” قصائد صادقة ” للشاعرة لميس كناعنة

بقلم : شاكر فريد حسن

بين يدي باكورة أعمال الصديقة ابنة الناصرة، لميس محمود كناعنة، ديوانها الشعري الموسوم ” قصائد صادقة “، الصادر عن دار المواكب العام 1984، ويقع في 122 صفحة من الحجم الصغير، ويضم مجموعة من تجاربها الشعرية الأولى التي كانت نشرتها في عدد من الصحف والمجلات المحلية. وهي نصوص وجدانية وعاطفية وإنسانية وسياسية ووطنية، سكبتها من روحها وكتبتها بمداد القلب والشرايين، وتتسم بالوضوح والسلاسة والرقة والعذوبة والأنوثة والحس الإنساني الجمالي والعاطفة الجيّاشة والايقاع الموسيقي والشفافية الدافئة، وتنساب انسيابًا ثريًا سلسًا في مضمونها وألفاظها وكلماتها وحروفها.

وتدل قصائد الديوان على موهبة شعرية مرهفة الحس، خصبة الخيال، وهي فعلًا عفوية صادقة بكل ما كتبت وما خط الفؤاد والوجدان من همسات ونبضات وترنيمات وانفعالات وومضات ومشاعر روحية عميقة صادرة وخارجة من السويداء والأعماق.

تطالعنا في مستهل الديوان مقدمة للشاعر المرحوم عمر حمودة الزعبي ” أبو فلسطين “، ومقدمة أخرى للشاعر المرحوم د. جمال قعوار ” أبو ربيع “.

فالمرحوم الزعبي يقول عنها : ” ولميس … في نظري شاعرة … صادقة، على قلة الصدق في شعرنا او في شعر كثيرين من شعرائنا وشاعراتنا، وما اكثرهم. فهي لا تنحت من صخر، ولا تغرف من بحر، ولا تفتعل ولا تتفذلك، تقول الذي تحس، بصدق وبموضوعية، برصانة وجدّية بلا تجميل ولا رتوش، وهذا ما يقرّه كل من يقرأ قصائدها، أو احدى قصائدها “.

في حين يقول الراحل د. قعوار : ” لم أشعر وانا اقرأ أشعار فتاة بمثل ما توحي به مجموعة لميس الصادقة، فهي امران متناقضان اذا جاز لي ان اقول : الرقة والقوة .. الرقة تتمثل في حديثها الى روح والدها، والقوة التي تعقبها في خطابها له “.

وتستهل لميس ديوانها بقصيدة كتبتها لروح والدها الكاتب والمؤرخ الأستاذ محمود كناعنة، أحد الأعلام الثقافية وأركان ثقافتنا المحلية وتراثنا وتاريخنا، الذي رحل عن دنيانا مبكرًا، قبل أن يتم مشروعه التاريخي ورسالته الثقافية، باحثًا عن الحقيقة، لكنه سيظل معنا بروحه الطاهرة، فتخاطبه بكل الإحساس الأبوي والرقة والجمال والصدق الشفيف، قائلة :

أيها الباحث في الاسفار عن وجه الحقيقة

ربما خَلًّفت بحثًا – او وثيقة

ربما اصبحت للتاريخ معلم

قل– أبِن – افصح – تكلم

أين مني أنت؟

اين البسمة النشوى الرقيقة ؟

اين – يا بنت أهدأي ؟ –

او اسكتي تلك الشقيقة؟

ايها النجم الذي شق طريقه،

كالحقيقة

وفي القصيدة ذكر وتثمين لدور والدها في تربيتها هي واخوتها على القيم والمثل والمبادئ الإنسانية النبيلة والحس الوعي الوطني التاريخي، وحب العلم والمعرفة، فتقول بكلمات مؤثرة تهز المشاعر :

كنت فينا ولنا

عِلمًا وجهدًا وشبابا

وابتساماتٍ والحانًا عذابا،

لم نكُن بَعْد شبابًا وصبايا،

كنت تحكي لي الحكايا

عن فلسطين

عن الأرض التي عَزت ترابا

عن صلاح الدين –

عن حطين

عن يبوس،

عن بيسان والقدس وعما

قلت لي .. عن وطن يبكي ويبكى

لَن يموتَ الحق، ما دُمنا طلابا

كنتَ عينَ الود والراعي – رواحًا ومآبا

جنة، تغني بما لذّ وطابا

وكتابا

رُحْتَ !!؟

كلا – ! لم تزل في بالنا مِلء الذهون

لم تزل

في لَيلنا، صبحًا يَطلُّ

لم تزل، خيمة حبِ تستظلُّ

أنت في القلب

وفي الروح، وفي دفء حنيني

وعيوني

وتخص لميس ايضًا أمها الحبيبة التي واصلت تربية أبنائها وأحسنت تربيتهم، وعلمتهم وزوَجتْهم، بعدد من القصائد، ولنسمعها وهي تخاطب أم الرجال والمثل الأعلى لها، قائلة :

أنت يا أمّ الصفاء

بل انت أصفى

فاحللي القلب مكانا

واسكني في العين حَبًّة

من سواكِ

يا ملاكي

بعد يتم الأب بالحسنى رعانا ؟

فربينا في جنانك

وتعلمنا المحبة

وتخلّقنا ببعضِ من خصالك

يا سراجًا ليس يطفا

دوحة انتِ

وإنّا في ظلالك

نتفياكِ

وتحيينا، رعاءً وأمانا

أما في قصيدتها ” انتماء الصمود ” فيتجسد بين سطورها انتمائها الوطني وهويتها الفلسطينية، ويتجلى الحُب والالتصاق بالوطن والتمسك بالجذور والصمود في ربوعه :

وحقِ انتمائي

لأرضي ومائي

وماضِ وآتِ

وشعب الإباءِ

وأهلي الأباةِ،

سأقتل صمتي

بسيف المَضاءِ

وارفع صوتي

وأعلنُ ذاتي

وأبصق في كل وجه بغيضِ

فلست كسير الجناح المهيضِ

أنا من عرفتم

نَفَضتُ

قيودي،

فزعتم وخفتم

أنا الحق يدوي دويَّ الرعودِ

أنا البرق يخطف أبصاركم بالوميضِ

أنا شمس حقٍ جَلِيِّ الرواءِ

تشيب الليالي

وَيبيَضُ جنح الغراب

وأبقى هنا

وفي قصيدة ” كفى ” تتوجه إلى المتاجرين بالقضية الوطنية وآلام وآمال شعبنا وتقول لهم بصوت عالٍ كفى :

كفاكم

مَلَت النفوس الوعودا

وكلامًا

لا نرى فيه مفيدا

كفى

رقصًا وتدجيلًا وكذبًا

وكلُّ مِنكم اكتظ رصيدا

فلستم قادةً نقفو خطاهم

ولستم إن حَمَت أسدًا وصيدا

غنيتم، واختلستم

وابتنيتم

على آلامنا القَصرَ المشيدا

إلى أن تقول في النهاية :

لكم خزيْ

فلستم للمعالي

وما كنتم، لها، يومًا جنودا

وفي الدواوين عناوين أخرى ذات نزعات إنسانية وطوابع اجتماعية وأبعاد وطنية، وقصائد عاطفية ووصفية، تحاكي الذات والنفس الانسانية والطبيعة الخلابة والجمال والليل والنهار.

وغني عن القول أن لميس كناعنة شاعرة في صفاء الماء، ورقة الهواء، وفي بوحها سهولة ووضوح ورقة أسلوب، وحروف حريرية، وكلمات أنيقة، وديوانها ” قصائد صادقة ” يمثل خطواتها الاولى على درب العطاء، وفي مسيرة الإبداع الشعري، ومنذ ذلك الوقت خطت خطوات كبيرة، وتطورت فنيًا وجماليًا، ورسخت أقدامها أكثر في حقول الأدب ، وأثبتت حضورها في المشهد الشعري الراهن، فأبدعت في ” طي ستائر الكتمان ” وأحسنت ” السفر بلا ضفاف “، و” أحبت بلادها ” أكثر، وسجلت ” أبجدياتها ” في ” أيامنا مواسم النهر الجاري “، فلها اسمى معاني الحب والتقدير وأجمل الأيام وأطيب الامنيات بالمزيد من العطاء والتألق والحضور الأجمل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here