ الاحتلال، وبمواصفات لا تستقريء الواقع الحالي ، ولعل تطبيقها بحذافيرها يؤدي إلى أن يكون رئيس الوزراء أحد قادة نظام البعث ، فهو وحده الذي تنطبق عليه المواصفات التي يريدونها حالياً .

أليس رئيس الجمهورية حاميا للدستور كما يقولون ، والدستور هو الذي جاء به ، وليس الدستور الإفتراضي الذي في ذهن البعض ، وإنما هذا الدستور الذي ينص على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكثر عددا ، ليس هذا فقط ، بل أن هذا المرشح سيخضع للتجاذبات وإختلاف المصالح ، فهو ملزم بأن لا يكون صاحب برنامج ، بل أن برنامجه يتم من خلال التوافق ، وبـ “بروسيس” ( عملية متواصلة ) مشابه تماماً لبروسيس العملية السياسية، التي جعلت البلد كله حقل تجارب ، هذا التوافق الذي سيضمن لا مصالح الكيانات ، وإنما مصالح ممثلي هذه الكيانات ، وهي مصالح أريد لها أن تكون متصارعة ، ومتباعدة ، كما لو أنها مصالح دول معادية بعضها لبعض ، وإلا فإن رئيس الوزراء هذا لن يتجاوز عتبة النصف زائد واحد .

ولو فرضنا أن رئيس الجمهورية قد تجاوز الدستور ، وكلف شخصاً وفق سياقات مخالفه للدستور ، فماذا سيكون موقف المحكمة الإتحادية العليا ، ومجلس القضاء الأعلى ؟

النظام سلسلة حلقات يشد بعضها بعضاً ، هي كالبنيان المرصوص ، وكل حلقات النظام مازالت سليمة وتعمل .

الإنتفضة لم تتحول إلى ثورة ، لأسباب موضوعية ، داخلية وخارجية ، وعندما نقول ثورة ، فنحن لا نعني العنف ، وإنما نقصد التغيير ، و التغيير لم يحدث ، بمعنى أن النظام ظل كما هو لم يتغير فيه شيء ، سوى سخام وجوه قادته ، وهي وجوه مسخمة أصلاً ، ومنذ إختارت الخيانة والعمالة ، نهجاً وسلوكاً .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here