ابراهيم ومروان وحمد ..آهات عراقية يرسمها الفنانون ولايرثيها من السياسيين أحد !

احمد الحاج

عندما يتظاهر الرجال الأصحاء بمعية الشباب الأشداء في الساحات والميادين العامة للمطالبة بحقوقهم السليبة في أي بلد من بلدان العالم فقد تتفاوت وسائل الإعلام المختلفة في زاوية النظر الى تلكم التظاهرات وتتباين من حيث طريقة التعامل معها فضلا عن مطالبها بين مهتم وغير مهتم ، متعاطف وغير متعاطف ، الا أنه ومن دون شك وعندما يتظاهر ذوو الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم والمكفوفين والمشلولين وفاقدي الأطراف وقصار القامة ممن يعانون من التقزم بسبب سوء التغذية وفقر الدم الحاد أو توقف النمو نتيجة التلوث والحروب المتعاقبة والألغام والتفجيرات الإرهابية والعمليات الحربية ،إضافة الى احتجاج مرضى السرطان وبالأخص ضحايا اللوكيميا منهم ،علاوة على مرضى الثلاسيميا والتصلب اللويحي ومن على شاكلتهم من الأيتام والعاطلين والمفصولين وأصحاب العقود والأجراء اليوميين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد أمام نصب الحرية للمطالبة بعمل شريف ، أطراف صناعية، كراس متحركة ،أدوية وعلاجات، إجراء تحليلات مرضية ،عمليات جراحية ليس بمقدورهم دفع تكاليفها الباهظة قبل أن يدهمهم الموت المحتم وسط تجاهل كامل للأحزاب السياسية الطائفية الحاكمة المنشغلة بمغانمها ومناصبها فحسب ، هنا لابد من أن يبلغ السيل الزبى ويتماهى التعاطف الدولي والشعبي معهم ليبلغ مداه وليقف العالم كله مناهضا لإنعدام إنسانية وأخلاق وضمير ووطنية الطغمة السياسية الفاسدة وجل وجوهها الكالحة من مزدوجي الولاء والتبعية بما لم يعد خافيا على أحد ما يتطلب التغيير والاصلاح الجذري وبأسرع وقت ممكن مهما كانت التضحيات !
لقد تظاهر مرضى الثلاسيميا هناك في الميادين نتيجة لشح الأدوية المخصصة لهم وارتفاع ثمنها بعد رفع الدعم الحكومي عنها بما يصل الى 400$ للوصفة الواحدة وأبرزها الفوليك اسيد ، وحقن الدسفرال لسحب الحديد الزائد من الدم ،علما أنهم بحاجة الى نقل دم كل 3- 4 اسابيع ، ما دفع الكثير منهم للاحجام عن أخذ العلاج المطلوب كاملا الأمر الذي تسبب بوفاة العديد منهم وإصابة آخرين بجلطات دماغية ونوبات قلبية ، ” الطفل ابراهيم الخليل ” كان أحدهم ، لقد تظاهر ذوو الاحتياجات الخاصة للمطالبة بتوفير ما يحتاجونه من رعاية طبية مفقودة في المستشفيات الحكومية قبل أن يصيبهم ما أصاب الطفل المشلول “مروان ” الذي تعطل كرسيه الكهربائي مؤخرا وليس بمقدور والده إصلاحه كونه من العاطلين عن العمل ويعاني من الفقر المدقع ونتيجة لذلك اضطر مروان الذي اصيب بالشلل من جراء صاروخ سقط قريبا من منزله المستأجر ذات حرب وضياع الى استخدام كرسي صيني قديم ومتهالك سقط بسببه على الارض فأصيب بكسر مضاعف في الذراع اليسرى سبب له من الالام المبرحة ما أرق ليله وأقض مضجعه !
أما “حمد” وما ادراك ما حمد الذي أذهل العالم بأسره ، فهو حلاق شاب اسمه الحقيقي احمد فراس معروف بين المتظاهرين السلميين بـ” حمد ” تيمنا بقصيدة مظفر النواب الشهيرة ( للريل وحمد ) ومطلعها “مرّينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل وإسمعنه دك اكهوه وشمينة ريحة هيل ” اذ يعاني هذا الشاب البالغ من العمر 17 عاما من سرطان الدم (اللوكيميا ) وبرغم مرضه الفتاك فإنه يتشرف بحلاقة المتظاهرين مجانا منذ بدء التظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق المشروعة في الخامس من اكتوبر الماضي ، معبرا عن مرضى السرطان ووقفاتهم الاحتجاجية المشرفة التي خرجت للمطالبة بإنصافهم وشعاره في ذلك ” يد تحارب السرطان ويد تحارب الفساد”، ويبقى السؤال الحائر هنا هو هل يحتاج مرضى السرطان في العراق الملوث باليورانيوم المنضب والفسفور الابيض والمواد الكيماوية والاشعاعية والمخلفات الصناعية والنفطية الى تظاهرة ينظمونها بمعية ذويهم للمطالبة بتوفير العلاج الذي يحتاجونه بألحاح اضافة الى متطلبات كشف المرض مبكرا، أم أن الجهات الحكومية هي التي يتوجب عليها أن تعمل جاهدة وتواصل الليل بالنهار لتوفير العلاج الناجع وأجهزة الكشف الطبي لهم مجانا وعلى مدار الساعة من غير تلكؤ ولا تأخير ؟!
معاناة هؤلاء وأمثالهم من المسحوقين والمهمشين والعاطلين بظل حكم الفاسدين والمفسدين في العراق كانت حاضرة بين أنامل رسامي الكرافيتي الذين جسدوا ألمهم خير تجسيد على جدران نفق التحرير والمطعم التركي وبقية الساحات والميادين المطالبة بـوطن وبـ ” خبز ، حرية ، عدالة الاجتماعية ” وإحالة جميع الفاسدين الى القضاء وحل أحزابهم التي أحالت العراق خرابا بالجملة اضافة الى تغيير الدستور وقانون المفوضية واعضائها وإجراء إنتخابات مبكرة بأشراف أممي بعيدا عن المحاصصة لمقيتة ا!
نعم لقد تنوعت الفنون التشكيلية والابداعات المعبرة التي جسدت سلمية التظاهرات من جهة ورقيها من جهة اخرى وعكست ما عاناه الشعب العراقي عموما والمتظاهرون خصوصا طيلة فترة الاحتجاجات من اغتيال واختطاف وقنص وتهديد وترويع طال الناشطين والاعلاميين اسفر عن استشهاد 500 متظاهر واصابة اكثر من 22 الفا حتى الان ، إنه تجسيد فني بطريقة حضارية سلطت الضوء على أبرز أيقوناتها ومجمل تضحياتها ما أثار تفاؤلا وحقق تفاعلا على مختلف الصعد بوجود هذا الجيل الشبابي الباحث عن وطن وحرية فقدهما منذ أمد بعيد ، الجيل الرافض للهيمنة الشرقية والغربية على قرارات العراق السيادية ، الجيل العاشق لأرضه ولصناعاته المحلية ومنتجاته الوطنية ، فهذا الفنان حيدر سلمان ، ابدع في الرسم على ما أطلق عليه ” مظلات التحرير” كأسلوب متفرد وغير مسبوق عراقيا للاحتجاج والثورة ، وهذا الرسام البصري المبدع “سجاد مصطفى” الذي أطلق فنا غاية في الروعة يجمع بين الخط و والتشكيل على الجدران وبأسلوب يخلب الالباب لخص من خلاله مأساة العراقيين بمختلف مكوناتهم على مدار 16 عاما ، وإستعرض أسماء الشهداء الذين سقطوا برصاص القناص وقنابل الغاز المسيل للدموع التي اطلقت على صدور ورؤوس المتظاهرين لقتلهم وليس لتفريقهم من قبل ما يسمى بالطرف الثالث الذي وعلى ما يبدو أن السلطات التنفيذية تخشى الافصاح عن هويته ، كذلك الرسام المبدع علي كاظم ، الذي رسم لوحة جمعت شهيد الناصرية ” ابن سنوة ” مع شهيد بغداد ” ابن ثنوة ” في لوحة غاية في الابداع .
رسامو كلية الفنون الجميلة ومعهد الفنون كانت لهم بصماتهم هناك أسوة بأقرانهم مجسدين ايقونة الساحات ” التك تك ” وابطاله ، شهداء التحرير ، حب العراق ورايته الوطنية التي اسقطت بقية الرايات ، أمهات الشهداء اللائي يزفُنَّ فلذات أكبادهنَّ في سبيل الوطن والحرية تباعا ، إبراز دور حلاقي التحرير ، طباخي التحرير ، معالجي التحرير ، خبازي التحرير ، مصوري التحرير ، شعراء التحرير ، فرقة مكافحة الدخانيات ، كذلك الرسم الثوري بالكتابة المسمارية وبأسلوب ما بعد الحداثة ، كل ذلك شكل تطورا أذهل القاصي والداني وأبرز من الطاقات الخلاقة والخامات الواعدة ما كانت أحزاب العملية السياسية الخائبة تحاول طمسه عن عمد طيلة عقد ونيف لتظهرنا أمام العالم بمظهر المتخلفين والجهلة لا أكثر ، وهكذا هو حال الشعوب الحرة حين تصحو لترص صفوفها ، لتوحد كلمتها ، لتتجاهل اختلافاتها ، لتتناسى خلافاتها حينئذ لابد لشمس الحرية من أن تشرق على ارض الثورة من جديد ولو بعد حين رغما عن أنوف الحاقدين ومزدوجي الجنسية والتبعية .أودعناكم أغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here