الأمر مريب بلد غني و شعب فقير

العراق و بعد سقوط النظام السابق لم يكن في حالة حرب كبيرة تستنزف معظم الثروات الطائلة و تطيح بالأرصدة و تفرغ خزائن الدولة من النقد الأجنبي و كان الحصار الأقتصادي و المفروض على البلاد قد رفع و اصبح بأمكان الحكومات العراقية و التي اعقبت النظام السابق ان تبيع النفط و الموارد الطبيعية الأخرى بكل حرية و دون قيود و كانت اسعار النفط في تصاعد ما عزز من ايرادات الدولة المالية و اتخمت الخزينة المركزية بالأموال و ازداد الأحتياطي النقدي من العملات الصعبة و الذي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات و هو في تصاعد مستمر و ازداد الرصيد من المعدن الثمين ( الذهب ) بالعديد من الأطنان و جاءت الوفرة المائية ما جادت به السماء في زيادة الغلة الزراعية و خصوصآ من المحاصيل الأستراتيجية ( الحنطة و الشعير و الرز ) ما وفر الكثير من الأموال التي كانت ترصد لشرائها من خارج البلاد .

اذا كانت هي هذه الأوضاع الأقتصادية للدولة العراقية و هي كذلك فهذا يعني ان المواطن العراقي يجب ان يكون في بحبوحة من العيش و ان يتمتع بالخيرات الكثيرة التي يحتويها بلده ( العراق ) و ان تكون فرص العمل كثيرة و متوفرة و نسب البطالة يجب ان تكون متدنية و منخفضة و الحال الأقتصادي المزدهر هذا يوجب ان يكون للتلاميذ مدارس لائقة من حيث الأبنية الحديثة و الأثاث و الأدوات و كذلك يجب ان تكون الجامعات العراقية وفق احدث التصاميم المعمارية و المواد العلمية الحديثة و ان تؤطر بالأطقم التدريسية المرموقة الوطنية و حتى الأجنبية و ان تكون المستشفيات العراقية من ارقى الأنواع من حيث الخدمات و الأجهزة الطبية الحديثة و كذلك الأدوية التي يجب ان تكون من مناشئ رصينة محترمة و ان تكون الشوارع معبدة بشكل جيد و نظيفة و ان يتمتع المواطن العراقي بالكهرباء دون انقطاع و بالماء النقي الصالح للشرب و غير ذلك من الخدمات التي تقدم في البلدان الغنية و المفترض ان العراق من تلك البلدان .

على الرغم من السرقات الفاحشة و التي تورط فيها المسؤولين الحكوميين ( الكبار ) من عقود و صفقات يشوبها الكثير من الفساد الى المغالات في اسعار العقود الى الرشاوي و العمولات الباهضة الكلفة و التي لم يخلو حزب من الأحزاب الحاكمة او المتواجدة في العملية السياسية من ملفات الفساد و قضايا الرشاوي و الأبتزاز و بيع و شراء المناصب الحكومية و التي هي متورطة فيها و لم تمس الأجراءآت الحكومية الخجولة الأخيرة الفاسدين الكبار الذين يملكون جيوشآ مسلحة تحت تسميات اغلبها ( دينية ) و كذلك ( تلمع ) صور السراق الكبار و تجملها العديد من القنوات التلفزيونية و الصحف التي تمول من صفقات الفساد تلك التي تدر على هذه الأحزاب و قادتها الكثير من المال الحرام .

مع كل هذا الكم الهائل من الفساد و سؤ ادارة الأموال ما يؤدي الى هدرها في غير محلها و في مكان غير مكانها المناسب ما يتسبب في ضياعها و عدم الأستفادة منها الا ان هذا الفساد و الأدارة السيئة للأموال لا يعني البلاد سوف تدخل في ظائقة مالية كبيرة و ان يكون العجز في الميزانية بالمليارات من الدولارات و كما يحدث حاليآ على الرغم من ارتفاع سعر النفط العالمي و زيادة الأنتاج ما يحقق وفرة مالية لا بأس بها ترفد الخزينة المركزية بالأموال و تحقق نسب من المفروض ان تكون عالية في انجاز المشاريع غير المكتملة و البدء بالأخرى الجديدة و اعمار البنى التحتية و الفوقية .

مع تأثير الفساد المالي و الأستغلال غير الصحيح و الخاطئ للثروة على موارد الخزينة الا ان تعطيل المصانع العراقية بشكل مقصود و هي المشهود لها بالرصانة و المنتوج ذو النوعية الجيدة لصالح استيراد البضائع الرديئة و تشغيل المصانع في البلاد الأجنبية و بذلك تعطلت عشرات الالاف من الأيدي العاملة العراقية في تلك المصانع المتوقفة و انضمت الى طوابير العاطلين عن العمل ما شكل عبئآ على سوق العمل و ما خلق مشاكل اقتصادية و اجتماعية خطيرة و كذلك كان التلكؤ المقصود في عدم استغلال الغاز و الأعتماد على المستورد منه ما ارهق الميزانية و استنزفها و بالتالي تعاني مصانع توليد الطاقة الكهربائية من نقص في امدادات الغاز و ما يعوض هذا النقص هو في استيراد الطاقة الكهربائية العالية الكلفة و غير ذلك من الأمثلة الكثير .

ان ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب العراقي العامل و الأزمة الأقتصادية يعود الى تبديد اموال الشعب العراقي في مساعدة الدول الأجنبية تحت عنوان ( الأستيراد ) و كأن الأراضي العراقية الخصبة قد عجزت عن توفير الخضار و الفواكهة و لم تعد مصانع الأسمنت العراقية ذات السمعة العالمية الرصينة ترفد الأسواق المحلية حتى يتم الأستيراد و بالمليارات من الدولارات من الدول المجاورة في مشهد مريع لم تألفه الدولة العراقية منذ نشأتها ان تهرب اموال الشعب العراقي و تمنح الى الدول المجاورة تحت شعار ( الأستيراد ) و تهرب العملة الصعبة من البلد و هو في امس الحاجة الى تلك العملات في مقابل خضار و فواكهة و مواد انشائية .

لولا الفساد و الفاسدين لما استطاعت الأحزاب الدينية الحاكمة من تحويل الأموال العراقية و تحت مسميات و عناوين كثيرة الى هذه الدولة او تلك و ترك الخزينة الحكومية خاوية و الشعب العراقي و الذي يصنف من الشعوب العشر الأغنى في العالم من حيث الثروت الطبيعية و الموارد و هو يسحق بعجلة الفقر و الفاقة و تكون البلاد في حالة من الخراب و الدمار و البنى التحتية المتهالكة و الخدمات البلدية شبه المعدومة و الواقع الصحي المتدهور في قلة المستشفيات و شح الدواء و قدم الأجهزة الطبية و قطاع التعليم يعاني من الأكتظاظ و نقص المباني و المعدات و كذلك لم يجد المواطن العراقي من أي مساعدة في ايجاد السكن الذي يليق به فأنتشرت العشوائيات و التي تفتقر الى المقومات الأساسية في ديمومة الحياة و استمراريتها و كل القطاعات الأخرى كانت في حالة مزرية و متردية تلك التي تهم حياة المواطن العراقي هذا ما عملت على تحقيقه هذه الأحزاب العميلة الحاكمة و اذا كانوا يعيبون على بعض الدول منح الأموال الطائلة للدول الكبرى في مقابل الحماية و البناء و الأعمار فأن هذه الأحزاب تمنح اموال الشعب العراقي للدول المجاورة دون مقابل ارضاءآ لعقدة الدونية التي ( يتمتع ) بها زعمائهم .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here