رأس السويد مُعلق على مشنقة الرياضيات

Attachment thumbnail

جادلَ بعض السياسيين في السويد منذ تسعينيات القرن الماضي بأن الرياضيات لا يلعب دورًا كبيرًا في المجتمع السويدي الحديث، وذلك لأن بمقدور الفرد استخدام أجهزة الكمبيوتر والآلات الحاسبة للتعامل مع احتياجاته اليومية بدلًا من التعامل مع المهارات الرياضية. ونتيجة لذلك، اسقطَ هؤلاء السياسيون التركيز على مادة الرياضيات في المدارس المحلية، باستثناء ربما العمليات الحسابية الأربع.

 وخلال السنوات الأخيرة، ظهرت نداءات السياسيين السويديين من مختلف المعسكرات بالإجماع إلى حد ما، للتأكيد على أهمية الرياضيات للمجتمع السويدي الحديث، وذلك لأن الاقتصادي السويدي بدأ يضعف تدريجيًا، حيث على سبيل المثال انخفض الناتج المحلي الإجمالي في السويد إلى 0.3% في الربعين الثاني والثالث من عام 2019 مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي 1.3% في نفس الفترة من عام 2018. وهذا يعني أن هناك  تباطؤ في الصادرات السلعية وانخفاض في الاستثمارات وارتفاع في الاستهلاك المحلي بين الأسر.

 عندما يتعلق الأمر بأهمية تقوية الرياضيات، فإن السياسيين السويديين اليوم محقون تمامًا، وذلك لأن الرياضيات موجود بكثرة في الحياة اليومية، وفي التكنولوجيا والصناعة، وفي الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والطائرات والسيارات والسفن والمعدات الطبية والالكترونية، بل لا يمكن تصور السويد، البلد الذي تم بناؤه على التكنولوجيا والصناعة الحديثة، دون المهارات الرياضية. والأهم من ذلك، يُعتبر الرياضيات ضروري جدًا للبحث والتطوير التكنولوجي للحد من الآثار غير المرغوب فيها لتأثيرنا البيئي البشري. وزيادةً على ذلك، ينبغي أن يكون جميع الأفراد في البلاد قادرين على تنمية المجتمع، وإدارة التخطيط لمالهم الخاص، وتحمل مسؤولية الإنتاج والاستهلاك، وهذا يتطلب القدرة على التمييز بين الكبيرة والصغيرة في المعارف الرياضية.

 تسير الصين في مختلف الحقول الرياضية بسرعة كبيرة جدًا، حيث استطاعت من خلال الرياضيات السيطرة على الأسواق العالمية، بل غزو بلدان عديدة بصادراتها التكنولوجية. ولكي تتمكن السويد من مواكبة التطور، يتوجب عليها أن تستثمر عدد كبير من الشباب ليكونوا مؤهلين كعلماء رياضيات ومعلمي رياضيات ومهندسين مدنيين واقتصاديين محترفين، وغيرهم الكثير من العناصر الكبيرة في عالم الرياضيات. وإذا لم يحدث مثل هكذا استثمار للطاقات الشبابية، فإن رأس السويد سيكون معلقًا على مشنقة الرياضيات خلال السنوات القليلة القادمة، حيث ستتخلف البلاد بسرعة، مما يؤثر سلبيًا على قدراتها التنافسية في مواجهة التكنولوجيا والصناعة الصينية، بل يؤثر أيضًا على قدراتها في مواجهة التهديدات البيئية والحفاظ على ازدهارها المالي.

 يعتمد ازدهار الاقتصاد السويدي اليوم على بقايا الابتكار العالي الذي شهدته البلاد تاريخيًا، حيث كانَ لديها قائمة طويلة من علماء الرياضيات، والذين أسهموا بصورة مباشرة في التكنولوجيا والصناعة السويدية ومن ثم اقتصادها. واليوم، تفتقر البلاد للدعم والتشجيع الصحيح للشباب ليصبحوا علماء رياضيات في المستقبل. أحد أسباب ذلك هو زيادة المعلمين غير المؤهلين وغير المصرح بهم لتدريس الرياضيات في المدارس السويدية، حيث تفتقر هذه الفئة إلى التعليم الأكاديمي في حقول الرياضيات المتشعبة مما يُقلل ذلك الدافع عند الطلاب لتعلم الرياضيات بسبب الصعوبات التي يواجهونها في حلول المشكلات الرياضية. ولحل هذه المشكلة ينبغي الحد من توظيف المعلمين غير المؤهلين وغير المصرح بهم لتدريس الرياضيات أو على الأقل إرسالهم للجامعات لتأهيلهم في جميع الحقول الرياضية. وعلاوة على ذلك، ينبغي تحفيز الطلاب على مواصلة تعلم الرياضيات في الجامعات السويدية بغية الحصول على عدد كبير من المعلمين المؤهلين والمصرح بهم لتدريس الرياضيات حيث سيكون لهؤلاء معرفة عميقة وواسعة بالرياضيات، سواء باستخدام البرامج الرياضية الالكترونية أو باستخدام الرياضيات التطبيقية، يمكن أن تلهم الشباب لتعلم الموضوع، وبالتالي المساهمة في الإنتاج الصناعي والتكنولوجي.

 والاستنتاج هو أن الرياضيات يحدد مستقبل السويد، إما النجاة من الدائرة أي المشنقة أو تنفيذ حُكم الإعدام بالبلاد. ولذلك، يجب دائمًا تذكر الدور الأساسي للرياضيات في مجتمعنا وسياستنا واقتصادنا وبيئتنا وثقافتنا.

 إيهاب مقبل

– بكالوريوس في الرياضيات – جامعة يافله/ عن أطروحة الحلول الجبرية والهندسية للمعادلات المكعبة بإشراف بروفيسور الرياضيات السويدي رولف شيلستروم.

–  دبلوم في الهندسة الكهربائية – الشرق الأوسط

– عضو نقابة المعلمين السويديين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here