قراءة في كتاب (حفيدة صدام) حرير بعد (التحرير) !!

سعد محمود شبيب

حين تطالع كتاب (حرير حسين كامل.. حفيدة صدام)، سيأخذك شعور بأنك لا تطالع كتابا عن (عائلة صدام)، بل العائلة السعيدة المرحة التي تعيش في المزرعة السحرية الخضراء، كما وأنك لا تقرأ عن نظام الحكم البعثي في العراق، بل عن عائلة هيرو هيتو في اليابان وعائلة آل بوربون آنجو عند الاسبان!
هذا الكتاب الذي ألفته حرير ابنة رغد صدام ويقع في عشرة فصول مع ملحق، بدت فصوله متخمة بسير ملمّعة ومجمّلة عن ابيها (حسين كامل) وعميها (صدام وحكيم) وجدها صدام حسين وخاليها (عدي وقصي) عبر قصص كثيرة متنوعة غير ذات جدوى تخللت فصوله، مع أحداث قد تجتذب القارئ – سنسلط الضوء عليها في هذه المقالة – لا سيما تلك التي تتحدث عن ملابسات عودة حسين كامل من الاردن وما رافقها من أحداث دامية ومجزرة بشعة تضاف لمآثر القيادة الحكيمة لعراق صدام..
العنوان الناقص والذوات المتكاملة
عنوان الكتاب (حفيدة صدام.. حرير حسين كامل) بدا ناقصا، أو كتب على عجل وكان من المفترض أن تضاف له كلمة أو كلمات ليصبح جملة مفيدة كأن تقول (حفيدة صدام.. تتذكر) والاسلوب الذي كتب به كان اسلوبا صحفيا محترفا متمرسا ونستبعد أن يكون لصاحبته، اذ جاء خلافا لمذكرات برزان باسلوبها البائس المترهل المرهق.. تبتدئ سطور الكتاب بسرد للاوصاف التي حملها والدها فكان سردا محيرا فعلا، اذ تؤكد أنه (شهم، طيب، ذكي، ووزير ناجح، طور الصناعة من الدبوس حتى الصاروخ، وعسكري محترف تدرج بالرتب بسرعة بالغة حتى نال رتبة العقيد وهو دون الثلاثين!!). اما قولها ان أباها كان عسكريا محترفا، فهي صفة تنطبق على المهيب البكر، أو الفريق عبد الجبار شنشل أو اسماعيل تايه النعيمي وسواهم من كبار قادة الجيش العراقي ولا تنطبق على نكرة مثل حسين كامل بحال، وهي تحاول اثبات كلامها استنادا الى سرعة ترقيته، متناسية أنه لم يدخل الكلية العسكرية أصلا ولا يعلم عن العسكرية شيئا سوى تسلسل رتبها، بل أن جدها صدام الذي رقاه الى هذه الرتبة هو الاخر لم يؤدّ الخدمة الالزامية مطلقا وظل هاربا من الخدمة، ولم يرتدِ زيّها الا وهو يحمل رتبة الفريق الأول الركن عام 1978 في طفرة نموذجية صدامية صاروخية خارقة للعادة!! وأما قولها أنه كان وزيرا ملهما صنع الابرة والصاروخ، فلنا أن نسأل عن مؤهلات هذا (الوزير) الجاهل الأمي الذي لم يجتز الدراسة المتوسطة بحال من الأحوال، ونتساءل كذلك عن ماهية النجاحات (المهمة) التي حققها طوال ترؤسه لهيئة التصنيع العسكري والصناعات التي اضطلعت بها، لا سيما ونحن نستورد الأبرة والدبوس وحليب الاطفال وبقينا نعاني من نقصانها طوال الحصار، تلك الهيئة التي لم تحقق شيئا للبلد سوى اضاعة مئات الملايين من الدولارات، والتي قام بتهريب جزء كبير منها الى الاردن بموجب بيان هروبه الرسمي، وقد ادارها عبر تسليطه وحوش الأمن الخاص كي يفترسوا ويهينوا المدراء والموظفين ويشبعونهم ركلا وتعذيبا وعقوبات دنيئة قذرة لأسباب أقل من تافهة، في سابقة لم تحدث طوال تأريخ العمل الوظيفي في العراق، حتى هلك منهم الكثير، وقد نُسجت قصص مرعبة لم يزل منتسبو منشآت بدر والقعقاع وحطين واليرموك والحارث يستذكرونها باللوعة والحزن والمرارة!. لقد كانت صلة حسين كامل بعمه صدام ودمويته وقسوته اللا محدودة هي مؤهله الوحيد، تلك القسوة التي كانت خطة عمل وزاراته، واشرافه على الحرس الجمهوري، وهي نفسها القسوة المفرطة التي قمع من خلالها الانتفاضة الشعبانية وهو يبيد الجميع دون تمييز أو تردد، حتى وصل به الحال الى دفن اسر بنسائها وأطفالها وهم أحياء دون أن يرف له جفن، فبقيت رفاتهم شهودا صارخة على جرائمه.

لا تعرف الكذب أو التدليس
الغريب في أمر حرير، أنها تنفي مخاطبة والدها للامام الحسين (ع) بقوله (انا حسين..) لكنها تعترف بأن ذلك الاب (المؤمن الورع) قد قام بقصف وهدم القبة المباركة وسور الصحن الشريف في خطوة لم يتجرأ عليها اي من أسافل ورعاع التأريخ، وتبرر ذلك بالقول: (أنه اراد انقاذ رهائن يحتجزهم المنتفضون!!) مع العلم أن المرقد الشريف لم يكن ليضم سوى النساء والاطفال وبعض المسلحين الذين يمكن القبض عليهم بيسر بدلا من هذه الوقائع الدموية المروعة التي تعد وصمة عار في جبين الانسانية بحق.. اضافة الى هذه المآثر التي امتاز بها كامل، فأنه قد تعامل مع عمه الرئيس نفسه بمنتهى الخسة ونكران الجميل، فرغم انا ننظر الى صدام وحسين كامل بمنظار اجرامي واحد، الا أن صدام كان قد انتشل حسين كامل من الثرى الى الثريا، ومن الوحل الى زحل، وارتقى به من فلاح بسيط معدم متخلف الى صهر ورئيس لجهاز الأمن الخاص ووزير لعدة وزارات وضابط يحمل رتبة الفريق الأول الركن، دون أن يكون له أي دور في الحزب وهو الطفل عام 1968 والعريف الذي لولا قرابته من رئيسه لما كان أكثر من عسكري مغمور يتطلع نحو دورة نواب الضباط في أفضل الأحوال.. وتحاول الانسة حرير تبرير خروج ابيها على جدها فتخفق في ذلك، اذ تؤكد أنه كان عصبي المزاج، وأنه قد خرج الى الاردن غاضبا وهو لا ينوي الانقلاب على صدام، ولا ندري ما هو سبب خروجه من العراق اذا كان لا يخطط لشيء، مع العلم أنه وفي جميع مؤتمراته الصحفية كان يؤكد على سعيه (لانقاذ) الشعب من قبضة النظام وأن له اتصالات مع ضباط في الحرس الجمهوري لتنفيذ الانقلاب!. لقد كان خروج حسين كامل خطوة في منتنهى الغباء، وادعاؤه أنه قد غادر العراق لانقاذ العراقيين هو ادعاء وقح وواطئ، فكيف تنقذ اشد ادوات صدام دموية ووحشية شعب العراق من قبضة صدام، وكيف تسهم اليد الملطخة بالدماء في رفع الظلم عمن دفنت ذويهم أحياء تحت الرمال؟ أما عودته الميمونة الى العراق، فهي كما وصفها أحد المحللين السياسيين بالقول (أنه هرب برتبة الفريق وعاد بعقلية العريف)، ولقد كان من الطبيعي أن يقتل صدام خائنه حسين كامل وجميع من معه، ولا يمكن أن يلوم أحد صداما لأنه نكث بوعده، فمنذ متى كان لصدام وعد أو التزام بعهد وهو الذي التهم دولة الكويت في ليلة واحدة بعد وعود مغلظه للزعماء العرب بعدم اقدامه على أي عمل عسكري ضدها؟. وتؤكد المؤلفة أن أمها وخالتها رنا لم تطلبا الطلاق، وان العراق حينها عدّ مثالا لتطبيق القانون، وذلك حين رفض القاضي تطليقهما الا اذا طلبن ذلك منه شخصيا، متناسية قيام الصحف العراقية بنشر رسائل من لدنهن موجهة الى ابيهما – رئيس الجمهورية- تطالبان فيها بالطلاق واصفات ازواجهن بالخسة والخيانة والغدر والنذالة ونكران الجميل والخديعة!. فان كانت هذه الرسائل حقيقية فثبت كذبهن، وان كانت زائفة فقد ثبت كذب ابيهن!. وتصف (حرير) كل من اسهم بقتل ابيها وعمها من ابناء العمومة بوصف (الحقير) ، لكنها تتناسى أن من أمر بالقتل هو جدها صدام نفسه، حين قال لأبناء عمومته بالحرف الواحد (لقد عفوت عن حسين كامل قانونيا، أما عشائريا فيجب غسل العار) وذلك كما ورد في الصفحة 172 من الكتاب!. ولنا هنا أن نسأل (السيد الرئيس القائد) عن هذه الأحجية وكيف السبيل الى حلها، ما هو معنى العفو الرئاسي الذي يرافقه ذبح عشائري على الطريقة البربرية، وبماذا ينتفع المعفو عنه قانونا ان كان سيذبح وذووه وأهله جميعا بشكل خارج عن القانون؟ وأي اقتصاص عشائري ذلك الذي تشارك فيه أجهزة الامن الخاص والمخابرات والاستخبارات ووحدات الطوارئ والحمايات الخاصة وسرب طائرات القصر الجمهوري والحرس الخاص، وما الفرق بينه والاقتصاص القانوني؟ وهل توجد دولة على وجه الأرض تطبق القانون العشائري بعد أن تسحق بقدميها القانون الرسمي؟ جميع هذه الاسئلة أجاب عنها صدام كامل قبل مقتله بلحظات وكما ورد في سطور كتابها وهو يصرخ: (هو ذا عفو صدام حسين)!.

صدام كامل.. اللطيف.. الظريف!
تؤكد حرير أن عمها صدام كامل كان يحمل نفسية الفنان وروحه المرحة الطيبة الجميلة، وانه كان يتمنى أن يصبح ممثلا بعد (نجاحه) في تجسيد دور صدام في فيلم الايام الطويلة، لكنه اضطر لترك ذلك كله مؤثرا حماية عمه صدام حسين!. والواقع، فأن صدام كامل الممثل الفاشل بامتياز، كان ضابط أمن القصر الجمهوري وأحد أدوات الرعب والترهيب الصدامية، وهو المساعد لشقيقه حسين كامل في قمع الانتفاضة الشعبانية.. هذا الرجل الأكثر دموية من شقيقه الكبير، ظل يمارس هواية الاعدام في الهواء الطلق دون أدنى تردد متفننا بطرق القتل والابادة وقد منح صلاحيات لا تعرف الحدود، حسبما شهد بذلك عدد كبير من ضباط الحرس الجمهوري المنشقين عن النظام أو ممن أدلوا بشهاداتهم بعد السقوط.. صدام كامل الذي أصبح رئيسا للجنة التحقيق في محرقة الرضوانية، والذي ترك لنا تخيل ممارساته مع المتهمين ممن نجت القلة القليلة من قبضته بمعجزة الهية، فرووا قصصا عن اجرامه تتجاوز حدود العقل.. وتنقل هذه الحفيدة كيف أغشي على عمها (الطيب) حين اكتشف شذوذ أحد المنتفضين، لكنها تتجاوز اسباب قيام هذه الانتفاضة اصلا وتتناسى تلك الهزيمة المرة التي مني بها جيش العراق وهو يخوض معركة غير متكافئة مع العالم بأسره من أجل قضية باطلة، قضية سببها طيش صدام واستهتاره بشعبه وجهله المطبق بمدى قوة الغرب وعدم التكافؤ معه بحال، وكيف كان وقع الهزيمة والاستسلام والجوع يخيم على الجميع، والجُند لا يجدون واسطة نقل تقلهم الى ديارهم، بينما يبحث الآباء عن اولادهم دون جدوى.

عدي.. موسوعة معرفة!
تستغرب مؤلفة الكتاب من محاولة اغتيال عدي في المنصور عام 1996، فهي تجده وان كان ابنا للرئيس، الا أنه بلا منصب رسمي مهم!. ونرد عليها بالقول: اذا كانت تحت امرة عدي (مملكة) اللجنة الاولمبية وجيش فدائيي صدام وقناة تلفازية وفضائية واذاعة خاصة به، ورئاسة التجمع الثقافي ونقابة الصحفيين وعشر صحف رسمية يومية واسبوعية ومجلات مختلفة، ومع ذلك فهو لا يحظى بمنصب مهم، فماذا لو حظي به؟ نظنه سيستحق امبراطورية الحبشة ورئاسة ساحل العاج!. وتسبغ المؤلفة على خالها صفات لو طالعها الان فلربما انطلقت من قبره ضحكة مجلجلة تثير استغراب أهل السماء، اذ انه يتميز ((بالشجاعة والشهامة والكرم، وانه كان ذكيا موسوعيا ملما بجميع المواضيع، يؤدي الصلوات في أوقاتها ويصوم يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع!!)). ولعل ما يثير الدهشة في صفاته هي (موسوعيته وعلمه الواسع)، وكيف لا وهو لا يجيد كتابة سطر واحد بصورة سليمة ولا يفرق بين الظاء والضاد، ولا يميز بين الألف كحرف والالف كعدد، وخطه هو أشبه بخط طفل متمرد على أمه يأبى أداء الواجب لغرض اللعب.. وللحق، فاذا ما وجدنا عراقيين يحبون صدام ويستبد بهم الحنين لأيام حكمه، فاننا لا يمكن أن نجد من يحب عديا بأي حال من الأحوال، وقد تشمت به العراقيون جميعا في مجالسهم الخاصة يوم أصيب لفرط بغضهم لشخصه.. لقد أورد عمه برزان التكريتي والدكتور علاء بشير وعباس الجنابي ومازن جزراوي ولطيف يحيى ولاعبو المنتخب الوطني لكرة القدم والمطربون ومئات الرياضيين من صفات عدي ما يغني عن البحث، وكلامهم معزز بأفلام حفلاته الماجنة التي تنفي تفاهة وصفه بالمتدين الصائم، فهو بذيء اللسان الى درجة لا توصف، سيئ الخلق حتى مع والده وعمومته، نهم جنسيا حتى النخاع، مستهتر ماجن طامع بخيل حد الاقتار، لا يؤتمن جانبه، متقلب المزاج وشاذ التفكير والأفق، يداعبك الآن ثم يفترسك بعد ساعة، حشر نفسه في مجالات الرياضة والفن والاعلام فكان طارئا ووبالا عليها جميعا، ورث السادية عن أبيه بشكل مكثف وقام بتطويرها ليطبقها على الجميع، فكان يعشق الفلقة والحبس بالتابوت والجلد بالسياط وحلاقة الشارب والحاجبين، ويشرف بشكل شخصي ومباشر على تعذيب المغضوب عليهم في معسكر الرضوانية الرهيب وقطع الرؤوس والألسن حتى لو كان الضحايا من صحبه وسماسرته.. اضافة الى كونه سارقا من طراز فريد، قام بسرقة ثمانمائة سيارة من الكويت دون أن يكون بحاجة الى هذا الأسطول المبارك من العجلات!. ولعل أغرب ما روته المؤلفة عن خالها عدي، هو تركه لدراسة الطب بسبب فقدانه الوعي حين رآى جثة على طاولة التشريح عام 1983(!!) ، علما بأنه قد شارك وشقيقه الاصغر قصي في اعدام ضحايا مجزرة الخلد عام 1979 وهو لم يزل طفلا صغيرا، مما يدلل على مسلك تربوي نادر وبالغ الروعة من لدن الرئيس القائد أنتج لنا وحشا أسطوريا مثل عدي، لا يتورع عن فعل اي شيء حتى اختطاف المتزوجه من بين يدي زوجها واغتصابها واعدام زوجها فيما بعد، كما رواه لطيف يحيى في كتابه (كنت ابنا لصدام).

صدام.. كبيرهم الذي علمهم
حين وصفت جدها صدام، وروت عنه قصصا ومواقف تعكس نفسيته، فمن المؤكد ان الحفيدة (حرير) قد طالعت قصص الخلفاء الراشدين وسير الصحابة المنتجبين وكذلك أخبار زهد الزعماء المتأخرين لترسم لنا شخصية أخرى عن صدام لم نألفها نحن العراقيين، وتلصق به مآثر السلف الصالح دون أدنى تحفظ أو حياء!. وبرغم اتفاقنا معها في كون صدام صاحب شخصية قيادية مهابة الجانب، لكن هذه الشخصية لم تكن بهذا التأثير المرعب لولا دمويتها المفرطة واتخاذها الموت نظرية عمل تطبق على العراقيين لأتفه الأسباب، وكذلك الخسة في التعامل مع الخصوم، حيث لا يتورع عن فعل أي شيء بأعدائه حتى الاعتداء على العرض، كما شهد بذلك المرحوم حامد الجبوري مدير مكتبه الأسبق.. جاء في سطور الكتاب أن صدام كان زاهدا في دنياه، والدليل على ذلك هو عدم امتلاكه لأي من قصوره كونها مسجلة باسم ديوان الرئاسة.. ويبدو لنا ان الحفيدة تجهل كون ديوان الرئاسة ماهو الا بناية صغيرة غير ذات أهمية يمتلكها صدام، وما مصير شعب العراق وثرواته الا مسبحة بيده يحركها كما يشاء دون حسيب أو رقيب.. لا تدرك هذه الشابة ان الزهد لا يعني عدم امتلاك شيء، بل الابتعاد عن مغريات الحياة الدنيا ومساواة الحاكم بالرعية حتى اسعاد آخر فرد من الرعية، فعبد الكريم قاسم كان يعيش في دار مستأجر بسيط قد يترفع عن السكن فيه موظف عادي حتى يوم اعدامه، وهو ما ينطبق على نوري السعيد وعبد الرحمن عارف وناجي طالب، أما أن يبني القائد الملهم ما يزيد عن مائة قصر يتمنى هارون الرشيد نفسه أن يحظى بحجرة منها فذلك هو البطر والاستهتار الصارخ بمقدرات الشعب وثرواته، لا سيما وأن نصف أبناء الشعب يعانون شظف العيش ولا يمتلكون سقفا يظلهم، ويفترش الكثيرون الارض ويلتحفون السماء، وكان الأولى بصدام أن يبني لهؤلاء بيوتا تحفظ كراماتهم بدلا عن استغلاله ثروات الشعب لتشييد قصور اسطورية فيها مالم يخطر على قلب بشر، كي ينفس فيها عن عقد العوز والحرمان وتداعيات الطفولة السعيدة!. وتدّعي حرير أن هذه قصور الشعب، لكن أيا من أبناء الشعب لو حاول مجرد الوقوف أمام أبوابها العظيمة أو فكر بلمس جدرانها المقدسة، فلن يتبقى منه سوى رماد ويصعب الاستدلال عليه بحال.. نعم أنها أصبحت يوما قصورا للشعب يوم هددت امريكا بقصفها عام 1998 ففتح صدام أبوابها للشعب كي يكونوا دروعا بشرية، وبخلاف ذلك فان كل مواطن ظنها قصوره، سوف يتهم على الفور (بقصور) في العقل والادراك!. وتحاول الحفيدة أن تسبغ صفة القديسين على جدها، فهو كان يحرمهم من احتساء الكولا لأن الشعب محروم منها، ويقتر عليهم بالمصروف اليومي ويختصر قوائم الشراء، وتنسى مئات الاطنان من السكّر والدقيق التي تذهب هباء عند الاحتفاء بميلاده الميمون، وكذلك تلك الحفلات الداعرة التي يقيمها خالاها الكريمان (عدي وقصي) والتي يتم من خلالها انفاق ما يعدل رواتب الفي موظف حينها على أقل تقدير.. فضلا عن حصر التجارة بيد ساجده خير الله وعدي وقصي ووالدها وباقي المقربين ومشاركة التجار الكبار عبر التسهيلات فحسب، على أن يكون الموت بانتظار كل من يتأخر عن دفع (المعلوم).. وتحاول ان تلصق به صفة العدالة يوم قتل الفاسد السكير عدي خادم والده كامل حنا ججو، فقد حبسه صدام وصار يزوره في السجن كأي أب يواجه ولده بمعية أم المتهم وشقيقاته، مصطحبين معهم الطعام والملابس ومصرف الجيب!. ولا ندري أين غابت عدالة هذا الجد يوم أصدر قرارا باعدام كل من يتهجم عليه، فوهب نفسه مرتبة تفوق الألوهية بدرجات عديدة، ويوم اغتال وأعدم مئات المسؤولين دون ذنب أو جريرة وبطرق بالغة الغدر والخسة أمثال حردان التكريتي والنايف ومحمد عايش وغانم عبد الجليل ومحمد محجوب ووليد سيرت وخالد الشعلان، فضلا عن اعدامه عبد الخالق السامرائي بأثر رجعي في سابقة خطيرة غير معهودة قضائيا، وكذلك مسؤوليته عن مصائر المئات ممن ماتوا تحت التعذيب ومن كانوا ضحايا المحاكمات الصورية السريعه، وقتله من يشتبه بمعارضته له بنفس الطرق البشعة التي يعدم بها معارضيه واعداءه.. صدام الذي تدعي بأنه كان يلعب الشطرنج والنرد مع اصدقائه القدامى كل يوم ويتبسط بالحديث معهم، وهو ذلك المسكون بالشك والتوجس والذي لا يمكث في أي قصر من قصوره ومخابئه السرية لأكثر من أربع ساعات، ولا ينام أكثر من ساعتين متواصلتين في أفضل الحالات توجسا من محاولات الاغتيال وأشباح المتآمرين!. ولنا في النهاية أن نسأل المؤلفة، حفيدة صدام الكبرى، عن ماهية الأوصاف التي تؤهل عائلتها لتكون عائلة مثالية سعيدة وقدوة لعائلات العراق؟ أفي الجد الذي قتل ابن خاله، أم في خالها عدي الذي أعاق عمه، وخالها قصي الذي اشرف على قتل ابيها وعميها وعمتها وأطفالها دون أن يرف له وأبناء عمومته جفن، أم في جدتها صفية الطاعنة السن التي قتلت بأمر صدام؟. وما ملامح القيادة الناجحة لجدها الرئيس؟ والعراق يتنقل من مرحلة حمراء الى زوبعة دهماء، ومن حرب شعواء الى حرب أخرى شعواء، والفقر والجوع والدمار تتراقص نهارا في حياة العراقيين، وتحيل أحلامهم الى كوابيس ليلا، لتكون الحصيلة ضعف العراق وتفككه واحتلاله في النهاية – دون سواه – من قبل أمريكا وحلفائها، بعد سنوات من الذل والحصار واستهتار لجان التفتيش.
كتاب حاول تلميع وجه الحقيقة الكالح، فأصاب سطوره التيه والخور والحيرة والتدليس وسط متناقضات لا يمكن الجمع بينها الا عبر انكار ما لا ترتضيه نفس المؤلفة، وفرض ما يروق من آراء على القارئ حتى لو خالفت العقل، كما هو حال سياسة العائلة طوال اربعين عاما من حكم الدم والنار والحديد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here