لماذا القفز على الحقائق و الوقائع ؟ : لو لا الإدارة الأمريكية لما رسخ النظام الإيراني نفوذه في العراق .

بقلم مهدي قاسم

مع إنني ضد التكرار و الإعادة تجنبا لإثارة ملل القارئ و إهدار وقته الثمين ، ولكن مواقف البعض التبريرية أو الإنكارية ، أو بالأحرى محاولات التمويه عليها بحجج و ذرائع غير مقنعة تضطرنا إلى إعادة بعض الوقائع أو الحقائق التي أضحت من المسلمات بها أو تحصيل حاصل كواقعة تاريخية إنكارها سيبدو ضربا من عناد لا معنى له أو إصرار بلا طائل قطعا ..
و تأتي حقيقة الدور الأمريكي في نشر نفوذ و مصالح النظام الإيراني في العراق بعد إسقاط النظام السابق ضمن هذا السياق ، حيث قُدم العراق وهو لا زال محتلا من قبل قوات الغزو الأمريكية ـــ بكل مجانية عجيبة ــ على صينية من الذهب ــ كما يُقال ــ للنظام الإيراني عبر أزلامه القادمين من إيران في أعقاب غزو العراق و تسليم مقاليد السلطة والحكم لهم ، و كان النظام الإيراني سيكون غبيا جدا لو لم يستغل هذه الفرصة الذهبية ، لغرض بسط نفوذه السياسي و الأمني وتحقيق مصالحه الاقتصادية بالكامل في العراق ، حاله في ذلك حال أي نظام أو حكومة أخرى التي تسعى إلى بسط نفوذها وتحقيق مصالحها في أي بلد آخر عندما تتاح لها فرصة ذهبية و نادرة من هذا القبيل .,.
إذن لا يمكن فصل انتشار و تقوية النفوذ الإيراني في العراق عن تبعات ونتائج عملية الغزو الأمريكي المباشرة والرئيسية وما ترتب عليها من مظاهر خراب و دمار و فساد ، وكيف كانت قوات الغزو ، سوية مع الحاكم المدني اللص بول بريمر يتفرجون ، يوما بعد يوم ، حيث يقوم أزلام النظام الإيراني ــــ من عبيد عراقيين عملاء و خونة ــ بالعلن ــ يقومون بترسيخ سلطتهم في هرم مؤسسات الحكومة والدولة والسيطرة الكاملة عليها ، بل ومذهبنة دوائر الدولة العراقية بشعائر و طقوس و شعارات طائفية أصبحت جزء من تقليد رسمي للدولة ــ بتواز مع تقدم وزيادة النفوذ الإيراني ــ بل يمكن اعتبارها ، أي عملية الغزو المتسبب الأول لانتشار هذا النفوذ على هذا النطاق الواسع و الفريد من نوعه في عالمنا المعاصر المتسم باستقلالية غالبية الدول مع التمسك بسيادتها الكاملة..
وبما أن كلا البلدين ، أي أمريكا و إيران ليستا عبارة عن جمعيات خيرية ، أنما عبارة عن حكومتين تسعيان إلى تحقيق مصالحهما و نشر نفوذها في أي بلد من بلدان العالم ، إذا سنحت لهما الفرصة ، فالأولى أي الإدارة الأمريكية تفعل ذلك تحت شعار نشر الديمقراطية والدفاع الكاذب عن حقوق الإنسان ، بينما الثانية أي النظام الإيراني تحت شعار نشر الثورة الإسلامية أو التشَّيع ، ففي النهاية لا الإدارة الأمريكية بنت أو اسست الديمقراطية في العراق، بدليل مقتل ما يقارب عن خمسمائة متظاهر و جرح و إصابة بضعة آلاف منهم ، في حين نحن نعرف أنه تحت ظل النظام الديمقراطي ( دون الحديث عن مظاهر الفساد و الفشل و تلكؤ الخدمات ) لا يُقتل المتظاهر مهما قام بعض منهم بأعمال شغب و تخريب ( نذكر هنا متظاهري اليونان أبان الأزمة الاقتصادية الخانقة و الذين كانوا يقذفون الشرطة بقنابل المولوتوف و يحرقون المحلات و البنوك ، هذا فضلا عن متظاهري فرنسا حيث لم يُقتل في كلا الحالتين ولا متظاهر واحد ) أما بالنسبة للنظام الإيراني و ما تسمى بثورته الإسلامية و تحت ذريعة نشر ” التشَّيع ” في العالم ، فقد كنا و غيرنا شهود عيان على إعطاء الأولية القصوى لنشر نفوذه و مصالحه ، و كذلك إصراره على أية نماذج فاسدة و عصابات لصوص أن تستلم مقاليد السلطة والحكم ، و أن تقوم هذه النماذج الفاسدة والفاشلة هي بالذات بإدارة أمور و شؤون الدولة العراقية إدارة فاسدة و فاشلة لأقصى حد ، و كانت نتائج ذلك هو هذا الخراب الهائل و الفشل الذريع والماحق الشاخصين أمامنا الآن بكل ضراوة و فظاعة ! ..
فلماذا أن مراجعة من هذا القبيل تثير حنق البعض و انزعاج البعض الآخر سواء للموالين للنظام الإيراني أو للإدارة الأمريكية و صعوبة تقبلها ؟!..
نقول كل هذا منطلقين من حقيقة كون الطبيب لا يقوم بمعالجة المريض دون معرفة الظروف و الأعراض المتسببّة للمرض ، و مريضنا نحن حاليا هو العراق المصاب بأعراض إيرانية و أمريكية قوية والعلاج الناجع لا يبدأ و لا ينجح إلا بتخليص العراق من هذه الأعراض و القاتلة و التي أخذت الآن تتسارع منتشرة في جسد العراق بهدف القضاء عليه من خلال اشتداد الصراع الأمريكي و الإيراني على أرضه ..
فليعلم البعض ــ إذا كان لا يريد أن يعلم ــ إن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مستقلة و ذات سيادة لها مصالحها الاستراتيجية وهي تبذل كل جهدها و قوتها الهائلة من أجل تحقيقها في كل أرجاء العالم ، ونفس المواصفات و السعي و الجهود تنطبق على إيران أيضا .
طيب : لماذا يجب أن يكون العراق استثناء من أن يكون مستقلا و ساعيا إلى تحقيق مصالحه مثل أمريكا و إيران ؟ ..
هذا السؤال نوجهّه إلى كل من أتباع إيران وأنصار أمريكا في آن ، من عراقيين منحازين للطرف الإيراني و الأمريكي ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here