طرائف وحكايات من السجون والمعتقلات(2)

صالح الورداني
———————–
ومن الطرائف التى أذكرها فى سجن أبى زعبل الواقع خارج القاهرة أن معركة قامت بين أفراد من جماعة الفرماوية وأفراد من جماعة أخرى بسبب بعوضة..
والقصة تبدأ باعتداء أحد الأفراد على بعوضة وسفكه دمائها على مشهد من أحدا أفراد الفرماوية االذى تسامح معه وهو يتميز من الغيظ ..
لكن بعوضة أخرى هجمت على نفس الفرد فهم بتوجيه ضربة إليها..
وهنا لم يتمالك الفرماوى نفسه وهجم على قاتل البعوضة موجهًا إليه شتى عبارات الشجب والاستنكار وأحكام الكفر والضلال..
ونشبت معركة وتدخل سكان الزنزانة لفض الاشتباك الذي امتد لأفراد الجماعتين بينما هربت البعوضة من نافذة الزنزانة..
وحدث أن جاء كتبة السجن ليأخذوا أسماء سكان الزنزانة ووقف الجميع فى طابور طويل بينما أخذ الشاويش يدون بيانات كل فرد فى دفتر وقد جلس على باب الزنزانة من الخارج أمام طاولة قديمة..
وكنت أقف فى مؤخرة الطابور الذى توقف فجأة وبدا وكأن هناك مشكلة وقعت بين الشاويش ومن أصابه الدور..
فتركت الطابور وذهبت لاستطلاع الأمر فوجدت أحد عناصر القرماوية فى حالة ضيق وضجر بينما الشاويش فى غضب وحيرة وقد ألقى القلم على الدفتر فى غيظ وصاح فى قوة : يا عالم يا هو فيه حد فى العالم بيشتغل عابد لله..
وهنا اتضحت لى الرؤية وعرفت جوهر المشكلة أن صاحبنا الفرماوى ليست له مهنة بحكم أن جماعتهم لا تجيز العمل..
وعندما سأله الشاويش عن اسمه أجابه وعندما سأله عن عنوانه أجابه ولكن عندما سأله عن مهنته قال : أنا عابد لله..
وبالطبع لم يفهم الشاويش ما هو المقصود بمعنى قوله عابد لله فأعاد عليه السؤال مرة أخرى فأجابه نفس الإجابة وأصرعلى ذلك..
فى الوقت الذى أصر فيه الشاويش من جهته على عدم تسجيل عابد لله فى الدفتر متحججًا أن هذه أوراق رسمية ولا توجد مهنة اسمها عابد لله..
وازدادت المشكلة تعقيدًا..
وأصر كل منهما على رأيه..
وتدخل البعض وعرضوا على صاحبنا الفرماوى أن يسجل أى مهنة فى الدفتر فهذا مجرد روتين والشاويش لن يعارض..
فرفض رفضًا قاطعًا ومتحديًا بقوله : إنها مسألة شرعية ..
وأمام هذا الوضع وبعد ضغوطًا ومداولات استسلم الشاويش وكتب فى الدفتر أمام اسم صاحبنا : مهنته عابد لله وبذلك انتهت المشكلة وتحرك الطابور ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here