هل تنجح قطر في نزع فتيل الحرب في المنطقة؟

ساهر عريبي
[email protected]

أجرى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر, زيارة قبل أيام إلى طهران أثارت تساؤلات حول مدى قدرة الدبلوماسية القطرية على ننزع فتيل الحرب في المنطقة, كما انها أثارت اهتماما وجدلا كبيرين بين المراقبين. وتعود ردود الفعل المتباينة على هذه الزيارة نظرا لأنها جاءت في وقت حساس وعصيب تمر به المنطقة, إذ وصل التوتر إلى ذروته عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني, فقد استهدفت الصواريخ الإيرانية قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم قوات أمريكية.

كما تزامنت هذه الزيارة مع إسقاط القوات الإيرانية لطائرة مسافرين أوكرانية بسبب خطأ بشري كما قالت إيران, ادى إلى إزهاق أرواح 176 مسافرا أغلبهم من الإيرانيين ومن حملة جنسيات بلدان أخرى ككندا وبريطانيا والسويد ودول أخرى, بالإضافة إلى طاقم الطائرة الأوكراني. ولذا فإن توقيت هذه الزيارة في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة عامة وإيران بشكل خاص, لا يخفي الدوافع والأهداف التي تقف خلفها, خاصة وإنها الزيارة الأولى لأمير قطر إلى إيران منذ توليه حكم البلاد عام 2013.

لكن المراقبين والمحللين انقسموا حيال الدوافع التي تقف خلف هذه الزيارة, التي ظهر إلإهتمام بها جليا عبر الإحتفاء الإيراني الكبير بالزائر الضيف الذي استقبله المرشد الإيراني السيد علي خامنئي, الذي يحجم عادة عن استقبال الضيوف الخارجيين مستثنيا المهم منهم, إما لثقل الدولة التي يمثلها كما هو عليه الحال عنداستقباله للرئيس الروسي فلاديمير بوتين, او لثقل المهة التي يضطلع بها كما هو عليه الحال مع أمير قطر.

الثقل الدولي

ومما لا شكل فيه أن قطر بات لها ثقل دولي وإقليمي بالرغم صغر حجمها. فقطر أصبحت وأحدة من أغنى دول العالم, ويعود ذلك لكونها ثالث مصدر للغاز الطبيعي في العالم و تبلغ إحتياطاتها من الغاز الطبيعي نحو 15٪ من الإحتياطات العالمية, كما وأن لديها خطة طموحة لرفع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 126 مليون طن سنوياً بـحلول العام2027 , لتحتل مكانة متقدمة على صعيد تصدير الغاز عالميا. إن هذا الإنتاج والإحتياطات الضخمة من الغاز وحسن إدارة قطر لهذا القطاع الحيوي من الطاقة منح قطر ثقلا اقتصاديا مؤثرا سواء على صعيد العالم او المنطقة.

الثقل الإقليمي

واما على الصعيد الإقليمي فقد لعبت قطر دورا كبيرا في دعم ثورات الشعوب العربية خلال ماعرف بالربيع العربي وبلااستثناء, وبضمنها الثورة البحرانية بالرغم من خصوصيتها. فهذا الدعم الذي قابله عداء سعودي- إماراتي عبر دعم قوى الثورة المضادة لتطلعات الشعوب العربية التي ثارت ضد الأنظمة الدكتاتورية, منح قطر مكانة في المنطقة بحكم دورها المؤثر خلال الربيع العربي وبحكم تقدير شعوب المنطقة الثائرة للدور القطري. ومن ناحية أخرى فإن قطر تحتفظ بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع في المنطقة وهما جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية.

العلاقات الأميركية-القطرية

فقطر تستضيف القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في قاعدة العديد التي تم إنشاؤها في العام 1996. ولم يكن سبب إنشاء هذه القاعدة رغبة قطرية في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة في مواجهة إيران, بل إن بناءها كان احد تداعيات الغزو العراقي للكويت عام 1990. ذلك الغزو أثار قلق دول الخليج التي أصبح مستقبلها مهددا مخافة تكرار هذه التجربة المأساوية مستقبلا, فسارعت إلى إبرام اتفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة عقب عملية عاصفة الصحراءالتي انتهت بتحرير الكويت عام 1991. أبرمت بعدها وزارة الدفاع القطرية مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) اتفاق تعاون دفاعي تم توسيعه فيما بعد عبر بناء قاعدة العديد الجوية.

العلاقات القطرية-الإيرانية

واما علاقة قطر بايران فقد كانت جيدة ولم تشهد توترات خلال السنوات التي سبقت تولي الأمير الجديد لمنصبه خلفا لوالده, لكنها تعززت في عهد الأمير الجديد وخاصة على صعيد الإقتصادي. فالدولتين تتقاسمان الإنتاج في حقل الغاز المشترك بين إيران وقطر، وحصة إيران تسمى بــ “پارس جنوبي” وحصة قطر وهي الأكبر بـ” حقل غاز الشمال”، وهو حقل غاز طبيعي في الخليج, وحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية فإن هذا الحقل يضم نحو 51 ترليون متر مكعب من الغاز ونحو 8 مليار متر مكعب من مكثفات الغاز الطبيعي ويعتبر اكبر حقل للغاز في العالم.

الحصار

وقد تعززت العلاقات القطرية-الإيرانية عقب الحصار الذي فرضته دول التحالف(السعودية, والإمارات, والبحرين, ومصر) على قطر عام 2017,
إذ فتحت طهران موانئها و أجوائها امام الدوحة خلال الحصار , وهو موقف لن تنساه الدوحة بحسب قول أمير قطر وفقا وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية ”إرنا“. أدى الحصار المفروض على قطر إلى تعزيز تقارب الأخيرة مع كل من تركيا وإيران اللتان تناهض دول الحصار وسياساتها لإعتبارات شتى.

وكما يقال رب ضارة نافعة, فإن هذا الحصار عزز مكانة قطر الإقليمية التي باتت تحتفظ بعلاقات وثيقة مع لاعبين كبيرين في المنطقة هما تركيا وايران, في حين باتت السعودية معزولة إقليميا, لكنها حاولت جبر هذا العزل عبر التقارب مع قوة إقليمية أخرى هي اسرائيل, بالرغم من مخاطر هذا التقارب على السعودية باعتبارها بلاد الحرمين الشريفين.

الدوافع

وبعد هذه المقدمة فيمكن تفهم الدوافع التي تقف خلف هذه الزيارة, فهي تأتي في ظل ظروف عصيبة تمر بها الجمهورية الإيرانية لربما هي ألاخطر منذ تأسيسها قبل اربعة عقود, وفي ظل حالة القلق التي تعيشها المنطقة مخافة اندلاع حرب شاملة تحرق الأخضر واليابس وتعيد دول المنطقة عقودا إلى الوراء. ومن هنا تقع على عاتق قطر مسؤولية كبيرة للعب دور لتهدئة الأوضاع وخفض التصعيد إعتمادا على علاقاتها الوثيقة بكلي طرفي الصراع, وهو الهدف الذي عبّر عن الشيخ تميم خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الإيراني حسن رواحني في طهران.

فقد عبّر عن ذلك أمير قطر بشكل صريح يقوله“أن الحل الوحيد للأزمات في المنطقة هو تخفيض التصعيد وانخراط الجميع في الحوار“. زيارة كانت إيران في أمس الحاجة اليها خاصة وأنها تعاني من عزلة دولية وإقليمية, في ظل حصار إقتصادي, وتحديات تواجهها عدد من دول المنطقة وخاصة العراق ولبنان, ولذا فقد اعتبرها أمير قطر ردا لجميل إيران لوقوفها إلى جانب بلاده خلال الحصار.

تكهنات
أثارت الزيارة جدلا حول الملفات التي بحثها الأمير الشاب في طهران, ويعكس استقبال المرشد الإيراني له أهمية الزيارة التي لابد أنها حملت في طياتها رسائل متبادلة بين طرفي الصراع وإن لم تكن مكتوبة ولكن مفهومة وتقرأ بين السطور.
وتفاوت الجدل حول ما إذا كانت زيارة وساطة أو بحث عن دور في الأزمة او إعلان للحياد أو لبحث ملف قاعدة العديد أوحادثة الطائرة الاوكرانية, وعما إذا كان الهدف منها هو لعب دور الوسيط البديل لعمان التي توفي سلطانها وتولى من بعدها سلطان جديد لم تتضح معالم سياساته بعد.

ويلاحظ ان بعض هذه التكهنات بعيدة كل البعد عن الحقيقة ومنها ملف الطائرة الأوكرانية والمزاعم بان قطر تعهدت بدفع تعويضات, وهو كلام يثير السخرية فقطر ليس لها علاقة بهذه الحادثة لا من قريب ولا من بعيد, وخاصة بعد اعتراف السلطات الإيرانية بان قواتها أسقطت الطائرة بصاروخ نتيجة لخطأ بشري. واما محاولة ربط هذه التعويضات المزعومة بما أثير من إدعاءات بانطلاق الطائرة التي نفذت عملية اغتيال سليماني والمهندس من قطر, فلا أساس له.

إذ لم يصدر أي تأكيد رسمي من الولايات المتحدة وإيران حول ذلك, بل تعددت التقارير بين زاعم إنطلاقها من قاعدة العديد في قطر او من قاعدة الظفرة في الإمارات او من قاعدة الجفير في البحرين او قاعدة علي السالم الجوية في الكويت , اومن أحدى حاملات الطائرات الأركية في الخليج. وقد قطعت إيران الشك باليقين عندما اعلن مسؤول عسكري أن مروحية أمريكية نفذت عملية الإغتيال, وهو ما يعني أنها انطلقت من الأراضي العراقية, وهو ما يفسر الهجمات التي نفذتها إيران على قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم قوات أمريكية.

الملفات

لذا فإن مما لاشك فيه أن أهم الملفات التي جرى بحثها هو ملف خفض التصعيد والتوتر في المنطقة. فهذا الملف يستحوذ على اهتمام الإدارتين الأمريكية والإيرانية, فإدارة ترامب المقبلة على إنتخابات رئاسية هذا العام, لا تريد الدخول في حرب مع إيران غير مضمونة النتائج قد تكون لها انعكاسات سلبية قد تطيح بآمال ترامب بالجلوس في المكتب البيضاوي لأربع سنوات أخر. فالرئيس الأميركي يسعى لتحقيق نصر على إيران عبر إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي, دون أن يريق قطرة جندي أمريكي, ودون أن يخوض حربا مكلفة إقتصاديا. وباختصار فهو يسعى لتحقيق نصر بأبخس الأثمان.

واما على الصعيد الإيراني فإن خفض التوتر هو الآخر مطلب إيراني! ولعل الضربة العسكرية الإيرانية لمعسكر عين الأسد والتي لم تسفر عن سقوط أي قتيل امريكي, تعكس هذا التوجه الإيراني. فالقيادة الإيرانية تعي بان الجمهورية التي مضى على تأسيسها اربعة عقود حققت خلالها تقدما على مختلف الصعد, هي أكبر من أن تجازف بمستقبلها إنتقاما لمقتل فرد واحد وإن كان بمكانة القائد العسكري سليماني الذي كان يعد الرجل الثاني في ايران بعد المرشد, وذراعه اليمنى داخليا وخارجيا.

فلغة التهديد الترامبية بلغت اوجها ضد إيران بعد أن وضع ترامب 52 هدفا في مرمى نيران قواته واولها المنشآت النفطية تليها المنشآت النووية والمعسكرات وغيرها من الهداف الحساسة. ولذا فإن لهجة الإنتقام الإيرانية تغيرت سريعا من الإنتقام الساحق الماحق الآني إلى الإنتقام الطويل الأمد الذي تجيده وتتقنه إيران أكثر من الولايات المتحدة.

ومما لاشك فيه أن دول الخليج التي التزمات الصمت وعلى غير عادتها حيال هذه التطورات, حبست ولا تزال تحبس أنفاسها مخافة إندلاع حرب في المنطقة لا تبقي ولاتذر. ولذا فمن المؤكد أن إبعاد شبح الحرب كان الملف الأول الذي حمله معه أمير قطر إلى طهران, ولاشك أنه كان ينتظر تأكيدات وتطمينات من الجانب الإيراني على هذا الصعيد, كي يحملها إلى الإدارة الأميركية. ولا شك أن إيران لا تعطي مثل هذه التأكيدات بشكل مباشر, ولكن مما لاشك فيه أيضا أن إيران لا تريد خوض حرب شاملة, ولكنها ستبدأ حربا طويلة الأمد ضد الوجود الأميركي في المنطقة ستكون باكورة ساحاتها العراق.

إن مثل هذا الخيار سيبعد مخاطر الحرب عن إيران وعن دول الخليج وهو المطلوب وسيحول النزاع إلى معركة عراقية -أميركية, لربما ستكون أشد خطورة على ترامب واكثر تهديدا لطموحاته بإعادة انتخابه لولاية ثانية. ولذا فإن هذه المعركة ستحسم مستقبل الصراع في المنطقة إما لصالح ترامب وهو ما يعني مزيدا من التوتر وتزايد إحتمالات الحرب الشاملة, او لصالح إيران داخل العراق, وهو ما يعني هزيمة ترامب واختفاء شبح الحرب عن المنطقة.

الخلاصة

ولذا فإن الهدف الأكبر لهذه الزيارة هو خفض التصعيد في كل الساحات وخاصة الساحة العراقية المرشحة اليوم أكثر من غيرها لرفع منسوب التوتر في المنطقة.
ومما يؤهل قطر للعب دور مؤثر خلال الفترة المقبلة, فضلا عن علاقاتها الوثيقة باطراف الصراع ونجاحها في إدارة ملف الحصار , هو انها أصبحت بديلا مقبولا لسلطنة عمان بعد الحرج الذي سببته السلطنة لإيران منذ استقبالها لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو, ومع إعلان سلطان عمان الجديد السير على نهج سلفه, ومع شبه انهيار الإتفاق النووي الإيراني الذي لعبت عمان دورا كبيرا في التوصل اليه, فإن حظوظ قطر بالنجاج في نزع فتيل الحرب في المنطقة عبر لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن باتت محتملة أكبر من أي وقت مضى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here