يوميات الثورة في شعر يحيى السماوي

القصيدة التي تمجد بطولات شعب ومآثره الوطنية , هي جديرة بالثناء والتقدير , وجزء من الواجب الوطني , ان يوظف الشاعر في دعم شعبه ووطنه نحو الرقي والتحرر . والخلاص من افاعي الظلم والطغيان . فأن الكلمة الثورية تزخ دماء جديدة في شرايين التحدي والثبات على المواقف الوطنية , التي تعتبر مسألة اساسية في حياة الشعوب نحو الحرية , بعزيمة المواصلة في طريق الثورة بالتضحيات الجسيمة . حتى تحقيق الانتصار على عش الفساد والظلم والحرمان . وكشف وتعرية السلطة التي تسبح في المياه العكرة والعفنة . والشباب العراقي اليوم يصنعون تاريخاً جديداً للعراق , في أبجدية وطنية ناصعة ونقية , يكتبون تاريخ الشعب بحروفهم الكفاحية . بذلك يحق لهم ان يكونوا بحق مفخرة الشعب المناضل والمكافح . وهم يحققون حلم كل عراقي شريف واصيل ينتمي الى الوطن . في وطن يعيش ابنائه في عزة وكرامة واستقرار , دون بؤس وشقاء وحرمان ومعاناة . من هذا المنطلق تفجرت الثورة بعد المخاض العسير من الشدة والضيق والعسر , وتراكمت الازمات والمشاكل . وتأتي الثورة كحدث تأريخي عراقي , يدخل من الابواب العريضة , لتغير مجرى الحياة السياسية والحياتية , بالنهر الوطني المتدفق بالملايين الحشود نحو الساحات وميادين النضال , التي هدرت بحناجرها المدوية في كل زاوية من العراق , بالانفجار الكبير بالثورة الشعبية , على الفساد والظلم والاستغلال , على اباحة وطن لكل من هب ودب . هذه الثورة التي جاءت نتيجة , مثل ما يقول الكاتب ( فيكتور هيجو ) عن انفجار الثورة ( حين يعيق مجرى الدم في الشريان تكون السكتة ,وحين يعيق مجرى الماء في النهر يكون الفيضان , ومن يعيق مستقبل شعب تكون الثورة ) فكانت الثورة الحدث الاكبر والابرز في العراق . لا تقل اهمية عن الثورات والاحداث العالمية , التي غيرت مجرى التاريخ في احداثها العاصفة , في سبيل الحرية والكرامة والخبز . وتمزيق انظمة الظلم والطغيان والاستغلال , في سبيل تحقيق الغد الجميل دون معاناة وقهر واستلاب . هكذا تفجرت هذه الثورات والاحداث العالمية , في نهوض شعبي عارم وكاسح . وهكذا كان موقف الشرفاء للوطن , بتجنيد طاقتهم الابداعية سرداً وشعراً . في التوثيق التاريخي لهذه الاحداث العاصفة , في تسجيل وتدوين احداثها اليومية , بالمتابعة والرصد بعدسة التدوين . مثل ماحدث في الثورة الفرنسية , التي غيرت وجه فرنسا . فكان الكتاب الكبار دورهم المهم والبارز , في تجسيد احداث الثورة في اعمالهم الرواية والشعرية . مثل روايات الكاتب ( فيكتور هيجو ) في الكثير من اعماله الروائية ومنها روايات ( البؤساء . أحدب نوتردام . عمال البحر ) . وكذلك في روايات الكاتب ( بلزاك ) في الكثير من رواياته ومنها ( يوجيني غراندي . الاب غوريو . خوري القرية ) وكذلك روايات ( الكسندر دوماس ) ومن رواياته رواية ( الثورة الحمراء في سجن باستيل ) وكذلك في روايات ( اميلا زولا ) والروائي ( ستاندال) صاحب الرواية الشهيرة ( الاحمر والاسود ) وكتاب اخرين وثقوا احداث الثورة الفرنسية من عام 1773 الى عام 1793 . وكذلك رائعة ( جون ريد ) في تسجيل ايام قيام الثور الروسية , في رائعته الشهيرة ( عشرة ايام هزت العالم ) . وكذلك الشعراء الكبار الذين وقفوا مع شعوبهم المكافحة , ومنهم الشاعر ( بابلو نيرودا ) والشاعر ( ناظم حكمت ) والشاعر ( يانس ريتسوس ) و( الجواهري ) وغيرهم , هذا الدافع الوطني والانساني , في المواقف الصلبة تجاه قضية الوطن والشعب , ونذكر قول الثائر ( جيفارا ) بصدد المواقف الكتاب ( أن الحياة كلمة وموقف , الجبناء لا يكتبون التاريخ , التاريخ يكتبه من عشق الوطن وأحب الفقراء ) . وثورة المارد العراقي الجبار . ثورة تشرين , لا تختلف عن المعايير الثورات والاحداث العالمية . فهي قلبت المعادلة السياسية المتراكمة في الركود منذ 16 عاماً , ولم تنتج سوى تدوير النفايات السياسية والجرثيم في السلطة والحكم . اسقطت المفاهيم الظلامية ومنها الطائفية . وحدت مكونات العراقية على هوية عراقية واحدة . اسقطت الرعب والخوف , الذي كانت تفرضه المليشيات الاجرامية والبلطجية . تميزت بالصمود الخارق بالتحدي , رغم التضحيات الباهظة التي دفعتها في سبيل ذلك . وهم الآن يقتربون من تحقيق حلم الشرفاء وعشاق الوطن . في النهوض الكبير والكاسح بالملايين , في فرض ابجدية الشعب في الواقع السياسي , وكسر جبروت الطغاة والظالمين . حققوا مفخرة عراقية اصيلة , يسجلها التأريخ بفخر واعتزاز , في تحقيق معادلة للانسان العراقي , اما ان يكون حراً , أو لا يكون . هذه الصلابة الفولاذية , التي اجبرت على الخلع رئيس الوزراء من منصبه هو وطاقمه الحكومي , المشترك في جرائم القتل والعنف الدموي . وهي التي اسقطت ترشيحات الاحزاب الحاكمة , من الشخصيات التي تنتمي اسطبلهم الحزبي الفاسد في عفونته . لذلك احدثت الثورة الصدع الكبير لهم , وصارت الحدث الابرز في الحياة والواقع السياسي ودخلت كل بيت . ولهذا لابد للكتاب والشعراء ان يكون لهم موقف صريح في المساهمة , لا يمكن قبول الوقوف على الحياد . او مسك العصا من الوسط . الوطني الشريف في قلمه الحرهذا يومه الموعود ان يفجر طاقاته الابداعية , ان يقف بكل جوانحه قلباً وقالباً مع الثورة والثوار في طموحهم وتطلعاتهم , هي تطلعات الشعب والوطن , وان يرتقي الى مستوى احداث الثورة , ويسجل ويدون احداثها اليومية , لتكون وثائق تأريخية . والشاعر السماوي الكبير . في روحه ودمه وعروقه الوطنية في عشق الوطن والدفاع عنه , عبر انجازه الشعري العملاق في اعوامه الطويلة , برز كصوت للشعب والوطن . جسدها بشموخ وابداع خلاق متطور ومتجدد . في خدمة الوطن والثورة ورصد احداثها اليومية , و كشف عتبات الصراع العنيف والمرير بين جبهة الشعب , وجبهة السلطة والاحزابها الطائفية , الذين يريدون من الشعب , ان يكون كبش فداء لاغراضهم الخبيثة واللاوطنية في تدمير الوطن . فالشاعر السماوي يخلق في عدسته الشعرية , براعة متناهية في التصوير والوصف الحدث , او الاحداث الجارية , من عمق الحدث والصراع الدائر . من عمق الاحداث الملتهبة في درامية الفعل ودراماتيكية الاحداث العاصفة في يوميات الثورة . يعني لكل مقطع شعري له خلفية من عمق الحدث , من عمق المجابهة بين المتظاهرين واركان السلطة , التي تمثلت في القناص الملثم الغادر ليمارس هوية القتل بجنون وشهية . من العدسة التصويرية للدخان المسموم , الذي يغطي سحاب ساحات التظاهر, ولكن لا يمكن للقناص الملثم ان ينتصر على ارادة الشعب . لا يمكن للبلطجي المرتزق ان يسكت قلب الثورة النابضة في سكينه التي يغرزها في قلب المتظاهر السلمي . ولا يمكن للظلام ان ينتصر على النور . ولا يمكن للطبقة الحاكمة الفاسدة ان تقهر ارادة الشعب في مواصلة جلوسها على عرش السلطة . بهذا الشكل ترصد القصائد الشعرية , في متابعة يوميات ومفردات الثورة . في التعبير عن عمق الحدث شعرياً. لنأخذ بعض المقاطع الشعرية من يوميات ثورة تشرين .
لم تعد هذه النفايات الحاكمة تخلد الى النوم الوديع بأمانة ورخاء , فقد اصبحت بضاعة فاسدة وكاسدة . ولم يعد ديك قصر السلطان يدغدغ حلام السلطان وحاشيته , فقد تبدل الموقف بديك الثورة ليزعج السلطان في كل صباح , بأن عهدهم انتهى وولى , واصبحوا زائدين عن الحاجة كالزائدة الدودية , فقد انتهت صلاحيتهم , وجاءت صلاحية الشعب , الذي يلوح بفجر جديد
نعرف أنّ ضميرك منتهي الصلاحية ..

فلماذا قواتك تطلق على رعيّتك قنابل منتهية الصلاحية ؟

الرعية تطالبك بقنابل طازجة

*

سـواءٌ أصـاحَ دِيـكُ الـقـصـرِ أمْ لـم يَـصِـحْ

فـالـفـجـرُ ســيـبـزغُ حـتـمـاً!

*

أنـتَ وحـاشِــيـتـكَ

أصـبـحـتـم زائـديـن عـن الـحـاجـةِ كـالـزائـدة الـدوديـة ..
من مهازل النظام والسلطة الطائفية القرقوشية , في اعلامها اذا اصبح محل سخرية وهزل من جنجوليات اعلامه الرسمي . من الصحاف الجديد , الذي يذكرنا بالماضي البغيض , بأن تعود علينا مفردة ( العلوج ) ليس على الامريكان , وانما على المتظاهرين العراقيين السلميين , يطلب منهم نزع الكمامات , حتى يخنقوا بسهولة من الغازات السامة وتفرغ الساحات منهم , ولكنه لم يطلب نزع لثام القناص الملثم القاتل , الذي يصيد المتظاهرين كصيد الطيور . بهذه الصلافة الانتقامية الحاقدة في قتل المتظاهرين . ان المتظاهرين سينزعون الكمامات بعد رحيل الجراثيم والحثالات من السلطة وتسليمها الى الشعب

قـبـل أن تـطـلـب مـن الـمـتـظـاهـريـن خـلـعَ الـكـمّـامـات:

أُطـلـبْ مـن مـيـلـيـشـيـاتـك ومـرتـزقـتِـك أن يـخـلـعـوا لِــثـامـهــم أولاً ..

الـمـتـظـاهـرون مـسـتـعـدون لـمـغـادرة سـاحـة الـتـحـريـر ..

ولـكـنْ:

بـعـد أن تـغـادر أنـتَ وحـاشــيـتـك قـصـرَ الـخـلافـة!

هكذا يعود زمان الزور والتزوير في الاجرام , تحت جبة الدين كمجاهدين . في الماضي قتلوا الامام الحسين بأسم المحافظة على الخليفة والسلطان والدين والدولة الاموية , ويعودون مجاهدون الزور باسم الدين والمذهب هذه المرة , في القتل والاجرام واستباحة حياة الانسان بسهولة وايضاً بأسم الدين والمذهب . ولكن لا يمكن العودة الى الوراء , ان يظل سيف ( يزيد ) ان يمارس القتل والاجرام في عراق اليوم , انتهى دورهم وكشف عن عوراتهم وعليهم الرحيل , لانهم اصبحوا نفايات عفنة , ان تغادر قصر الخلافة .

قـبـل أن تـطـلـب مـن الـمـتـظـاهـريـن خـلـعَ الـكـمّـامـات:

أُطـلـبْ مـن مـيـلـيـشـيـاتـك ومـرتـزقـتِـك أن يـخـلـعـوا لِــثـامـهــم أولاً ..

الـمـتـظـاهـرون مـسـتـعـدون لـمـغـادرة سـاحـة الـتـحـريـر ..

ولـكـنْ:

بـعـد أن تـغـادر أنـتَ وحـاشــيـتـك قـصـرَ الـخـلافـة!

ليس من الشجاعة والحكمة , الوقوف على الحياد , ومسك العصا من الوسط , بذريعة الحياد والوطن يدمر والشباب في عمر الربيع يذبح ويقتل , يعني الحياد مساواة , بين القاتل والمقتول , وبين الجلاد والضحية , وبين الفاسد والشرف , وبين النذل والشجاع . هذه ليس من اخلاق العراقي الاصيل , الحر والشريف . ان يكون شاهداً زوراً , بين الذئب والغزال . ان الحياد يعني تواطئ مع المجرم والفاسد .

لـسـتُ مـع الـحِـيـادْ

*

حـيـن تـكـونُ الـحـربُ بـيـن الـنـورِ والـظـلامِ ..

بـيـن الـذئـبِ والـغـزالِ ..

أو بـيـن الـمـنـاضـلـيـن والـجـلاّدْ

*

لـسـتُ مـع الـحـيـادْ
فاجعة الناصرية ( ذي قار ) هذه المذبحة المروعة , التي ارتكبت غدراً وحقداً وظلماً. هي نتاج العهر السياسي الفاسد , ان يتطاولون على الشباب وهم نيام في ساعات الفجر الاولى , ليرتكبوا سبايكر جديدة , لمجزرة لشباب في عمر الزهور والربيع , خرجوا مطالبين بوطن , ولكن ( هولاكو ) الجلاد كان بالمرصاد لهم في انتقامه الوحشي , ستبقى هذه المذبحة الدموية , وصمة عار في جبين الاحزاب الشيعية . ولكن اين سيذهبون من الحساب العسير ؟ , ولا يمكن ان تذهب دماء الشهداء الابرار هدراً وغدراً

أيـهـا الآتـونَ مـن مـسـتـنـقـعِ الـعُـهــرِ الـسـيـاسـيِّ

وكـهـفِ الـهـمـجــيَّــةْ:

*

قـبـلـكـم أســرفَ فـي الـقـتـلِ وفـي الـتـدمـيـرِ ” هـولاكـو ”

لِـيُـعْـلـي فـي الـفـراتـيـنِ عـروشَ الـوثـنـيَّـةْ

*

فـاشـربـوا نـخـبَ انـتـصـارِ الـنـذلِ فـي الـحـربِ ..

ولـكـنْ:

سَــتـُزالـونَ وتـبـقـى ” الـنـاصـريـَّـةْ ” ..

ان المجابهة اليومية في الصدام الثوار في ساحة التحرير والساحات الاخرى , في اقتناص المتظاهرين السلميين , الذين لا يحملو شيئاً , سوى العلم العراقي وحب الوطن . يحاولون بالتهديد والوعيد في انذارهم في افراغ المطعم التركي ( جبل أحد ) وإلا ستكون جولة عليهم النوائب بمجزرة دموية , ضد المتظاهرين المتواجدين في قلعة الثورة ( جبل احد ) ولكن صمود المتظاهرين بالتحدي الفولاذي يفشل مخططات المجزرة , وان المنازلة لو حدثت ستنقلب على القتلة والمجرمين . لان ( جبل أحد ) يمتلك سوراً قوياً من الشعب المتفض في جداره الحديدي .

سَــدِّدِ الـطـلـقـةَ نـحـوَ الـثـائِـرِ الأعـزلِ ..

نـفِّـذْ أمـرَ مـولاكَ بِـدَكِّ “الـمـطـعـمِ الـتـركـيِّ ” ..

واسـتـأصِـلْ غـيارى سـاحـةِ الـتـحـريـرِ ..

والأبـرارَ عـنـدَ الـجـســرِ أو ” بـابِ الـمُعـظَّـمْ ” ..
جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here