تجديد العروبة

بقلم : شاكر فريد حسن

لا شك أن هنالك متغيرات شاسعة ضربت فكرة العروبة وسياساتها، ووصل الحد إلى اختفائها من الأفكار والسياسات، خصوصًا بعد رحيل الزعيم القومي العربي الخالد جمال عبد الناصر.

وكانت العروبة ظهرت كفكر ثم حركة جماهيرية عريضة دفعت إلى تأسيس الجامعة العربية، التي فقدت مصداقيتها في أيامنا هذه. وسرعان ما تحولت العروبة إلى استراتيجية وسياسات دول، وبفضلها تحققت الوحدة بين مصر وسوريا، وغدت مركز الثقل في الصراع مع المؤسسة الصهيونية والامبريالية الأمريكية.

وفي ظل الحرب الثقافية البارزة بدأ توظيف الاسلام السياسي في محاربة فكر العروبة القومي وسياستها، ومواجهة القوميين المندفعين باتجاه الفكر الماركسي الاشتراكي العلماني. وفي أواسط الستينات من القرن المنصرم اندلع الصراع الثقافي والايديولوجي الذي أضر بالفكرة العروبية كثيرًا، وشكل الانفصال في العام 1961 ضربة قاسية في صميم استراتيجيات العروبة.

وتقطر قلوبنا مرارة وألمًا مما آلت إليه التطورات في مصر بانتهاج حكامها سياسة خنوعة متساوقة مع المشاريع الاستعمارية الامبريالية، وصلت أسفل حضيض لها في صفقة كامب ديفيد، التي حيدتها وفصلتها وألغت وصَفَّت الدور الطليعي والسياسي البارز لمصر في حركة النضال القومي العربي وجعلتها فريسة سهلة للإمبريالية العالمية وحكام اسرائيل، وخدمة مشاريعهم التصفوية للقضية الفلسطينية.

ومنذ سنوات نلحظ في مرحلة المحنة والردة، وبعد غياب عبد الناصر، انتعاشًا للإقليمية الانعزالية، ونمو التيارات الدينية الاصولية والسلفية المتطرفة بما يعرف بالاسلاموفيا، أو الاسلام السياسي، فضلًا عن التمزق الحاصل بين الأقطار العربية، واشتداد الصراع الطبقي الاجتماعي، والارتماء في أحضان أمريكا والتهافت نحو التطبيع مع دولة الاحتلال والعدوان.

إن الاوضاع العربية الراهنة والتطورات السياسية المتلاحقة، تقتضي العودة إلى فكرة العروبة والعمل المشترك على كل المستويات وفي كل المجالات، ويحتم ثورات حقيقية ذات أبعاد عميقة وثورية واجتماعية وطبقية ذات توجه ديمقراطي يعطي الجماهير امكانية الممارسة الحقيقية للعمل السياسي والنقابي، وزيادة الوزن النوعي للعمال والفلاحين وكل الكادحين والمسحوقين في اصطفاف القوى الطبقية، صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير، الذي سيكون له التأثير العميق في المرحلة المقبلة من التطور القومي العربي. وها نحن نشهد بوادره في العراق ولبنان، من خلال ثورات الجياع التي تفجرت في البلدين منذ شهور عدة وما زالت تتواصل في الشوارع والميادين والساحات العامة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here