إنجازات انتفاضة أكتوبر المجيدة

بقلم مهدي قاسم

منذ انطلاقتها العظيمة و حتى الآن حققت هذه الانتفاضة جملة عديدة وكبيرة من إنجازات وطنية و لعلها أهمها على الإطلاق يكمن في تمزيق و إزالة النزعة الطائفية المصطنعة من أذهان كثير من العراقيين والتي زرعتها الطغمة الفاسدة من اللصوص و خونة الوطن بهدف ترسيخ وتمديد فترة سيطرتهم المافياوية على مقدرات العراق و تسخيرها للأجندة الأجنبية، ولا سيما للنظام الإيراني على وجه الخصوص ، وكان لا بد من عودة الوعي الوطني العام مع ما رافق ذلك من ارتفاع نسبة مشاعر اعتزاز و حب بالعراق بلدا تاريخيا و حضاريا عريقا ، بعد هذه الإزالة الموفّقة للنزعة الطائفية والاصطفاف الطائفي ــ و أن لم تكن شاملة و نهائية ـــ و اللذين ــ أي النزعة و التخندق الطائفيين ــ لولاهما لما استطاعت هذه العصابات السياسية المجرمة من السيطرة على العراق طيلة 16 عاما تحت ظل موجات متلاحقة وعاصفة من تفجيرات يومية مكثفة استمرت لسنوات طويلة استهدفت ــ تحديدا ــ مناطق وأحياء ذات أغلبية ” شيعية ” ، طبعا بالتواطؤ والتراضي والتحاضن بين الشيعة و السنة ــ من الإسلاميين السياسيين و الذي جرى خلف الكواليس، مقابل تأجيج الفتنة الطائفية عبر إطلاق تصريحات نارية في قنوات وفضائيات ، نقصد بين أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية على حد سواء ــ حيث كان بعض ممثلي القاعدة ، وفيما بعد عصابات داعش في مجلس النواب العراقي ، يجندّون إرهابيين قادمين من كل حدب و صوب ، مقدمين لهم كل أنواع الدعم اللوجستي ، بينما أحزاب الإسلام الشيعية يتركون المعابر والحواجز الأمنية سالكة أمام التفجيرات المفخخة و الأحزمة الناسفة ، بعدما زوّدوا هذه الحواجز الأمنية ــ و بشكل مقصود ــ بلعبة أطفال لكشف المتفجرات !! ، و ما نتج عن ذلك من سقوط مئات آلاف من الضحايا الأبرياء *) و رجوعا لموضعنا الأساسي فيمكن ملاحظة ذلك ، أي انخفاض نسبة النزعة الطائفية إلى حد كبير بين صفوف المكوّنات العراقية سواء في الأحاديث اليومية أو على منصات التواصل الاجتماعي وكذلك في المقالات المنشورة في الصحف و المواقع الأخرى و في شبه انعدام التعليقات ذات صبغة طائفية و إسقاطية ، والتركيز مقابل ذلك على حب العراق والعراقيين و دعم المنتوج العراقي و حث المواطن على شرائه بدلا من شراء المنتوج أو البضاعة الأجنبية و كذلك المطالبة بتشغيل مئات من المصانع و المعامل الانتاجية المعطلة و التي أغلقتها هذه الطغمة الفاسدة بهدف إفساح المجال أما بضائع دول الجوار، أما الإنجازات الحقيقية الأخرى فقد تجسدت في عملية إزالة الخوف من بعبع السلطة الفاسدة والقمعية ومواجهتها بكل بسالة وشجاعة بهدف التغيير نحو الإصلاح الجذري ، حتى ولو بتضحيات بشرية مكلفة و هائلة ، و لا سيما عبر زرع الأمل في قلب المواطنين بشكل قوي ووطيد بخصوص إمكانية التغييرات و الإصلاحات الممكنة ، في حالة وجود تصميم و عزيمة و إرادة شعبية قوية و جامعة و متماسكة و التي لا تُقهر ولا تُستسلم إذا كانت مدعومة بدعم جماهيري واع وواسع ، والتي سرعان ما أعطت ثمارها والتي اتضحت بارزة ومعبرة من خلال استقالة حكومة عبد العدس ، و تغيير قانون الانتخابات وفقا لبعض مطالب المتظاهرين ــ وليس كلها ــ فضلا عن الإرباك والبلبلة و الورطة الحاصلة حاليا بين صفوف هذه العصابات السياسية المجرمة ، بعد رفض متتال و متواصل من قبل المتظاهرين لمرشحيهم الفاسدين من أمثالهم و أضرابهم و الحيرة التي تنتابهم و تدفعهم إلى ارتكاب مزيد من أعمال القتل و الاغتيال ضد المتظاهرين ولكن دون جدوى بالنسبة لهم ، فهنا تكمن ورطتهم الكبيرة حقيقة ، هذا دون أن نضيف إلى أنه قبل انتفاضة أكتوبر كان الشعور العميق باليأس و الإحباط ضاربا بظلاله المعتمة والعميقة في قلوب العراقيين من استحالة تغييرالوضع المظلم و المزري القائم ، فكثرت ظاهرة الانتحارات بين صفوف الشباب العاطلين عن العمل بين أسبوع و آخر، بحكم كونهم قد وجدوا وضعهم ميؤوسا منه لحد اللعنة ، تحت سلطة عصابة اللصوص من ساسة فاسدين ، ولكن منذ انطلاقة انتفاضة اكتوبر لم نعد نسمع شيئا عن حدوث ولو عملية انتحار واحدة حتى الآن ، و السبب في ذلك يرجع ــ حسب اعتقادنا ــ إلى أن الشباب العراقيين اكتشفوا ــ ـــ بفضل هذه الانتفاضة ــ إنه من الأفضل لهم أن ينتفضوا من أجل أن يغيروا أوضاعهم السيئة نحو أحسن و أرقى ، من ان ينتحروا كرد فعل سلبي يعبر عن عجز و هزيمة و استسلام لأمر واقع سيء ، و الذي يمكن تغييره بإرادة قوية و تضحيات ذات منحى وطني سيكرسها التاريخ كنقطة إيجابية جديرة بتقدير و تمجيد الأجيال العراقية القادمة ..
بطبيعة الحال بإمكاننا أن نعدد إيجابيات أخرى قد تمخضت عن انتفاضة أكتوبر المجيدة ، إلا أن تقديرنا لوقت القارئ الضيق سيجعلنا أن نكتفي بهذا المقدار فقط ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here