طرائف وحكايات من السجون والمعتقلات(4)

صالح احمد الورداني
———————–
حفلة الثالثة صباحاً
صدر قرار بترحلينا من سجن ابي زعبل بعد منتصف الليل..
وكان معى بعض قيادات الاخوان وآخرين..
وتم تعصيب اعين الجميع..
مع التشديد والوعيد بعدم النظر من نافذة السيارة..
إلا أنني كنت الوحيد داخل سيارة الترحيل الذى يبصر كل شىء حوله بعد أن رفعت العصابة من على عينى..
وعلمت اننا في طريقنا لسجن طره جنوب القاهرة بالقرب من مدينة حلوان..
كان جميع من في السيارة يجلسون على هيئة القرفصاء مسندين ظهورهم إلى هيكلها ومنتظرين الأمر بالهبوط منها وقد أحنوا رؤوسهم إلى أسفل إمعانًا فى الاستسلام..
وما أن وصلت السيارة الى السجن وتوقفت على بابه حتى فتح بابها في قوة وعنف لينقض علينا عدد من المخبرين الغلاظ الاشداء..
و كانوا يحملون الفرد حملاً من أعلى السيارة ويقذفون به على الأرض داخل بوابة السجن كما يقذف بالكرة حيث تتلقاه هناك مجموعة من جنود الأمن المركزى بالعصى والهروات..
ولما كنت متحررًا من عصابة الأعين وأبصر ما يجرى حولى فقد كنت أتفادى ضربات المخبرين وتحركاتهم وهم ينقضون على من بداخل السيارة التى حالت ظلمتها دون أن يكتشفوا أمرى..
ولهذا كنت آخر الهابطين من السيارة وحدى ودون معونة من المخبرين الذين يبدوا أنهم قد أصيبوا بالإرهاق والتعب وتكاسلوا عنى..
لكن هذا لم يعجب أحد جنود الأمن المركزي من ذوي الشوارب الكبيرة الذي كان واقفاً يحمل بندقية آلية على باب السجن..
وأخذ يرقبني وهو ينظر إلى شذراً حتى إذا اقتربت منه وأعطيته ظهري دفعني بقدمه دفعة قوية كانت كافية لتوصيلى إلى المكان الذى تساقط فيه القوم لأنال حصتي من الضرب على يد جنود الأمن..
ولما كنت مبصرًا فقد استطعت أن أسقط على الأرض سقطة رياضية إلى حد ما نهضت على أثرها واقفًا فى سرعة لأسقط مرة أخرى على الأرض وأتحول فريسة لهؤلاء الوحوش الذين استوصوا بي شراً بسبب خلعي العصابة من فوق عيني..
ورأيت رجل يجلس على مقعد واضعًا قدم على قدم ممسكًا بسيجارة وهو يتابع هذه المجزرة في تشفي..
وما أن وقع بصرى عليه حتى وجدت الدنيا قد أظلمت من حولى بعد أن ألقى المخبرين والجنود أجسادهم على ليسترونى ويحولوا بين وبين رؤية المزيد من المعالم..
وتطوع مخبر قذر لربط العصابة حول عينى بقوة بينما تنهال على الكفوف وتهوى على الأقدام وأنا ساقط على الأرض وارتفع صراخى وسط صراخ الأخرين..
وبينما حفلة التعذيب الجماعية مستمرة والعصى والسياط والهروات تتواتر على أجسادنا صاح فجأة ذلك الرجل الجالس على المقعد فى الجنود قائلاً : لا تتهاونوا مع هؤلاء الإرهابيين الذين قتلوا أخوانكم فى أسيوط..
وهو بهذا القول يريد أن يزيد من حماسة الجنود ويثيرهم ضدنا أكثر حتى ينتقموا منا أشد الانتقام وبالطبع لم يكن بيننا أحد ممن شارك فى أحداث مدينة أسيوط بصعيد مصر..
واحداث اسيوط قام بها عناصر من الجماعة الاسلامية بعد مقتل السادات مباشرة وقتل فيها عدد من رجال الامن – فجميعنا من المتحفظ عليهم قبل وقوع هذه الأحداث..
وحتى هذه الساعة لم يعتقل أى فرد على ذمة تلك الأحداث وجميع المعتقلين كانوا على ذمة حادث اغتيال السادات..
ولقد تبين لى فيما بعد أن ذلك الشخص الجالس على المقعد والذى صاح فى الجنود ليزيدوا من شراستهم وانتقامهم هو ضابط كبير من ضباط مباحث أمن الدولة وهو المسئول الأول عن التحقيقات وما صاحبها من تعذيب وكانوا يلقبونه بالباشا..
وأصبحت مادة للتفكه والسخرية بعد أن رحل الضباط وتركوا الجنود والمخبرين الذين وجدوا ضالتهم في بعد أن علموا بمهنتى..
وقاموا بصلبى على البوابة ومزقوا جسدى بالسياط وأخذوا يتناوبون علي بالعصى تارة وبالكفوف تارة وبالأرجل تارة أخرى وهم يصيحون : قبضت كام عشان تشتم مصر..
وحمدت الله أن تغيرت التهمة الموجهة إلى من الاشتراك فى أحداث أسيوط إلى سب مصر فهذا يعنى أن هناك تنازلات على مستوى الاتهام سوف يتبعها تنازل على مستوى المعاملة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here