التواجد في العراق يجبي ثمنا من الولايات المتحدة،

ولكن حتى الانسحاب لم يخدمها

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 10/1/2020

” واشنطن وبغداد غير راضيتين عن الثمن الذي يجبيه منهما التواجد الامريكي في العراق. ولكن زعماء الدولتين يعرفون أن الانسحاب الشامل للولايات المتحدة لن يحسن الوضع، وهو بالاساس سيخدم ايران “.

الرئيس العراقي برهم صالح قال إن السفارة الامريكية في بغداد نقلت اليه مسودة مشروع قانون العقوبات الذي يهدد ترامب بسنه. صالح لم يعط أي تفصيلات عما كتب في مشروع القانون، ولكن يبدو أنها تشمل تجميد جميع النشاطات الامريكية في العراق، ومنع تعاون الشركات الامريكية مع الشركات العراقية، واغلاق السماء العراقية والاعلان عن حصار بحري.

كل هذه الامور تجعل بغداد لا تتعامل مع تهديدات البيت الابيض باستخفاف. وفي النقاش الذي جرى حول القانون في البرلمان حاول رئيس البرلمان، محمد الخلبوصي اقناع “الاخوة الكبار” الشيعة بـ “العمل من اجل مصالح العراق ومصالح السنة والاكراد”، وعدم المصادقة على القانون. وباستثناء الخلبوصي فانه لم يشارك في البرلمان اعضاء برلمان من السنة أو الاكراد. الشيعة لم يستجيبوا لتوسلاته، والآن فقط عائق قانوني يتعلق بصلاحية الحكومة الانتقالية يمنع تطبيق القانون.

رئيس الحكومة الانتقالية عادل عبد المهدي اعلن بأنه يؤيد طرد القوات الاجنبية من العراق، لكنه يعرف جيدا المغزى العملي لهذا الطلب. رئيس الحكومة يخشى وبحق بأنه بدون مساعدة جوية امريكية ومواصلة برنامج التدريبات الذي أهل تقريبا 200 ألف جندي، سيجد العراق صعوبة كبيرة في الوقوف في مواجهة محاولة قوات داعش لتجديد الهجمات. وبناء على ذلك، اقترح على اعضاء البرلمان صيغة لينة، بحسبها يجري العراق مفاوضات جديدة حول اتفاق تعاون عسكري مع الولايات المتحدة يتم فيه تحديد عدد الجنود الذين سيسمح لهم البقاء في العراق ونوعية مهماتهم.

ليس فقط داعش هو الذي يهدد العراق. فتصاعد الصراع الداخلي الذي أدى الى استقالة الحكومة كشف الى أي مستوى وصلت تحكم ايران بالعراق. المليشيات الشيعية في العراق التي تشغلها ايران استخدمت وسائل قمع دموية أدت الى قتل 450 شخص واصابة 25 ألف شخص. ورغم أن حكومة العراق دمجت المليشيات الشيعية في جهاز الامن وبدأت بدفع رواتب اعضائها، إلا أنها ليست المسؤولة عنها.

القائد الفعلي أبو مهدي المهندس الذي قتل مع قاسم سليماني، تلقى التعليمات المباشرة من سليماني، الذي اعتبر المسؤول عنه. وقيس خزعلي، العضو في البرلمان وقائد مليشيا عصائب الحق، هو الحليف المقرب من ايران. وقد كان الخزعلي سجينا لدى القوات الامريكية في العام 2007 – 2008 بسبب نشاطات

ارهابية ضد قوات التحالف. واصبح الآن مطلوبا منذ اعتبرت القوات الامريكية قواته منظمة ارهابية. وقد نزل تحت الارض ومن هناك يواصل تشغيل عصاباته.

في هذا الاسبوع نشرت قيادة المنطقة الوسطى الامريكية عددا من تقارير التحقيق الذي جرى مع الخزعلي في 2007. وحسب التقارير فقد باع اسماء المتعاونين مع ايران وعلى رأسهم مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الانفصالي. وحسب الخزعلي فان الصدر قد تلقى مبالغ كبيرة من ايران كي تنفذ مليشياته “جيش المهدي” عمليات ضد الامريكيين. توقيت نشر هذه التقارير ليس صدفيا. الولايات المتحدة تحاول تشويه صورة الخزعلي وتوسيع الشرخ بينه وبين الصدر للتأثير على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

المعارضون للمليشيات الشيعية قالوا إن استمرار التواجد الامريكي يمنع ايران من استخدام جميع قواتها ضد الحركات الاحتجاجية في العراق، وتصفية احتمالات تغيير نظام الحكم هناك وتحويل الدولة الى فرع ايراني كامل.

محللون في العراق يعتقدون أن الهجوم الامريكي على قواعد المليشيات الشيعية في نهاية شهر كانون الاول دعم المظاهرات. وقد قالوا إن هذه رسالة امريكية للسلطات العراقية وايران من اجل كبح القمع الوحشي، وتلميح لأي رئيس حكومة جديد سيعين عن طريق البرلمان بأن الولايات المتحدة لن تترك معاقلها السياسية لصالح ايران.

ولكن التحليل العراقي لا يلزم السياسة الامريكية، وبشكل خاص لا تلزم الرئيس ترامب، الذي مسألة الديمقراطية في العراق تعنيه مثل الديمقراطية في سوريا أو في الصين. والسؤال الذي يطرحه عدد من مستشاري ترامب المقربين عليه هو هل العراق هو ذخر استراتيجي أم عبء يستنفد مليارات الدولارات من خزينة الولايات المتحدة.

الدولة التي تحتفظ باحتياط النفط الخامس من حيث حجمه في العالم هي دولة مدينة بنحو 115 مليار دولار في العام 2019، ويتوقع أن يصل دينها الى اكثر من 128 مليار دولار في العام 2021. العراق يجد صعوبة في أن يوفر لنفسه الكهرباء والوقود، وشبكة المياه فيه متهالكة وغير مستقرة. ترامب يمكنه الحلم بأن تستطيع بغداد الدفع مقابل قاعدة سلاح الجو التي أنشأتها الولايات المتحدة في العراق. وبدون دعم القوات الامريكية فان شركات النفط وشركات امريكية اخرى لن تبقى في العراق. وقوات الحماية الخاصة التي تستأجرها هذه الشركات لا تستطيع تقديم الحماية المطلوبة في حالة هجوم شديد للمواطنين. وبالاحرى للقوات العسكرية أو شبه العسكرية مثل المليشيات المحلية. ولكن مشكوك فيه اذا كان دافع الضرائب الامريكي سيوافق على تقديم امواله من اجل مواصلة نشاطات هذه الشركات الامريكية في العراق. في هذه الاثناء يبدو أن التهديدات الامريكية بفرض عقوبات على العراق ستبقى في اطار التهديدات.

من ناحية عسكرية، العراق ليس المعقل الأهم بالنسبة للولايات المتحدة. فهي توجد لها قاعدة كبيرة في قطر وقواعد اخرى في البحرين والكويت والسعودية. وفي العراق نفسه يخدم نحو 6 آلاف جندي ومدرب. وهذا ليس بالعدد الكبير الذي يشير الى تفوق عسكري مرتفع بشكل خاص، لا سيما عندما تكون الذريعة الاساسية لتواجدهم وهي الحرب ضد داعش، تم الاعلان بأنها قد وصلت الى نهايتها. العراق اوضح للولايات المتحدة بأنه لن يسمح لها أو لأي جهة اخرى باستخدام اراضيه كنقطة انطلاق لهجمات ضد ايران، كما أن المبرر الاستراتيجي الاكثر اهمية للوجود الامريكي في الخليج لا يمكنه الاستناد على العراق.

يمكن تفهم غضب ترامب من القانون العراقي الذي يطالب باخراج القوات الامريكية من العراق. ليس من اللطيف أن تكون مطرودا، وبالذات من قبل المدينين لك بالمليارات. ولكن حتى اذا كان الرئيس يريد الانفصال عن الشرق الاوسط فهو سيضطر الى الانتظار. الولايات المتحدة يمكنها سحب جزء من قواتها في العراق دون المس بآلتها العسكرية، لكن لا يمكنها أن تقلص بصورة كبيرة القوات الموجودة في الشرق الاوسط، وبالاساس في الخليج الفارسي، وبالاحرى عندما يكون من غير الواضح الى أين تتطور المواجهة مع ايران.

ترامب لا يريد مواجهة مع رد يشبه الرد الذي حصل عليه عند اعلانه عن الانسحاب من سوريا. فقد وجه اليه الانتقاد في الكونغرس ومن اصدقاء للولايات المتحدة، الذين قالوا إن الامر لا يتعلق بخطوة تعرض الاكراد للخطر، بل هو هدية للتحالف الروسي – التركي. وفي نهاية المطاف تم تجميد الانسحاب الامريكي.

اضافة الى ذلك، اذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من الخليج، وهو الامر الذي سيزيد التهديد على السعودية ودولة الامارات والبحرين. وفي ظل غياب الدعم والدفاع الامريكي فان هذه الدول ستضطر الى البحث عن دعم آخر والدولة العظمى الوحيدة التي ستخطر في البال كبديل للولايات المتحدة هي روسيا.

ترامب قال أول أمس إنه يتوقع أن يأخذ حلف الناتو على مسؤوليته جزء اكبر في الدفاع عن منطقة الخليج. والقصد هو ليس أن تقوم قوات الناتو باستبدال الدور الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج، بل أن تشكل تعزيز لها. إن اظهار قوة مشتركة امام ايران هو امر حيوي كجزء من الجهود الدبلوماسية لوقف التحطم الكامل للاتفاق النووي الآخذ في التلاشي، كلما حررت ايران نفسها من القيود التي فرضت عليها.

اذا كان ترامب جديا في نية تجديد المفاوضات مع ايران ومحاولة صياغة اتفاق جديد فهو لا يمكنه في نفس الوقت سحب القوات الامريكية من الخليج. فهذه الخطوة ستخفف التهديد العسكري الذي يطمح الرئيس الامريكي بالحفاظ عليه امام طهران

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here