إنها فرصة، فلا تضيعوها!

فاروق حجي مصطفى
13 كانون2/يناير 2020

الكل يتحدث عن الفرص، وكيفية استغلالها، بيد أنّ القليل يقتنصها.

هناك مقولة يرددها العامة مفادها، بأن الإنسان تأتيه ثلاث فرص خلال عمره إما أن يستغلها أو يضيعها؛ فمن استغلها ركب مسار الحياة وصار المواطن المتفاعل في شأن ما من الشؤون العامة، وإن أضاعها فيصبح العمر بالنسبة له عبئاً ويقع على هامش الحياة وشؤونها.

استطرادًا، نتحدث عن الفرص وأهميتها على مستوى القضايا الكبرى ومقاربة فاعلينا لها.

مرت على الحركة الكوردية على الأقل أربع فرص.

الفرصة الأولى إبان تشكيل الدولة السورية في القرن الماضي، وهنا لا علاقة للحركة الكوردية بها، كونها ما كانت موجودة أصلاً، لكن علاقة النخبة الاجتماعية بها بشكل أساسي، اذ هذه النخبة الاجتماعية كانت تدير شؤون الناس وتقرر مصيرهم؛ فأضاعت تلك النخبة فرص بلوغ الكورد وفرص أن يكونوا جزءاً من مشيئة الدولة السورية وهي في طور التكون. أحد أسباب ضياع هذه النخبة الاجتماعية هي انقسامها على نفسها وتوزعها على عدة محاور، ما هو اقليمي وما هو دولي وما هو وطني.

والفرصة الأخرى عند تشكيل الدولة السورية ما بعد جلاء الفرنسيين، حيث نخبتنا لم يكونوا في مقام التفاعل مع مؤسسي الدولة من انطلاقهم على أنهم يمثلون مكوناً لهم تاريخ وحضور ووثائق تثبت أحقيتهم ليكونوا جزءاً من المستقبل السياسي في الدولة وسرعان ما خفي ظلهم، وطمرت الحركة القومية العربية وجودهم بعد أن طافت مشاعر العروبة على المشهد.

عند انقلاب البعث في السبعينيات لم تكن الحركة الكوردية في مقام تكون فيها قادرة لتكون جزءاً من النشاط العام في سوريا، ولعلهم اخفقوا في انتزاع ليس حقوقهم فحسب إنما وجودهم كقوى سياسية؛ وفي فرصة صراع البعث مع الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن المنصرم فشلنا في حسم موقفنا من خلال عرض قضيتنا القومية على طاولة التجاذبات المحلية.

وفي فرصة التسعينيات، والتي كانت فرصة ثمينة، حيث وضع النظام أمام استحقاق التغيير بعد عاصفة الصحراء، واستطاعت الحركة إيصال عدد من ممثليها إلى “مجلس الشعب” لكن سرعان ما فشلت في عملية البناء أو التأسيس وفق هذا التطور أو استثمار مرحلة ووجودهم في أحد أهم السلطات.

وعند وفاة حافظ الأسد، غالبية أحزاب الحركة فشلت في فتح صفحة جديدة مع النظام وفي الحياة العامة.

وعند انتفاضة ٢٠٠٤ أي “أحداث قامشلو” بالرغم من اضطرار النظام للتفاوض مع الأحزاب إلا أن العقل الحزبي لم يكن بمستوى الحدث، وتاليّاً خسرنا في تغيير مقاربة النظام لقضايانا.

وعند ظهور المعارضة وإعلان دمشق كان الكورد يزاودون على شركائهم بالوطنية.

وفي مرحلة ما بعد ٢٠١١ أي ما بعد الثورة عادت الأحزاب لتمارس طقوس الانقسام والكيل بالمهاترات، وفشلوا في بناء أفق سياسي يطمئن بال الناس على مستقبلهم ويضع الأطراف ذات الشأن في سوريا أمام مسؤولية عدم القفز على الكورد.

وهنا لا بد من ذكر عبرتين:

-الأولى هو أن الكورد يفسرون قضيتهم على أنها قضية قابلة للأخذ والرد، وتاليّاً عجزوا عن تقديم قضيتهم على أنها قضية والكل أمام استحقاق حلها، وأن عدم حلها يعني تمهيدًا لنزاع جديد في سوريا.

والعبرة الثانية، هي أن الكورد، ونقصد هنا الأحزاب، اخطأوا في تقديراتهم عند النظر إلى المسار العام لسوريا، وبالتالي فشلوا في صياغة كيان سياسي متناسق ومنفتح على جميع الخيارات.

والحال، أننا أمام مسؤولية تاريخية، وهي فرصة بطبيعة الحال، ولعل توصيف هذه الفرصة بأننا إذا كنا في وقت سابق نخاف من عدم بلوغنا لحقوقنا، فإننا اليوم أمام معضلة صعبة وهي أننا أمام ضياع وجودنا التاريخي وتوزعنا الجغرافي، فالفرصة تكمن في كيفية إيجاد حامل للقضية، وميكانيزم نضالي لرص الصف السياسي؟!

والمقال بكلمتين:

“إن كنت خائف من برد الشتاء يوماً، فمن المهم أن تكون حذرًا من عواصف هذا الفصل فهي أشد ضراوة !”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here