النقد العمياوي و الادمان الفهلوي

بقلم مهدي قاسم

لكوني لم اتطلع على تفصيل الاتفاقية
العراقية ــ الصينية المزعومة ، لذا لم أفكر بالكتابة عنها لا سلبا ولا إيجابا ، لأن ذلك لا يليق بشخص يسعى للمصداقية والأمانة وكذلك احترام عقل ووقت القارئ الكريم ، أقول كل هذا بعدما تعرضت الاتفاقية العراقية ــ الصينية لحملات نقد و تشنيع واسعة من ناحية و لحملات
مديح و تثمين و إطراء و إشادة كثيرة من ناحية أخرى ، ربما دون أن يطلع أغلب المنتقدين والمادحين لتفاصيل الاتفاقية و موادها وبنودها الكاملة ــ هذا إذا موجودة أصلا بهذه الصورة التي يجري التطرق إليها ــ و فيما إذا كانت هذه الاتفاقية لصالح العراق حقا ، نقصد على
صعيد تنمية اقتصادية و كذلك إعمارية تحديثا و تجديدا وتطويرا للبنى التحتية ولعموم مرافق الدولة الخربانة و المنخورة ؟ أم سوف تشكل أضرارا مالية واقتصادية شديدة و ارتهانا لثروات العراق المالية للإرادة الأجنبية و على مدى بعيد ؟! ..

ولكن قبل أن نستطرد دخولا في تفاصيل
الموضوع يجب التأكيد على أنه نحن العراقيين ــ عموما و ليس مطلقا ــ ليس فقط أصبحنا مولعين بالنقد ، أنما بتنا مدمنين عليه بشكل مهووس و مرضي ،وكأنه أضحى هو المصدر الوحيد للعزاء والأسى والتنفيس والراحة النفسية لنا وربما متعة أيضا ، طبعا إلى جانب محاولة إبراز
جانب الشطارة والفهلوة والفاهم الضليع بكل شيء !! ، بحيث أخذنا ننتقد كل حدث سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا ، حتى دون أن نعرف تفاصيله ومحتوياته ، و فيما إذا كان هذا الحدث قد وقع فعلا أم مجرد عملية اختلاق و تلفيق و افتعال ، الغاية منها التدليس والتغليس
والتدنيس ، أقول ذلك لأنني أقرأ في أحايين كثيرة منشورا فيسبوكيا يمكن ملاحظة النسبة الكاملة من الزيف والتلفيق التي يحتويها مع ذلك نجد العشرات ـــ أن لم تكن بالمئات ــ من المعلقين يأخذونها كحقيقة مطلقة ويبنون عليها تصورات و آراء وقناعات و يقوم بعضهم بتأويلها
ألف تأويل و تخمين و تأكيد ويقين مبين و تسقيط متين!! ، حتى يتبين لنا أن اللذة التي يشعر بها الناقد أو المنتقد لا تكمن في إيجاد حلول أو طرح بدائل ، إنما تكمن في مجرد النقد أو الانتقاد ذاته ، و رجوعا لموضوعنا الأساسي فلابد أن نسأل هنا سؤلا مشروعا وموضوعيا تماما
من قبيل ـ

ــ يا ترى كيف يرضى ثمة شخص ما يعد نفسه
رصينا وموضوعيا أن ينتقد شيئا ما دون أن يعرفه أو يطلّع على تفاصيله و خفاياه الكامنة ؟ ، أو يقوم بمدحه و الإشادة به تثمينا وتعظيما مفرطا وكأنه هو من صاغه أو من الموقعين على عليه ؟!!..

حتى أصبح عندنا معسكرين إحدهما إيراني
و ثانهيما أمريكي الأول أفرط في تعظيم الأتفاقية و تمجيد محاسنها و فوائدها بينما المعسكرالثاني انخرط في تسقيطها و التشنيع بها وتهويل أضرارها المالية والسياسية الكبيرة!!..

بطبيعة الحال ، أن المسألة هنا لا تحتاج
إلى ” صفنة ” عميقة وتأمل شديد لكي يعرف المرء أن كلا الطرفين يسعيان لتجيّير أي شيء لأهدافهما ومواقفهما السياسية أو الفئوية و الانحياز المتطرف لهذا التكتل السياسي أو الطائفي أم ذاك ، دون أن تهم البعض معرفة و كشف الحقيقة ولا أهمية المصدقية والأمانة التي ينتظرها
القارئ الفطن و المطلع و الذي لا تفوته أية شطارة مضحكة أو فهلوة متكلفة ..

علما أن بعضا ينسب هذه الاتفاقية إلى
عهد حيدر العبادي بينما بعض آخر إلى العهد العدسي الحالي ، بينما بعض ثالث يشك بوجوده بهذه الصورة المطروحة في الصحافة و الإعلام ..

هذا دون أن ننسى الإشارة إلى حق الرأي
و التعبير و التفكير الحر ، كحق مشروع للجميع ، أي بتعبير آخر كأمر مسلم به في الوقت نفسه ، ولكن ينبغي دون أن يجري ذلك على حساب محاولة استغفال القارئ الكريم بهدف خدمة غايات سياسية و فئوية معينة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here