العلاقة الجدلية بين السياسي والمثقف

الكل يعرف أن السياسيين المحترفين هم الذين يتصدرون لكل شاردة وواردة من المستجدات التي تجري على الساحة بأشكالها الغامضة بالخديعة أو بالسرية، والمستجدات التي لا إلتباس ولا إبهام فيها، كذلك الشريحة المثقفة والتي هي العنصر الآخر والقوة المكملة لشريحة السياسيين عندما يكون الطرفان يمثلون الشعب والوطن بكل مصداقية في كل مجالات الحياة (سياسية واقتصادية واجتماعية وغير ذلك)، إذن فالشريحة السياسية والأخرى الشريحة المثقفة تعتبران القوة الفاعلة والحامية والموجهة للمجتمعات البشرية المعاصرة، وإذا كان هناك خلل في مجتمع ما ، فهذا يعني ان الخلل الأساسي هو في الشريحة السياسية والشريحة الأخرى المثقفة .

ولكن من الغريب اليوم ما نشاهده ونسمع من تصريحات لا تعبر عن الواقع ومايجري من أحداث حساسة، تدل على انها لم تأت من مختبر تحليلي علمي ، ومن هذه التصريحات الكثيرة من السسياسيين والمثقفين هي ( تجنيب بلادنا من مخاطر إنزلاق العراق لكي لا يكون طرفا في الصراعات الأقليمية ( أي المقصود هنا ايران وأمريكا )، وكأنهم فقدوا البصر والبصيرة في ما فعلته القوة الشريرة الكبرى في العالم (أمريكا) ، ولا أفهم هؤلاء الذين يصرحون مثل هذه التصريحات ويوجهون البوصلة الى مشكلة إيرانية أمريكية، وهم هنا يجهلون او يتجاهلون تأريخ أمريكا الأجرامي بحق الشعوب الآمنة، وتدخلاتها في كل شؤون العالم ونشر الخراب والدمار والحروب والفتن والهيمنة والأستعباد للشعوب وسلبها حريتها ، والأستحواذ على كل خيراتها ، ولا اريد

سرد كل ماقامت به امريكا من جرائم بحق شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوربا ، لأنه لا تعد ولا تحصى ، وتحتاج الى مجلدات وكتب ، ومحاضرات تبدأ ولا تنتهي ، ولكن هنا نتناول جرائم أمريكا الأخيرة بحق العراق أرضا وشعبا في قصفهم مواقع الحشد الشعبي الذي ناضل وجاهد بالدم والروح وبالغالي والنفيس في قمع ودحر قوى الشر والعدوان على العراق المتمثلة بداعش ( دولة الخرافة الظلامية المتوحشة ) التي صنعت في مصانع الأجرام الصهيو- أمريكية ، وكذلك عملهم الأجرامي قرب مطار بغداد باغتيال كوكبة من خيرة الأبطال المجاهدين وفي مقدمتهم الجنرال قاسم سليماني والمجاهد أبو مهدي المهندس الذين واجهوا عصابات داعش الأجرامية بكل قوة وايمان وإرادة فولاذية ، أمّا الجرائم الأمريكية الممتدة من التسعينات بدءً بالحرب الكبرى المتوحشة على العراق مع حلفائها وما تبعها من حصار ظالم الذي راح ضحيته مئات الآلاف

من الأطفال ومكونات الشعب الأخرى التي عانت معاناة أليمة من ذلك، الى أن ارتكبت أمريكا أكبر جرائمها باحتلال العراق وغزوه وتدمير كل مؤسساته والبني التحتية ، وما خلفه الأحتلال من خراب ودمار وفساد على كل المستويات الأقتصادية والسياسية والأجتماعية وخربوا كل ما لم يُخرب، ونهبوا ما لم يتمكن الجرذ المقبور وأذنابه من نهبه والفرار به …والكثير من الجرائم التي لا يمكن عدها وإحصائها بحق العراق ، وهي مستمرة حتى هذه اللحظة !

فكل ما يعانيه عراقنا الجريح اليوم هو بسبب جرائم امريكا الوحشية بحق عراقنا، شعباً وأرضاً.

فهنا نتساءل ما الربط بين العدوان الأمريكي على العراق والصراعات الأقليمية

في هذه التصريحات التي تدعو الى تجنيب بلادنا من إنزلاق العراق لكي لا يكون طرفا ًفي الصراعات الأقليمية ، والمقصود منها إيران وأمريكا ، وقد بينّا غيض من فيض ، أو قطرة من بحر من جرائم أمريكا في كل بلدان العالم ، قبل أن تنتصر الثورة الأيرانية وبعدها ، ومثال واحد لا أكثر هو فيتنام ، هل كان الأعتداء عليها بسبب الصراعات الأقليمة ؟!!

وهل هذه التصريحات التي تدعو عراقنا شعباً وحكومةً الى الصمت وسكاكين العدو الأمريكي المتوحش على رقابنا، لأن المشكلة هي صراعات إقليمية بين إيران وأمريكا ، وهل علينا أن نصمت حين تذبحنا سكاكينهم كالخراف، وينبغي علينا أن لا تفلت من حناجرنا كلمة ( آخ ) …؟

أم فقط مسموح لنا أن نقول ما نشاء من كلام وسباب وصراخ على بعضنا ، ومسموح لنا أن نقتل بعضنا البعض وفي وضح النهار و بافتعال مختلف العلل التي نراها مناسبة لذلك ؟

وهل القواعد الأمريكية التي هي هنا وهناك في بلادنا فلا علاقة لنا بها ولا يسمح لنا التحدث عنها ؟ وأمّا الجرائم التي ارتكبتها أمريكا الآن وسابقاً ولاحقاً، فيجب علينا أن ننساها ، وأهم شئ أن نلتزم به هو ( تجنيب بلادنا مخاطر إنزلاق العراق لكي لا نكون طرفاً في الصراعات الأقليمية إيران وأمريكا . فالأمريكان يحق لهم أن يفعلوا ما يشاؤا في العراق، لأنهم أحفاد حمورابي والعراق هو إرثه لهم، أما إيران( بره بره) كما تريد أمريكا وأقزامها الأذلاء !

فهل هذه التصريحات الغريبة العجيبة ( تجنيب بلادنا مخاطر إنزلاق العراق لكي لا يكون طرفاً في الصراعات الأقليمية ) ولزوم الصمت عن السكاكين التي هي على رقابنا ، هل انها مقدمة لتصريحات قادمة منكم الينا في ( أن ننبطح على بطوننا ونضع أيدينا خلف رؤسنا ) ونترك أجسادنا جسوراً تحت ( بساطيل الجنود الأمريكان القذرة ) ؟!!

فالعدوان الذي قامت به امريكا بخرق اجواء دولة ذات سيادة واغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس والقيادي الكبير في الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس ، ليس بسبب الصراعات الأقليمية بين ايران وامريكا يا سادة ، وانما السبب الحقيقي والجوهري هو لمواجهة اي خطر على الكيان الصهيوني ، واغتيال هذه الكوكبة المجاهدة والمناضلة باعتبارها جزءً من محور المقاومة.

ايها الأحبة نرجو منكم أن تكونوا دقيقين في ما تطلقونه من تصريحات ،ونحن نأمل ذلك منكم ، وكما قلت أعلاه : إذا كان هناك خلل في مجتمع ما ، فهذا يعني ان الخلل الأساسي هو في الشريحة السياسية والشريحة الأخرى المثقفة .

الدكتور ابراهيم الخزعلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here