دائرة الفنون الموسيقية في مهرجان فني لإحياء صناعة الآلات الموسيقية

تضامن عبدالمحسن

برعاية وزير الثقافة والسياحة والآثار، عبدالامير الحمداني، وبحضور مدير عام دائرة الفنون الموسيقية، محمود عبدالجبار موسى، نظمت ورشة صناعة الالات الموسيقية وبالتعاون مع المركز الدولي للدراسات الموسيقية التقليدية، إحدى تشكيلات الدائرة، مهرجانا فنيا حمل عنوان “ورشة بغداد لصناعة الآلات الموسيقية التقليدية”، ليومين خلال الشهر المنصرم، في قاعة الشهيد عثمان العبيدي، (الرباط).

افتتح المهرجان مدير ورشة صناعة الالات الموسيقية، عازف العود سامي نسيم بكلمة رحب فيها بالحضور المتمثل بالمستشار القانوني لوزير الثقافة جبار الشويلي ونقيب الفنانين جبار جودي، والموسيقار الدكتور حبيب ظاهر العباس ومدير معهد الدراسات الموسيقية محمد عبدالرضا ورئيس جمعية الموسيقيين وصانع العود وشيخ الصناع فؤاد جهاد، وقامات الموسيقى العراقية الكبار.

القى مدير عام دائرة الفنون الموسيقية عبد الجبار محمود موسى كلمة بارك فيها الجهود الحثيثة للحفاظ على تاريخ العراق الموسيقي من خلال ديمومة الانشطة الفنية، مؤكدا (ان هذا الموضوع، ولاسيما منذ 2003 الى اليوم، لم يأخذ صداه واثره في الواقع العراقي، لكننا بهمة المخلصين لبلدهم ولثقافتهم وفنهم نقول نحن الآن في مرحلة صحية طيبة) لافتا الى ان حضور الفنانين الكبار وصناع العود الى هذا المحفل يؤكد كونهم من المخلصين الذين اهتموا بهذا النهج الثقافي الموسيقي.

هذا وقد تضمن المهرجان عدة فقرات فنية وثقافية تمثلت في افتتاح معرض للآلات الموسيقية، ضمت الآلات الموسيقية لصناع وعازفين رواد امثال شعوبي وصانع العود محمد فاضل وأخرين. كما كان هناك معرضا للكتب والمجلات ذات الاختصاص الموسيقي، ومعرضا فوتوغرافيا لصور رواد الموسيقى وصناع الآلات الموسيقية في العراق.

اما الندوات الثقافية التي اختصت بصناعة الالات الموسيقية فكانت بعنوان (دور ورش صناعة الآلات الموسيقية في الحفاظ على هوية الموسيقى الوطنية)، والتي شارك فيها كل من الدكتور حبيب ظاهر العباس والدكتور هيثم شعوبي والدكتور دريد فاضل الخفاجي. وورشة عمل عن صناعة آلة الناي قدمها الدكتور وليد حسن وصانع الناي جلال الشطري، والاستاذ في معهد الدراسات الموسيقية أحمد عارف. تلتها ورشة عن صناعة الآلات الموسيقية التقليدية في المحافظات العراقية قدمها الدكتور حبيب ظاهر العباس والدكتور صالح الفهداوي ومدير معهد الدراسات الموسيقية الاستاذ محمد عبد الرضا.

ومن فقرات المهرجان الحيوية كانت فقرات العزف المنفرد والجماعي، ساهم فيها كل من ثنائي العود سامي نسيم وعلي حسن لتقديم مقطوعة موسيقية، وفرقة منير بشير للعود، وكان لعازفي العود الطفلين عز وفهد فقرة موسيقية مميزة.

اما فقرة المايكرفون المفتوح للعازفين الشباب المحترفين والهواة في كافة الآلات الموسيقية التقليدية فقد قدمت شبابا عزفوا على الات الجوزة والسنطور والناي والعود والإيقاعات.

الافلام التسجيلية التي تناولت سيرة حياة صناع العود واستذكار مَن رحل منهم فقد احتلت جانبا من برنامج المهرجان الحافل، وهي لكل من صانع العود الراحل “ثابت البصري” والحديث عن تجربته، وآخر لصانع العود “فؤاد جهاد” الذي تم تكريمه خلال المهرجان تثمينا لدوره في الحفاظ على الة العود، وفيلم آخر جاء استذكارا لصانع العود “فائق محمد فاضل”.

صناعة العود المعوقات والتحديات

وللحديث عن صناعة الالات الموسيقية التقينا بعدد من الصناع للوقوف على التحديات التي يواجهونها نتيجة الإهمال وعدم الاهتمام من الجهات المعنية.

حيث أكد صانع العود إياد على ان اهم المشاكل التي تواجه صانع العود هو انعدام المواد الاولية من السوق المحلية، وشاركه جميع صناع الالات الموسيقية في ذلك الهم مما دفعهم الى شرائها من منشئها على حسابهم الخاص، وقد يتعثر الاستيراد بسبب قطع الطرق الدولية الخارجية الناجم عن سوء الاوضاع الامنية. مشيرا الى ان ورشة صناعة الالات الموسيقية في دائرة الفنون الموسيقية توقفت عن صناعة الالات لذلك السبب.

فيما أشار صانع العود محمد فائق محمد فاضل، وهو حفيد صانع العود الأشهر في العراق محمد فاضل، الذي أورث الحرفة لأبنه الراحل محمد فائق وأحفاده من بعده، أشار الى ان انواع الخشب المستخدم في صناعة العود يتمثل بخشب اشجار الجوز العراقي المتوافر في كردستان او يتم استيراده من تركيا وايران وكذلك خشب السيسم الهندي، وبسبب صعوبة استيراد الخشب وارتفاع ثمنه، يتم احيانا الاستفادة من قطع التحفيات والأثاث القديم المتوافرة، مضيفا الى ان الحكومة لاتستورد الخشب الخاص بصناعة العود ولا يوجد دعم لهذه الصناعة، لافتا الى ان ابسط دعم يتمثل في اقامة المعارض والورش الثقافية في داخل وخارج العراقة ليبقى اسم العراق الاول في صناعة العود.

اما عن حركة بيع وشراء العود فقد لفت الفنان محمد فائق الى ان شراء العود لم يعد كالسابق عازيا السبب الى انعدام الزيارات السياحية، وكذلك عدم المشاركة بالمهرجانات الدولية التي تقام خارج العراق.

تهميش صناعة الالات الموسيقية الاخرى

طالب معهد الفنون الجميلة للمرحلة المسائية، جلال الشطري، وصاحب ورشة لصناعة الناي في قضاء الشطرة بالناصرية، تعلم صناعته منذ العام 2012، وطور مهاراته ذاتيا، يؤكد على شحة المواد الاولية والمتمثلة بالقصب وافضله المتوافر في الحلة، الذي لم يعد موجودا، مشيرا الى ان افضل انواع القصب العراقي هو المعروف بالمرمر اذ انه لايتأثر بعوامل تغيير المناخ ودرجات الحرارة، مما دفع الصناع الى الاستيراد من ايران وتركيا والذي يعد مكلف بشكل كبير، وبالتالي يرتفع سعر الناي ويقل الطلب عليه.

فيما اشار الاستاذ في معهد الدراسات الموسيقية أحمد عارف مشعل وصانع الناي وآلة الجوزة، الى ان الة الجوزة تصنع من ثمرة جوز الهند والزند تكون من الخشب، وتتألف من اربعة اوتار واربعة مفاتيح، وان من الممكن صناعة الجوزة من الخشب، لكنها لن تعطي نفس صوت الجوزة الأصلية الذي يكون صلبا جدا ويعطي انعكاس جيد للصوت، كما انها لاتتأثر بمرور الزمن لطبيعتها الزيتية، مؤكدا على صعوبة استيراد ثمرة جوز الهند من مصر وايران وتركيا واذربيجان، اما الموجود في السوق فحجمه صغير وغير متناسق.

النهوض بصناعة الالات الموسيقية

وللوقوف على الحلول والمعالجات للحفاظ على الآلات الموسيقية والنهوض بصناعتها، فقد وجه عازف وصانع العود عمر محمد فاضل رسالة الى المهرجان جاء فيها (تأسست ورشة محمد فاضل حسين واولاده 1932 اي قبل تسعون عاما وهي الرائدة في صناعة العود والجوزة و القانون والسنطور والربابة والالات، وهي ورشة موثقة، لذا ورشتنا تتيح لنا ان ننصح في مجال عملنا لانها قانونية ورسمية وعميقة الجذور، وللنهوض بالورشة وإعادة تهيئتها علينا العودة الى تكليف الفنان منير بشير للجنة التي تشكلت بالامر الوزاري رقم 314 في 1992/9/8 السادة حبيب ظاهر العباس مدير الورشة وعمر محمد فاضل خبير الورشة وحسين قدوري وعبد الرزاق العزاوي ولويس توماس، وقد أقرت كيفية النهوض بالورشة وهي تاسيس شركة مساهمة من صناع الالات الموسيقية ولكن للاسف لم يتحقق، ونتيجة للاهمال والفساد الذي اصاب دوائر الحكومة تم تجميد الورشة، واليوم هناك مطلب جماهيري باعادة المعامل والورش للعمل وتحت شعار صنع في العراق) وفي ختام رسالته طالب عمر محمد فاضل بتفعيل قرار مجلس الوزراء رقم 288 لسنة 2019 (الموافقة على مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص) لتحقيق النهوض بالصناعة الوطنية العراقية.

فيما قدم محمد عبدالرضا ورقته البحثية والتي تضمنت تقديم توصيات لوضع الحلول الناجعة، وجاء في ورقته (على رغم التطور الكبير في عزف وصناعة آلة العود في العراق، الا انها تواجه العديد من التحديات والمخاطر خلال المرحلة الحالية والتي تشكل عاملا سلبيا يؤثر في رياديتها وبالتالي استمراريتها على المدى الطويل، شهد هذا الميدان تراجعا كبيرا في الدعم الحكومي في مختلف القطاعات الحرفية والثقافية، مما ادى الى اهمال التاريخ الثقافي للبلاد، وذلك بسبب اعتبار العود من الكماليات الذي لايحتل اولوية الانفاق لدى العراقيين.

كما كان لإرتفاع اثمان المواد الخام بسبب قلتها محليا مبررا آخر في تراجع صناعة العود).

فيما أشار في معرض حديثه الى ان تراجع الطلب على العود العراقي راجع الى ارتفاع اثمانه والمزاحمة الخارجية لهذه الصناعة الوطنية، والمتمثل بالاعواد السورية والتركية الرخيصة الثمن ما دفع العديد من هواة عزف العود في العراق اليوم الى شراء هذه الآلات المستوردة، ولهذا لم تعد آلة العود المصنوعة في الداخل تلقى اهتماما لتسويقها بالرغم من الطلب عليها خارجيا.

وفي ختام حديثه وضع التوصيات الى الجهات الحكومية والمتمثلة بوزارة الثقافة لإتخاذ خطوات جدية وحثيثة للحفاظ على هذه الصناعة ودعمها وهي اعادة النهوض بورشة صناعة الالات الموسيقية في دائرة الفنون الموسيقية، باعتبارها واحدة من اعرق الورش الرسمية بالمنطقة، والتي يلقى على عاتقها رفد السوق المحلية بالآلات الموسيقية، وتنمية المواهب الحرفية لصناعة الآلات المختلفة، كما دعا الى توفير مختلف المواد الخام الاساسية لصناعة الالات الموسيقية، واستقطاب المزيد من الحرفيين وزجهم بالملتقيات والمهرجانات الثقافية والمعارض الفنية محليا وعربيا لدعمهم معنويا وتعريف العالم بهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here